الاثنين، 25 فبراير 2013

نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

نساء حول الرسول

تحت الإنشاء 





آمنة بنت وهب

أم النبي صلى الله عليه وسلم

تلخيص كتاب أم النبي لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ

الدكتور : خـالد خميس فــرَّاج


تمهيد ومناجاة:
          يا أمّ النبي، يا سيدة الأمهات، يا من جادت على البشرية عامة، بوليدها الوحيد، خاتم الرسل أجمعين. إنّ نبينا الكريم، المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ذلك الإنسان الذي حملته جنينا في أحشائها، ووضعته كما تضع كل أنثى من البشر. وقال تعالى لابنك الخالد:" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا "، وجعل منك أيتها الأنثى الوديعة المتواضعة، والأم الطيبة الحنون، موضع إجلاله واعتزازه. وذلك الشعور الجميل الرائع الذي يشعر به ولدك محمد، حين سئل عن أحق الناس بإكرامه فقال:" أمك ...ثم أمك ...ثم أمك...ثم أبوك"؟.
بيئة آمنــة ونشأتها:
          تفتحت عينا الفتاة الطاهرة والأم الجليلة آمنة بنت وهب في البيت العتيق في مكة المكرمة، في المكان الذي يسعى إليه الناس من كل فجّ، ملبية نداء إبراهيم الخليل" -عليه الصلاة والسلام - في الناس بالحج، وفي ذلك المكان الطاهر المقدس وضعت السيدة " آمنة بنت وهب " سيد الخلق " محمداً " في دار " عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم"، وبيئة آبائه وأجداده، ودار مبعثه صلى الله عليه وسلم.
تندرج "آمنة بنت وهب " من أسرة " آل زهرة " ذات الشأن العظيم، فقد كان أبوها " وهب بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي" سيد بني زهرة شرفاً وحسباً. ولم يكن نسب "آمنة" من جهة أمها، دون ذلك عراقة وأصالة فهي ابنة برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب"، فتجمع في نسب " آمنة" عز بني عبد مناف حسباً وأصالة. ويؤكد هذه العراقة والأصالة بالنسب اعتزاز الرسول صلى الله عليه وسلم بنسبه حيث قال : " ...لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذباً، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما " ويقول أيضا - : " أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً".
نسبٌ تحسب العلا بحُلاه
قلـدته نجومها الجــــوزاء 
حبذا عقدُ سؤددٍ وفخـــار
أنتَ فيه اليتيمة العصماء 

نشأة آمنة:
كان منبت السيدة آمنة وصباها في أعزّ بيئة، وما لها من مكانة مرموقة من حيث الأصالة النسب والحسب، والمجد السامية، فكانت تُعرف " بزهرة قريش" فهي بنت بني زهرة نسباً وشرفاً، فكانت محشومة ومخبأة من عيون البشر، حتى إنَّ الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها. وقيل فيها إنها عندما خطبت لعبد الله بن عبد المطلب كانت حينها أفضل فتاة في قريش نسبا وموضعا ".
 عبد الله بن عبد المطلب، فتى هاشم:
هو ابن " عبد المطلب بن هاشم" وأمه" فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية" وجدة " عبد الله" لأبيه " سلمى بنت عمرو". ولكن السبب الذي يمنع " عبد الله " من التقدم إلى " آمنة" هو نذر أبيه بنحر أحد بنيه لله عند الكعبة. حيث إن عبد المطلب حين اشتغل بحفر البئر، وليس له من الولد سوى ابنه " الحارث"، فأخذت قريش تذله، فنذر يومها، إذا ولد له عشرة من الأبناء سوف ينحر أحدهم عند الكعبة. فأنعم الله على " عبد المطلب" بعشرة أولاد، وكان " عبد الله" أصغرهم.
وخفق قلب كل شخص وهو ينتظر اللحظة ليسمع اسم الذبيح، وبقيت "آمنة"، لا تستطيع أن تترك بيت أبيها، ولكنها تترقب الأنباء في لهفة، وقد اختير " عبد الله " ليكون ذبيحا، ومن ثم ضرب صاحب القدح فخرج السهم على " عبدا لله" أيضا، فبكت النساء، ولم يستطع "عبد المطلب" الوفاء بنذره؛ لأن عبد الله أحب أولاده إليه، إلى أن أشار عليهم شخص وافد من " خيبر" بأن يقربوا عشراً من الإبل ثم يضربوا القداح فإذا أصابه، فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، فذا خرجت على الإبل فانحروها، فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم، وظلوا على هذه الحالة ينحرون عشرًا ثم يضربون القداح حتى كانت العاشرة، بعد أن ذبحوا مئة من الإبل.
عرس آمنة وعبد الله:
جاء "وهب" ليُخبر ابنته عن طلب " عبد المطلب" بتزويج "آمنة " بابنه "عبد الله" فغمر الخبر المُفرح نفس "آمنة"، وبدأت سيدات آل زهرة تتوافد الواحدة تلو الأخرى لتبارك لآمنة. وكذلك قيل بأن الفتيات كن يعترضن طريق " عبد الله"؛ لأنه اشتهر بالوَسامة، فكان أجمل الشباب وأكثرهم سحراً، حتى إنَّ أكثر من واحدة خطبته لنفسها مباشرة.
وأطالت "آمنة" التفكير في فتاها الذي لم يكد يفتدى من الذبح حتى هرع إليها طالباً يدها، زاهدا في كل أنثى سواها، غير مهتم إلى ما سمع من دواعي الإغراء! واستغرقت الأفراح ثلاثة أيام، ولكن عيناها ملأتها الدموع؛ لأنها سوف تفارق البيت الذي ترعرعت فيها، وأدرك "عبد الله" بما تشعر به، وقادها إلى رحبة الدار الواسعة. وذكر بأن البيت لم يكن كبيرا ضخم البناء، لكنه مريحٌ لعروسين ليبدآ حياتهما.
فكان البيت ذا درج حجري يوصل إلى الباب ويفتح من الشمال، ويدخل منه إلى فناء يبلغ طوله نحو عشر أمتار في عرض ستة أمتار، وفي جداره الأيمن باب يدخل منه إلى قبة، وفي وسطها يميل إلى الحائط الغربي مقصورة من الخشب، أعدت لتكون مخدعاً للعروسين.
البشرى بمحمد:
بعد زواج " عبد الله " من " آمنة" أعرضن عنه كثير من النساء اللواتي كنَّ يخطبنه علانية، فكانت " بنت نوفل بن أسد" من بين النساء اللواتي عرضن عن " عبد الله"، فسأل عبد الله واحدة منهن عن سبب إعراضها عنه فقالت :" فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة".
أدهش هذا الكلام " عبد الله وآمنة" وراحا يفكران في القول الذي قالته تلك المرأة؟ ولم تكف "آمنة " عن التفكير والرؤيا عنها وسبب انشغال آمنة في التفكير يرجع إلى أن هذه المرأة أخت " ورقة بن نوفل" الذي بشر بأنه سوف يكون في هذه الأمة نبي ... وبقي " عبد الله" مع عروسه أياماً، وقيل إنَّ المدة لم تتجاوز عشرة أيام؛ لأنه يجب عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى غزة والشام.
العروس الأرملة آمنة:
انطلق" عبد الله " بسرعة قبل أن يتراجع عن قراره، ويستسلم لعواطفه، ومرت الأيام و"آمنة "تشعر بلوعة الفراق، ولهفة الحنين إلى رؤيته، حتى إنها فضلت العزلة والاستسلام لذكرياتها مع " عبد الله" بدلا من أن تكون مع أهلها. ومرت الأيام فشعرت خلالها " آمنة" ببوادر الحمل، وكان شعورا خفيفا لطيفا ولم تشعر فيه بأية مشقة حتى وضعته. وفي هذه الأيام كانت تراودها شكوك في سبب تأخير" عبد الله" فكانت تواسي نفسها باختلاقها الحجج والأسباب لتأخيره.
وجاءت " بركة أم أيمن" إلى "آمنة" فكانت لا تستطيع أن تخبرها بالخبر الفاجع، الذي يحطم القلب عند سماعه فكانت تخفيه في صدرها؛ كي لا تعرفه"آمنة"، ومن ثم أتاها أبوها ليخبرها عن " عبد الله" التي طال معها الانتظار وهي تنتظره، فيطلب منها أن تتحلى بالشجاعة، وأن " عبد الله" قد أصيب بوعكة بسيطة، وهو الآن عند أخواله بيثرب، ولم تجد هذه المرأة العظيمة سوى التضرع والخشية وطلب الدعاء من الخالق البارئ لعله يرجع لها الغائب الذي تعبت عيناها وهي تنتظره، وفي لحظات نومها كان تراودها أجمل وأروع الأحلام والرؤى عن الجنين الذي في أحشائها، وتسمع كأن أحداً يبشرها بنبوءة وخبر عظيم لهذا الجنين.
وجاء الخبر المفزع من " الحارث بن عبد المطلب " ليخبر الجميع بأن " عبد الله " قد مات، أفزع هذا الخبر آمنة، فنهلت عيناها بالدموع، وبكت بكاءً مُرّاً على زوجها الغائب، وحزن أهلها حزنا شديداً على فتى قريش عبد الله . وبكت مكة على الشجاع القوي .


آمنة بنت وهب أم اليتيم:
نُصحت آمنةُ بنت وهبٍ بالصبر على مصابها الجلل، الذي لم يكن ليُصدّق عندها، حتى إنها كانت ترفض العزاء في زوجها، ولبثت مكة وأهلها حوالي شهراً أو أكثر وهي تترقب ماذا سوف يحدث بهذه العروس الأرملة التي استسلمت لأحزانها. وطال بها التفكير بزوجها الغالي عليها، حتى إنها توصلت للسرّ العظيم الذي يختفي وراء هذا الجنين اليتيم، فكانت تعلل السبب فتقول: أن " عبد الله" لم يفتد من الذبح عبثا! لقد أمهله الله حتى يودعني هذا الجنين الذي تحسه يتقلب في أحشائها. والذي من أجله يجب عليها أن تعيش.
وبذلك أنزل الله -عز وجل- الطمأنينة والسكينة في نفس " آمنة"، وأخذت تفكر بالجنين الذي وهبها الله سبحانه لحكمة بديعة، " ألم يجدك يتيما فآوى" ( الضحى 6). فوجدت " آمنة" في هذا الجنين مُواساة لها عن وفاة زوجها، ووجدت فيه من يخفف عنها أحزانها العميقة. فرح أهل مكة بخبر حمل " آمنة" وانهلوا عليها من البشائر لتهنئة "آمنة " بالخبر السعيد. وتتكرر الرؤى عند "آمنة" وسمعت كأن أحداً يقول لها: " أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم تسميه محمدا".
وجاءها المخاض فكانت وحيدةً ليس معها أحد، ولكنها شعرت بنور يغمُرها من كلّ جانب،... وأحست بالنور الذي انبثق منها، ثم وضعت وليدها كما تضع كلُّ أنثى من البشر، يقول شوقي:
ولــد الهدى فالكائنات ضياء
 وفم الزمان تبسم وثنــــاء
الروح والملأ الملائك حــوله
للدين والدنيا به بشـــراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي
والمنتهى، والسدرة العصمــاء
وهنا اكتملت فرحة " آمنة" فوليدها بجوارها، ولم تعد تشعر بالوحدة التي كانت تشعر بها من قبل. وفرح النّاس وفرح الجدُّ عبد المطلب بحفيده، وشكر الله سبحانه على نعمته العظيمة منشدا يقول:
الحمـــد الله الذي أعطاني
هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان
أعيذه من شر ذي شنآن
من حسد مضطرب العنان

وسماه " محمدا"، وسبب تسميته محمدا هو أنه يريده أن يكون محموداً في الأرض وفي السماء، ومن ثم توال القوم ليسموا أبناءهم بهذا الاسم.
وشعرت "آمنة" بأن القسم الأول والأهم قد انتهى بوضع وليدها المبشر، ورسالة أبيه قد انتهت بأن أودعه الله جنينًا في أحشائها، ولكن مهمتها بقت في أن ترعاه وتصحبه إلى يثرب ليزور قبر فقيدهما الغالي " عبد الله" . وبعد بضعة أيام جف لبن " آمنة" لما أصابها من الحزن والأسى لموت زوجها الغالي عليها فأعطته " لحليمة بنت أبي ذؤيب السعدي" حتى ترضعه، فبات عندهم حتى انتهت سنة رضاعته وأرجعته إلى "آمنة". وفي الفترة التي عاش عند "حليمة" حدثت لرسول حادثة شق الصدر التي أفزعت النفوس بها.


وفاة آمنة بنت وهب:

حان الوقت التي كانت "آمنة" تترقبه حيث بلغ محمدٌ السادسة من عمره بعد العناية الفائقة له من والدته. وظهرت عليه بوادر النضج. فصحبته إلى أخوال أبيه المقيمين في يثرب ولمشاهدة قبر فقيدهما الغالي، وعندما وصلت إلى قبر زوجها عكفت هناك ما يقارب شهرا كاملا، وهي تنوح وتتذكر الأيام الخوالي التي جمعتها مع زوجها بينما "محمد" يلهو ويلعب مع أخواله.

تعبت "آمنة" في طريقها بين البلدتين إثر عاصفة حارة وقوية هبت عليهم. فشعرت "آمنة" بأن أجلها قد حان فكانت تهمس بأنها سوف تموت، ولكنها تركت غلاماً طاهراً، ثم أخذها الموت من بين ذراعي ولدها الصغير وفارقت هذه الدنيا. وانهلت أعين الطفل بالبكاء بين ذراعي أمه، فهو – بعد - لا يدرك معنى الموت . فأخذته " أم أيمن" فضمته المسكينة إلى صدرها وأخذ تحاول أن تفهمه معنى الموت حتى يفهمه. وعاد اليتم الصغير إلى مكة حاملا في قلبه الصغير الحزن والألم، ورأى بعينيه مشهد موت أعز الناس وأقربهم إلى قلبه؛ أمه آمنة التي يصعب عليه فراقها.


آمنة بنت وهب المرأة الخالدة 

ماتت " زهرة قريش" السيدة العظيمة، ولكنها خلدت في قلب أهل مكة، وفي قلب ابنها سيد البشر، فهي عظيمة وأم لنبينا - صلى الله عليه وسلم. وقد اختاره الله- عز وجل - واصطفاه من بين البشر جمعاء؛ ليحمل رسالة عظيمة إلى شتى أنحاء العالم وللبشر. هذا اليتيم لم يعد يتيمًا بل كفله عمه " أبو طالب" بعد وفاة جده، وكان يحبه حبا شديدا فكان يعتبره واحداً من أبنائهم، وكان ينتظره إلى أن يأتي ويتغدى الجميع بصحبة محمد المباركة، وعلى الرغم من أن محمّدا e أحيط بحب زوجته " السيدة خديجة" وحنان زوج عمه" فاطمة بنت أسد"، ولكن ذكريات أمه بقيت معه في كل لحظة، ويذكر كل لحظة جميلة قضاها معها إلى لحظة موتها، حتى كان ينوح من البكاء.

وكأنه يرى ملامحها الجليلة في زوجته " خديجة" التي سكن عندها منذ أن بلغ الخامسة والعشرين من عمره. إلى أن توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين. كذلك تمثلت في بناته وفي حنوه وأبوته لهن، وهاهو يقول: " الجنة تحت أقدام الأمهات "، وجعل البر بالأم مقدما على شرف الجهاد في سبيل الله والدار الآخرة، ونجد القرآن الكريم يقرن بين العبادة والإخلاص به والبر بالوالدين، " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " .
وسوف تظل صورة الأم العظيمة آمنة بنت وهبا تنتقل عبر الأجيال وسوف تظل باسمها خالدة في نفوسنا وفي أعماقنا


فيقول الشاعر أحمد شوقي :

تتباهى بك العصور وتسمو # بك علياء بعدها علياء
فهنيئاً به لآمنة الفضل # الذي شرفت به حواء!

سلام على " آمنة بنت وهب" سيدة الأمهات، ووالدة أعظم شخص وأحب شخص إلى نفوسنا، خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرجع : كتاب أم النبي –صلى الله عليه وسلم – للدكتورة : عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ. إصدار بيت القرآن، ط 1، المنامة، البحرين، 1997.

تبع إن شاء الله تعالى


أخيكم المتأمل خيرًا في ربه
مرضعاته صلى الله عليه وسلم


حليمة السعدية رضي الله عنها

إشراف الأستاذ: خالد فـــرَّاج
إعداد الطالبة:أمل عبد الله زايـــد
نسبهــــا:
حليمة بنت أبي ذويب، وأبو ذويب: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيسا بن عيلان .(1)من قبيلة بني سعد بن بكر.من بادية الحديبية بالقرب من مكة.

عملهــــا:
كانت مرضعة،أي أن المرضعات يقدمن الى مكة من البادية ويفضلن من كان أبوه حياً ليزيد من إكرامهن.
زوجهــــا:
هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة

أبناؤها:
كبشة، وأنسيه، والشيماء
أبناؤها من الرضاعة:
محمد صلى الله عليه وسلم،حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، سيد الشهداء وعم النبي،أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم-.
سبب أخذها للرسول :
قدمت حليمة السعدية مع نساء قومها يلتمسن الرضاع من أبناء مكة،فرجعت صاحباتها بأبناء مكة ولم تجد هي أحداً ترضعه سوى اليتيم محمداً - صلى الله عليه وسلم-، وقالت حليمة:"قدت في سنة شهباء( جدباء )، على أتان لي ومعي صبي لنا وشارف( ناقة )، فقدمنا مكة، فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتأباه.إذا قيل أنه يتيم الأب،فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غيره، فلما لم أجد غيره قلت لزوجي إني لأكره أن أرجع من بين صاحباتي وليس معي رضيع،لأنطلق إلى ذلك اليتيم فلآحذنه"( [1])فأخذته حليمة ووجدت بركة في شرفها، وثديها، وآل بيتها، وأغنامها، وأرضها التي كانت تعاني من الجدب.

رجوع حليمة إلى مكة:
قالت : فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه فينا،لما كنا نرى من بركته،فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت بني عندي حتي يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا، قالت فرجعنا به.( [2])

حليمة ترجع به إلى أمه:
قالت حليمة: فاحتملناه فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟ قالت : فقلت: نعم قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي، وتخوفت الأحداث عليه، فأديته عليك كما تحبين، قالت ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك، قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها، قالت :أفتخوفت عليه من الشيطان؟ قالت : قلت: كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبني لشأناً،أفلا أخبرك خبره؟ قالت:قلت: بلى، قالت رأيت حين حملت به أنه خرج منه نورٌ أضاء لي به قصور بصري من أرض الشام، ثم حملت به، فوالله ما رأيت من حملٍ قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضعٌ يده بالأرض، رافعٌ رأسه إلى السماء، دعيه وان طلقي راشدة( [3]).

افتقاد حليمة للرسول - صلى الله عليه وسلم-:
افتقدت حليمة للرسول حينما عاد لمكة فافتقدت حليمة بركته، وأصابها من اللوعة والشوق إليه .

سبب آخر لعودة حليمة به - صلى الله عليه وسلم-:
قدم جماعة من نصارى الحبشة إلى الحجاز فوقع نظرهم على محمد - صلى الله عليه وسلم-في بني سعد ووجدوا فيه جميع العلائم المذكورة في الكتب السماوية للنبي الذي سيأتي بعد عيسى عليه السلام؛ ولهذا عزموا على أخذه غيلة إلى بلادهم لما عرفوا أن له شأناً عظيما؛ً لينالوا شرف احتضانه وذهبوا بفخره.
حليمة والمرات الأخيرة التي التقت بالرسول - صلى الله عليه وسلم-:
المرة الأولى:
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكرم مرضعته حليمة السعدية-رضي الله عنهما ويتحفها بما يستطيع فعن شيخ من بني سعد قال:قدمت حليمة بنت عبد الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مكة، وقد تزوج خديجة، فشكت جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خديجة فيها فأعطتها أربعين شاة وبعيراً موقعاً للظعينة، وانصرفت إلى أهلها.( [4])

المرة الثانية: يوم حنين.

وفاة حليمة:
توفيت حليمة السعدية-رضي الله عنها- بالمدينة المنورة،ودفنت بالبقيع.
االـخـاتــــمة
مما سبق تعرفنا على شخصية هذه المرأة الجليلة الفاضلة التي كان لها الفضل في تربية الرسول صلى الله عليه وسلم تربية صالحة وخوفها عليه، وقد رأينا هذا الموقف واضح وجلي عندما شق قلب الرسو صلى الله عليه وسلم خافت عليه حليمة السعدية وأرجعته إلى أمه. هناك مواقف كثيرة تدل عل حب حلية السعدية للرسول. فعلينا تذكر هذه المرأة وعدم دائماُ ..


....
يتبع إن شاء الله تعالى .........

.....
أخوكم المتأمل خيرًا.........
مرضعاته صلى الله عليه وسلم

بركة أم أيمن

بركة بنت ثعلبة أم أيمن
حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم


إشراف الأستاذ : خالد خميس فــرَّاج

إعداد الطالبة: نعيـــمة قاسـم أهـلي

أم أيمن شخصية إسلامية لها مكانتها ومنزلتها العالية في قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم.

اسمها :

بركة بنت ثعلبه بن عمر بن حصن بن مالك بن عمر النعمان وهي أم أيمن الحبشية، مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحاضنته. ورثها من أبيه ثم أعتقها عندما تزوج بخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها. وكانت من المهاجرات الأول- رضي الله عنها.وقد روي بإسناد ضعيف : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقول لأم أيمن: " يا أم " ويقول : "هذه بقية أهل بيتي " [1]. وهذا إن دل فإنما يدل على مكانة أم أيمن عند رسول الله وحبة الشديد لها، وحيث اعتبرها من أهل بيته.
قال فضل بن مرزوق، عن سفيان بن عقبة، قال: كانت أم أيمن تلطف النبي - صلى الله عليه وسلم- وتقول عليه. فقال : وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، فولدت له : أيمن . ولأيمن هجرة وجهاد، استشهد زوجها عبيد الخزرجي يوم حنين. ثم تزوجها زيد بن حارثة أيام بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- فولدت له أسامة بن زيد، الذي سمي بحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- . وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- قد قال في أم أيمن :" من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة، فليتزوج أم أيمن "، قال : فتزوجها زيد بن حارثه [2]. فحظي بها زيد بن حارثة.
وعن أنس : أن أم أيمن بكت حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم-. فقيل لها : أتبكين ؟ قالت: والله، لقد علمت أنه سيموت ؛ ولكني إنما أبكي على الوحي إذ انقطع عن من السماء. وكذلك هذا القول يدل على حبها الشديد وتعلقها بالنبي - صلى الله عليه وسلم-والوحي.

أم أيمن واسمها بركة مولاة رسول الله وحاضنته:


أم أيمن ورثها الرسول صلى الله عليه وسلم من أبيه، وورث خمسة جمال أوراك وكذلك قطيعا من الغنم، وقام الرسول - صلى الله عليه وسلم- بعتق أم أيمن عندما تزوج خديجة بنت خويلد، وقد تزوج عبيد بن زيد من بني الحارث بن الخزرج أم أيمن، فولدت ولداَ واسمتة أيمن، ولكنه أستشهد في يوم حنين، وكان مولى خديجه بنت خويلد. زيد بن الحارث بن شراحيل الكلبي الذي وهبته خديجة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولكنه أعتقه وقام بتزويجه لأم أيمن وذلك بعد النبوة فأنجبت له أسامة بن زيد .

من إكرام الله لأم أيمن :
ومما رواه ابن سعد عن عثمان بن القاسم أنه قال : لما هاجرت أم أيمن، أمست بالبصرة، ودون الروحاء، فعطشت، وليس معها ماء ؛ وهي صائمة، فأجهدها العطش، فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فأخذته، فشربته حتى رويت . فكانت تقول : ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشت [3] .
لقد أكرم الله سبحانه أم أيمن وهى صائمة فقد أصابها العطش وهي لم يكن معها ماء فدلي عليها من السماء ماء فرويت فهذا يدل على كرم الله على أم أيمن، منزلتها العالية وفوزها بمحبة الله والرسول وهذا كله يدل على رفق الله بعبادة وسعة رحمة الخالق .
فقد حظيت أم ايمن بمنزلة عالية عند الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأكرمها أعز مكرمة لها في الدنيا عندما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيها: ." أم أيمن أمي، بعد أمي " !!..وقوله - صلى الله عليه وسلم- " هذه بقية أهل بيتي " !!.
وللنبي- صلى الله عليه وسلم- وقفة كريمة بعد انصرافه من غزوة الطائف منتصرا.. غانما .. ومعه من هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء .. وما لا يعلم ما عدته من الإبل والشياه .. نتلمس من خلاها عظيم إجلاله .. واحترامه .. وتوقيره .. لمقام الأمومة التي كان يرعى حقها حق الرعاية .. وذلك حين أتاه وفدُ هوازن ممن أسلموا فقال قائلهم: يا رسول الله ! إنما في الحظائر وخالاتُك وحواضِنُك .

وكانت حليمة أم النبي - صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة .. من بني سعد بن بكر من هوازن .. فمن رضاعه - صلى الله عليه وسلم- من حليمة السعدية أصبح له في هوازن تلك القرابات .. فلمست ضراعتهم قلبهُ الكبير .. واستجاب سريعاً لهذه الشفاعة بالأم الكريمة ( حليمة السعدية )التي أرضعتهُ .
كذلك هذا الموقف يدل على تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم- للأمومة، وحسن معاملتة للناس واحترامه الكبير لهم. حيث فقال لوفد هوازن، ووفاؤه للأم الكريمة يملأ نفسه ،: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا : أنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك، وأسال لكم " .
فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالناس الظهر، قام رجال هوازن فتكلموا بالذي أمرهم به - صلى الله عليه وسلم- . فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم "، فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-. وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-. وهذا يدل على روح التعاون والحب الشديد لرسول الله ويبين مدى تأثيرهم به وتعلقهم به .
روايتها للحديث :
روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وروى عنها أنس بن مالك، والصنعاني، والمدني [تهذيب التهذيب ج 12 ص 459 ].

أمهات النبي - صلى الله عليه وسلم – الطاهرات:

يقول الله تعالى : { وأمهتكم التي أرضعنكم .. } ( النساء )،وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- { أم أيمن أمي، بعد أمي } ( الإصابة لابن حجر).
لقد اختار الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- أمهات طاهرات كريمات .. ذوات صل عريق .. وأنساب شريفة .. كان لكل واحدة منهن دور في رعايته - صلى الله عليه وسلم- والعناية به إلى أن أصبح شابا سويا ..فمن أمهات النبي صلى الله عليه وسلم : آمنة بنت وهب : وهي الأم الكبرى له - صلى الله عليه وسلم- ... وكان لها شرف تكوين الله تعالى نبيه محمدا في رحمها الطاهر .. وحملها له إلى أن وضعته، وقد واجهت في حملها لنبي الكثير حتى وضعته، وهذا من دلائل إقناعها بعظمة شأنة. وأما وحليمة السعدية : وهي الأم الثانية التي كان لها شرف إرضاعه - صلى الله عليه وسلم- وتغذيته بلبنها .. ورعايته في طفولته . وكذلك ثويبة، مولاة أبي لهب، وهي أم النبي - صلى الله عليه وسلم- بالرضاعة أيضا، أرضعته حين أعانت آمنة به. وكانت خديجة تكرمها وهي على ملك أبي لهب، وسألته أن يبيعها لها فامتنع، فلما هاجر رسول الله أعتقها أبو لهب . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يبعث إليها بصلة، وبكسوة، حتى جاءه الخبر أنها ماتت سنة سبع، للهجرة [5] .
من ذاكرة التاريخ: أبرز جوانب حياتها:
ـ كانت حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ورثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أمّه، ثم أعتقها، وبقيت ملازمة له طيلة حياتها، وكانت كثيراً ما تدخل السرور على قلبه - صلى الله عليه وسلم- بملاطفتها إياه.
ـ أسلمت في الأيام الأولى من البعثة النبوية.
ـ زوّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، عبيداً الخزرجي بمكة، فولدت له أيمن، ولما مات زوجها، زوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة، فولدت له أُسامة.
ـ هاجرت بمفردها من مكة إلى المدينة سيرا على الأقدام، وليس معها زاد .
ـ اشتركت في غزوة أحد، وكانت تسقي الماء، وتداوي الجرحى، وكانت تحثو التراب في وجوه الذين فروا من المعركة، وتقول لبعضهم: ((هاك المغزل وهات سيفك)).
ـ شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غزوتي خيبر وحنين.
وفاتها :
اختلف في تاريخ وفاتها فقيل: توفيت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - بخمسة أو بستة أشهر، وقيل: توفيت بعد وفاة عمر بن الخطاب بعشرين يوما، ودفنت في المدينة المنورة.

المصادر والمراجع:
1.
خالد عبد الرحمن العك. صورة من حياة صحابيات الرسول - صلى الله عليه وسلم- دار الألباب_لبنان _بيروت _ الضاحية. الطبعة الأولى (1409هـ _ 1989م)
2.
يوسف بن عبدالله، الاستيعاب في المعرفة الاصطحاب.. دائرة المعارف النظامية. الطبع الأولى. (1318هـ).
3.
محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ،سير أعلام النبلاء. الجزء الثاني. مؤسسه إرساله. بيروت
4 .
أسد الغابة في المعرفة الصحابة. المجلد الخامس. دار إحياء التراث العربي. بيروت
5 .
ابن سعد، الطبقات الكبرى المجلد الثامن (1377هـ _ 1958م).دار بيروت.

.....


....
يتبع إن شاء الله تعالى .........

.....
أخوكم المتأمل خيرًا..................
مرضعاته صلى الله عليه وسلم


ثويبة مولاة أبي لهب

ثويبة هي جارية أبي لهب، أعتقها حين بشّرته بولادة محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام، وقد أسلمت وكل أمهاته صلى الله عليه وسلم أسلمن .

إرضاعها للنبي صلى الله عليه وسلم :

كانت ثويبة أول من أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم – بعد أمه، وأرضعت ثويبة مع رسول اللّه عليه الصلاة والسلام ـ بلبن ابنها مسروح- أيضاً حمزة عمّ رسول اللّه، وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثويبة عتيقة أبي لهب.

وقيل: انه رؤى أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار، إلا أنه يخفّف عني كل أسبوع يوماً واحداً وأمص من بين إصبعيَّ هاتين ماء ـ وأشار برأس إصبعه ـ وان ذلك اليوم هو يوم إعتاقي ثويبة عندما بشّرتني بولادة النبي عليه الصلاة والسلام، بإرضاعها له. [1]
وكان إرضاعها للرسول أياما قلائل قبل أن تقدم حليمة السعدية [2]، وفي روايات تقول : إن ثويبة أرضعته أربعة أشهر فقط، ثم راح جده يبحث عن المرضعات ويجد في إرساله إلى البادية، ليتربى في أحضانها فينشأ فصيح اللسان، قوي المراس، بعيداً عن الامراض والاوبئة إذ البادية كانت معروفة بطيب الهواء وقلة الرطوبة وعذوبة الماء وسلامة اللغة، وكانت مراضع بني سعد من المشهورات بهذا الأمر بين العرب، حيث كانت نساء هذهِ القبيلة التي تسكن حوالي (مكة)ونواحي الحرم يأتين مكة في كل عام في موسم خاص يلتمسن الرضعاء ويذهبنَ بهم إلى بلادهنّ حتى تتم الرضاعة [3].

إكرام الرسول لثويبة :

ظل رسول الله يكرم أمه من الرضاعة ثويبة، ويبعث لها بكسوة وبحلة حتى ماتت [4]. وكانت خديجة أم المؤمنين تكرمها، وقيل أنها طلبت من أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها فأبي أبو لهب، فلما هاجر رسول الله –صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة أعتقها أبو لهب [5]، وهذا الخبر ينفي ما روي سابقا بأن أبا لهب أعتقها لبشارتها له بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم .

وفاتها :

توفيت ثويبة في السنة السابعة للهجرة، بعد فتح خيبر، ومات ابنها مسروح قبلها .
عودة إلى نساء عربيات

سوف أقدم لكم في الحلقات التالية زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

أخوكم المتأمل خيرًا
وبعد .....

هذه السلسلة الذهبية (( نساء حول الرسول)
لقد احترت أين أضع الموضوع هل في الساحة الاسلامية أم في ساحة المرأة والاسرة أم في ساحة التاريخ فإخترت الساحة الاخيرة لكي يفي التاريخ ببعض حقهن ... وسوف أقدمها أن شاء الله في حلقات وأبدأ بوالدة النبي صلى الله علية وسلم ثم مرضعاته ثم زوجاته ثم عماته ثم بناته ثم نساء الصحابة رضوان الله عليهن أجمعين

زوجاته صلى الله عليه وسلم


خديجة بنت خويلد رضي الله عنه


خَديجَة بِنتُ خُوَيلِد رضي الله عنها وأرضها

نسبها ونشأتها:
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى قصي بن كلاب القرشية الأسدية [1]، ولدت سنة 68 قبل الهجرة (556 م)[2]. تربت وترعرعت في بيت مجد ورياسة، نشأت على الصفات والأخلاق الحميدة، عرفت بالعفة والعقل والحزم حتى دعاها قومها في الجاهلية بالطاهرة [3]، وكانت السيدة خديجة تاجرة، ذات مال، تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، وقد بلغها عن رسول الله e أنه كان صادق أمين، كريم الأخلاق، فبعثت إليه وطلبت منه أن يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام لها يقال له ميسرة. وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربحت تجارتها ضعف ما كانت تربح [4]. أخبر الغلام ميسرة السيدة خديجة عن أخلاق رسول الله e، فدست له من عرض عليه الزواج منها، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم، فأرسلت السيدة خديجة إلى عمها عمرو بن أسعد بن عبد العزى، فحضر وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم [5]، وكان لها من العمر أربعين سنة ولرسول الله e خمس وعشرون سنة.
السيدة خديجة - رضي الله عنها - كانت أول امرأة تزوجها الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب زوجاته إليه، ومن كرامتها أنها لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت [. أنجبت له ولدين وأربع بنات وهم: القاسم (وكان يكنى به)، وعبد الله، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة [6].
إسلامها:
عندما بعث الله – سبحانه وتعالى – النبي e كانت السيدة خديجة – رضي الله عنها- هي أول من آمن بالله ورسوله، وأول من أسلم من النساء والرجال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة يصليان سراً إلى أن ظهرت الدعوة. تلقى رسو الله e كثيراً من التعذيب والتكذيب من قومه، فكانت السيدة خديجة t تخفف عنه وتهون عليه ما يلقى من أكاذيب المشركين من قريش. وعندما انزل الله – سبحانه وتعالى – الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم -قال له ( اقرأ بسم ربك الذي خلق ( فرجع مسرعاً إلى السيدة خديجة وقد كان ترجف بوادره، فقال : " زملوني "، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال : " مالي يا خديجة؟ " وأخبرها الخبر وقال: " قد خشيت على نفسي "، فقالت له : كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق. وانطلقت به إلى ابن خمها ورقة بن نوفل بن أسد، وهو تنصر في الجاهلية، وكان يفك الخط العربي، وكتب بالعربية بالإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا قد عمى، فقالت : امع من ابن أخيك ما يقول، فقال: يا ابن أخي ما ترى؟، فأخبره، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى [7].
منزلتها عند رسول الله :
كانت السيدة خديجة امرأة عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أم الله – تعالى – رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب [8].
كان رسول الله e يفضلها على سائر زوجاته، وكان يكثر من ذكرها بحيث أن عائشة كانت تقول : ما غرت على أحد من نساء النبي e ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي e يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد. [9]
وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت هل كانت إلا عجوزاً فأبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمن بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني النساء، قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا ً [10].
وفاتها:
توفيت السيدة خديجة ساعد رسول الله e الأيمن في بث دعوة الإسلام قبل هجرته إلى المدينة المنورة بثلاثة سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، وأنزلها رسول الله e بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده، وكانت وفاتها مصيبة كبيرة بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم- تحملها بصبر وجأش راضياً بحكم الله – سبحانه وتعالى [11]،




يتبع إن شاء الله تعالى

أخوكم المتأمل خيرًا
ســـودة بنت زمعة
رضي الله عنها

وأول امرأة تزوجها الرسول بعد خديجة
وبها نزلت آية الحجاب
اسمها ونسبها:
هي أم المؤمنين سوده بنت زمعة بن قيس بن عبد ود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشية العامرية، وأمها الشمّوس بنت قيس بن زيد بن عمر الأنصارية.1

إسلامها:
كانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة، من فوا ضل نساء عصرها. كانت قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، أخي سهيل بن عمرو العامري. ولما أسلمت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم معها زوجها السكران وهاجرا جميعاً إلى أرض الحبشة، وذاقت الويل في الذهاب معه والإياب حتى مات عنها وتركها حزينة مقهورة لا عون لها ولا حرفة وأبوها شيخ كبير.2
زواجها:
في حديث لعائشة عن خولة بنت حكيم، أن خولة بنت حكيم السلمية رفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة وزوجها عثمان بن مظعون لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها: أنها صغيرة ويريد من هي أكبر سناً لتدبير شؤون بيته ورعاية فاطمة الزهراء.
فعرضت الزواج من سوده بنت زمعة، فهي امرأة كبيرة وواعية، رزان ومؤمنة، وأن جاوزت صباها وخلت ملامحها من الجمال. ولم تكد خولة تتم كلامها حتى أثنى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم- فأتى فتزوجها.3
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم- بسودة ولديها ستة أبناء وكان زواجها في رمضان في السنة العاشرة من النبوة، بعد وفاة خديجة بمكة، وقيل: سنة ثمانية للهجرة على صداق قدره أربعمائة درهم، وهاجر بها إلى المدينة. 4

فضلها :
تعد سودة – رضي الله عنها - من فواضل نساء عصرها، أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجرت إلى أرض الحبشة. تزوج بها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت إحدى أحب زوجاته إلى قلبه، عرفت بالصلاح والتقوى، روت عن النبي أحاديث كثيرة وروى عنها الكثير. ونزلت بها آية الحجاب، فسجد لها ابن عباس. وكانت تمتاز بطول اليد، لكثرة صدقتها حيث كانت امرأة تحب الصدقة.
صفاتها:-
لما دخلت عائشة رضي الله عنها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة محبوبة تملأ العين بصباها ومرحها وذكائها، شاءت سودة أن تتخلى عن مكانها في بيت محمد صلى الله عليه وسلم فهي لم تأخذ منه إلا الرحمة والمكرمة، وهذه عائشة يدنيها من الرسول المودة والإيثار والاعتزاز بأبيها، وملاحة يهواها الرجل.
وقد أنس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمرحها وصباها في بيته فانقبضت سودة وبدت في بيت زوجها كالسجين، ولما جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً وسألها إن كانت تريد تسريحاً، وهو يعلم أن ليس لها في الزواج مأرب إلا الستر والعافية وهما في عصمة الرسول ونعمة الله، قالت سودة وقد هدأت بها غيرة الأنثى: يا رسول الله مالي من حرص على أن أكون لك زوجة مثل عائشة فأمسكني، وحسبي أن أعيش قريبة منك، أحب حبيبك وأرضى لرضاك.1
ووطدت سوده نفسها على أن تروض غيرتها بالتقوى، وأن تسقط يومها لعائشة وتؤثرها على نفسها، وبعد أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر جبراً لخاطرها المكسور بعد وفاة زوجها وسنها لم يتجاوز الثامنة عشر، هانت لدى سودة الحياة مع ضرتين ندتين كلتاهما تعتز بأبيها، ولكنها كانت أقرب لعائشة ترضيها لمرضاة زوجها.2

وكانت سوده ذات أخلاق حميدة، امرأة صالحة تحب الصدقة كثيراً، فقالت عنها عائشة – رضي الله عنها -: اجتمع أزواج النبي عنده ذات يوم فقلن: يا رسول الله أيّنا أسرع بك لحاقاً؟ قال: أطولكن يداً، فأخذنا قصبة وزرعناها؟ فكانت زمعة أطول ذراعاً فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفنا بعد ذلك أن طول يدها كانت من الصدقة.3
عن هشام، عن ابن سيرين: أن عمر رضي الله عنه- بعث إلى سودة بفرارة دراهم، فقالت: في الغرارة مثل التمر، يا جارية: بلغيني الفتح، ففرقتها.4

أعمالها:-
روت سودة – رضي الله عنها- خمسة أحاديث، وروى عنها عبدالله بن عباس ويحيى بن عبدالله بن عبد الرحمن بن سعدين زاره الأنصاري. وروى لها أبو داود والنسائي وخرج لها البخاري.5

وفاتها:
توفيت سودة في آخر زمن عمر بن الخطاب، ويقال إنها توفيت بالمدينة المنورة في شوال سنة أربعة وخمسون، وفي خلافة معاوية. ولما توفيت سوده سجد ابن عباس فقيل له في ذلك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيتم آية فاسجدوا"، فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها

إشراف الأستاذ : خالد فــراج

المقــدمة

إن ما دفعني للخوض في حياة السيدة عائشة (رضي الله عنها)هو ما لهذه الإنسانة من عقل نير، وذكاء حاد، وعلم جم. ولدورها الفعال في خدمة الفكر الإسلامي من خلال نقلها لأحاديث رسول الله وتفسيرها لكثير من جوانب حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واجتهاداتها . وهي كذلك المرأة التي تخطت حدود دورها كامرأة لتصبح معلمة أمة بأكملها ألا وهي الأمة الإسلامية. لقد كانت (رضي الله عنها)من أبرع الناس في القرآن والحديث والفقه، فقد قال عنها عروة بن الزبير (( ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة)1
وفي هذه النقطة البحثية تطرقت إلى ثلاث مجالات تميزت فيهم السيدة عائشة وهي :

1.
علمها وتعليمها .

2.
السيدة المفسرة المحدثة.

3.
السيدة الفقيه .

وقد اخترت هذه المجالات ؛ لأهميتها ولأثرها الواضح في المجتمع والفكر الإسلامي، فهي (رضي الله عنها)بعلمها ودرايتها ساهمت بتصحيح المفاهيم، والتوجيه لإتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أهل العلم يقصدونها للأخذ من علمها الغزير، فأصبحت بذلك نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه.تلكم هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، زوجة رسول الله وأفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالقرآن والحديث والفقه. ولدت بمكة المكرمة في العام الثامن قبل الهجرة، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة، فكانت أكثر نسائه رواية لأحاديثه.(2)

كانت من أحب نساء الرسول إليه، وتحكي (رضي الله عنها)عن ذلك فتقول (فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وتزوجني لسبع وبنى بي لتسع (أي دخل بي)، ونزل عذري من السماء (المقصود حادثة الإفك)،واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه قائلاً: إني لا أقوى على التردد عليكن،فأذنّ لي أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده في الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكي، وقبض بين حجري ونحري، ودفن في بيتي)).(3)توفيت(رضي الله عنها)في الثامنة والخمسين للهجرة.

علمها وتعليمها

تعد عائشة (رضي الله عنها)من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد أحيطت بعلم كل ما يتصل بالدين من قرآن وحديث وتفسير وفقه. وكانت (رضي الله عنها)مرجعاً لأصحاب رسول الله عندما يستعصي عليهم أمر، فقد كانوا (رضي الله عنهم)يستفتونها فيجدون لديها حلاً لما أشكل عليهم. حيث قال أبو موسى الأشعري (ما أشكل علينا –أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً))(4).

وقد كان مقام السيدة عائشة بين المسلمين مقام الأستاذ من تلاميذه، حيث أنها إذا سمعت من علماء المسلمين والصحابة روايات ليست على وجهها الصحيح،تقوم بالتصحيح لهم وتبين ما خفي عليهم، فاشتهر ذلك عنها، وأصبح كل من يشك في رواية أتاها سائلاً.(5)
لقد تميزت السيدة بعلمها الرفيع لعوامل مكنتها من أن تصل إلى هذه المكانة،

من أهم هذه العوامل:

- ذكائها الحاد وقوة ذاكرتها، وذلك لكثرة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

- زواجها في سن مبكر من النبي صلى الله عليه وسلم، ونشأتها في بيت النبوة، فأصبحت (رضي الله عنها)التلميذة النبوية.

- كثرة ما نزل من الوحي في حجرتها، وهذا بما فضلت به بين نساء رسول الله.

- حبها للعلم والمعرفة، فقد كانت تسأل وتستفسر إذا لم تعرف أمراً أو استعصى عليها مسائلة، فقد قال عنها ابن أبي مليكة ((كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه)).(6)

ونتيجة لعلمها وفقهها أصبحت حجرتها المباركة وجهة طلاب العلم حتى غدت هذه الحجرة أول مدارس الإسلام وأعظمها أثر في تاريخ الإسلام. وكانت (رضي الله عنها)تضع حجاباً بينها وبين تلاميذها، وذلك لما قاله مسروق(سمعت تصفيقها بيديها من وراء الحجاب)).(7)

لقد اتبعت السيدة أساليب رفيعة في تعليمها متبعة بذلك نهج رسول الله في تعليمه لأصحابه. من هذه الأساليب عدم الإسراع في الكلام وإنما التأني ليتمكن المتعلم من الاستيعاب،(8)

.
فقد قال عروة إن السيدة عائشة قالت مستنكرة(ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبِّح-أصلي-فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. (9)

كذلك من أساليبها في التعليم، التعليم أحياناً بالإسلوب العملي،(10)

وذلك توضيحاً للأحكام الشرعية العملية كالوضوء. كما أنها كانت لا تتحرج في الإجابة على المستفتي في أي مسائلة من مسائل الدين ولو كانت في أدق مسائل الإنسان الخاصة.(11)

كذلك لاحظنا بأن السيدة عائشة كانت تستخدم الإسلوب العلمي المقترن بالأدلة سواء كانت من الكتاب أو السنة. ويتضح ذلك في رواية مسروق حيث قال(كنت متكئاً عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة،ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن ؟ قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت:يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني،ألم يقل الله عز وجل (ولقد رآه بالأفق المبين.ولقد رآه نزلةً أخرى)
فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال ( إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين،رأيته مهبطاً من السماء سادّاً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض ))
فقالت: أولم تسمع أن الله يقول( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)أو لم تسمع أن الله يقول(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌ حكيم).

قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ). قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ))(12)

وبذلك يتضح لنا بأن السيدة عائشة (رضي الله عنها)كانت معقلاً للفكر الإسلامي، وسراجاً يضيء على طلاب العلم. ولذكائها وحبها للعلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويؤثرها حيث قال ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).(13)

السيدة المفسرة المحدثة

كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها)عالمة مفسرة ومحدثة، تعلم نساء المؤمنين،ويسألها كثير من الصحابة في أمور الدين،فقد هيأ لها الله سبحانه كل الأسباب التي جعلت منها أحد أعلام التفسير والحديث. وإذا تطرقنا إلى دورها العظيم في التفسير فإننا نجد أن كونها ابنة أبو بكر الصديق هو أحد الأسباب التي مكنتها من احتلال هذه المكانة في عالم التفسير، حيث أنها منذ نعومة أظافرها وهي تسمع القرآن من فم والدها الصديق،(14)كما أن ذكائها وقوة ذاكرتها سبب آخر،ونلاحظ ذلك من قولها( لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده)).(15)

ومن أهم الأسباب إنها كانت تشهد نزول الوحي على رسول الله، وكانت(رضي الله عنها)تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات.فجمعت بذلك شرف تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم فور نزوله وتلقي معانيه أيضا من رسول الله.(16)


وقد جمعت (رضي الله عنها)إلى جانب ذلك كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها وعلو بيانها.
كانت السيدة تحرص على تفسير القرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدين وعقائده، ويتضح ذلك في ما قاله عروة يسأل السيدة عائشة عن قوله تعالى( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبُوا جاءهم نصرنا…))قلت أ كُذِبُوا أم كُذِّبُوا؟ قالت عائشة: كُذِّبُوا، قلت: قد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري قد استيقنوا بذلك، فقلت لها:وظنَّوا أنهم قد كُذِبُوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن اتباعهم قد كذَّبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك)).(17)

وفي موقف آخر يتضح لنا أن السيدة عائشة كانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسر القرآن بالقرآن. وبذلك فإن السيدة عائشة تكون قد مهدت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم . أما من حيث إنها كانت من كبار حفاظ السنة من الصحابة، فقد احتلت (رضي الله عنها)المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته، حيث إنها أتت بعد أبي هريرة، وابن عمر وأنس بن مالك، وابن عباس (رضي الله عنهم).(18)

ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحاديث التي روتها قد تلقتها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم كما أن معظم الأحاديث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية (19).

ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدرسة الحديث الأول يقصدها أهل العلم لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي السنة من السيدة التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدٍ منهم، ولذلك كان عدد الرواة عنها كبير.

كانت (رضي الله عنها)ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي، وقد لاحظنا ذلك من رواية عروة بن الزبير عندما قالت له ( يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج فالقه فسائلْه، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً، قال عروة: فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما ذكر أن النبي قال:إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء فيرفعُ العلم معهم، ويبقى في الناس رؤوساً جهَّالاً يفتونهم بغير العلم، فيَضلّون ويٌضلٌّون. قال عروة: فلم حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك وأنكرته،
قالت: أحدَّثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ، قالت له: إن ابن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحة حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فساءلته فذكره لي نحو ما حدثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص))
(20).

ولذلك كان بعض رواة الحديث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحاديث ليتأكدوا من صحتها، كما إنهم لو اختلفوا في أمر ما رجعوا إليها.(21).

ومن هذا كله يتبين لنا دور السيدة عائشة وفضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية في بيته عليه الصلاة والسلام .

السيدة الفقيهة :

تعد السيدة عائشة(رضي الله عنها)من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد كانت من كبار علماء الصحابة المجتهدين، وكما ذكرنا سابقاً بأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يستفتونها فتفتيهم، وقد ذكر القاسم بن محمد أن عائشة قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت.(22).

ولم تكتفِ (رضي الله عنها)بما عرفت من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة، فكانت إذا سئلت عن حكم مسألة ما بحثت في الكتاب والسنة، فإن لم تجد اجتهدت لاستنباط الحكم، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها.(23).
فهاهي (رضي الله عنها)تؤكد على تحريم زواج المتعة مستدلة بقول الله تعالى ( والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)).(24)

وقد استقلت السيدة ببعض الآراء الفقهية، التي خالفت بها آراء الصحابة، ومن هذه الآراء:
1-
جواز التنفل بركعتين بعد صلاة العصر، قائلة( لم يدع رسول ال صلى الله عليه وسلم له الركعتين بعد العصر)). وعلى الرغم من أنه من المعلوم أن التنفل بعد صلاة العصر مكروه، فقال بعض الفقهاء أن التنفل بعد العصر من خصوصياته صلى الله عليه وسلم (25).

2
- كما أنها كانت ترى أن عدد ركعات قيام رمضان إحدى عشرة ركعة مع الوتر، مستدلة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وذلك عندما سألها أبو سلمة بن عبدالرحمن ((كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال(يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)).(26).

فكان الصحابة (رضي الله عنهم)يصلونها عشرين ركعة، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العدد لا يدل على نفي ما عداه (27).

وهكذا جمعت السيدة عائشة بين علو بيانها ورجاحة عقلها، حتى قال عنها عطاء( كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأياً في العامة)).(28)

الخلاصة :

توفيت السيدة عائشة (رضي الله عنها)وهي في السادسة والستين من عمرها،بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية والاجتماعية والسياسية للمسلمين. وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم .

لقد عاشت السيدة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتصحيح رأي الناس في المرأة العربية، فقد جمعت (رضي الله عنها)بين جميع جوانب العلوم الإسلامية، فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. وكما ذكرنا سابقاً فهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء.

كما أن عروة بن الزبير قال فيها(ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة))(29)

، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبدالبر( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر)).(30)

وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه،للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي.فهي بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- .

الحواشي :

1
)عمر رضا كحاله: أعلام النساء،مؤسسة الرسالة،لبنان،1977،ط3،ص105.
2
)خيرالدين الزركلي:الأعلام،دار العلم للملايين،لبنان،1997ط12،،ص240.
3
)الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع،المملكة العربية السعودية، ط1،ص6.
4
)د.حسين الشيخ:نساء غيرن وجه التاريخ،دار العلوم العربية،لبنان،1996،ط1،ص145.
5
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،دار القلم،لبنان،1988،ط4،ص175.
6
)المصدر نفسه،ص177.
7
)المصدر نفسه،ص178.
8
)المصدر نفسه،ص179.
9
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص179.
10
)الصدر عينه،ص179.
11
)د.حسين الشيخ:نساء غيرن وجه التاريخ،ص145 .
12
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص182.
13
)الموسوعة العربية العالمية،ص6.
14
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص182.
15
)المصدر نفسه،ص183.
16
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص183.
17
)المصدر نفسه ،ص185.
18
)عمر رضا كحاله: أعلام النساء،ص108.
19
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص187.
20
)المصدر نفسه،ص190.
21
)المصدر نفسه،ص191.
22
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص187.
23
)عمر رضا كحاله: أعلام النساء،ص106.
24
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص193.
25
)المصدر نفسه،ص 195.
26
)عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص195.
27
)المصدر نفسه،ص 195.
28
)المصدر نفسه،ص197.
29
)عمر رضا كحاله: أعلام النساء،ص105.
30
المصدر نفسه،ص105.
31
المصـــادر

1. -
حسين الشيخ:نساء غيرن وجه التاريخ،دار العلوم العربية،لبنان،1996،ط1.
2. -
خيرالدين الزركلي:الأعلام،دار العلم للملايين،لبنان،1997،ط.12
3. -
عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،دار القلم،لبنان،1988،ط4.
4. -
عمر رضا كحاله: أعلام النساء،مؤسسة الرسالة، لبنان، 1977 ،3.
4. -
الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع،المملكة العربية السعودية، ط 1. [/COLO- صلى الله عليه وسلم-]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



حفصة بنت عمر الخطاب
رضي الله عنها

إشراف الأستاذ: خالد فــراج
المقــدمة

هي حفصة بنت عمر أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب)ر ضي الله عنهما، ولدت قبل المبعث بخمسة الأعوام. لقد كانت حفصة زوجة صالحة للصحابي الجليل (خنيس بن حذافة السهمي)الذي كان من أصحاب الهجرتين، هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين إليها فرارا بدينه، ثم إلى المدينة نصرة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد شهد بدرا أولا ثم شهد أحدا، فأصابته جراحه توفي على أثرها، وترك من ورائه زوجته ( حفصة بنت عمر )شابة في ريعان العمر، فترملت ولها عشرون سنة.

زواج حفصة من الرسول صلى الله عليه وسلم
تألم عمر بن الخطاب لابنته الشابة، وأوجعه أن يرى ملامح الترمل تغتال شبابها وأصبح يشعر بانقباض في نفسه كلما رأى ابنته الشابة تعاني من عزلة الترمل، وهي التي كانت في حياة زوجها تنعم بالسعادة الزوجية، فأخذ يفكر بعد انقضاء عد تها في أمرها، من سيكون زوجا لابنته؟
ومرت الأيام متتابعة ..وما من خاطب لها، وهو غير عالم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذت من اهتمامه فأسر إلى أبي بكر الصديق أنه يريد خطبتها. ولما تطاولت الأيام عليه وابنته الشابة الأيم يؤلمها الترمل، عرضها على أبي بكر، فلم يجبه بشيء، ثم عرضها على عثمان، فقال : بدا لي اليوم ألا أتزوج . فوجد عليهما 1 وانكسر، وشكا حاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال :

يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، يتزوج عثمان من هو خير من حفصة..؟!

وعمر لا يدري معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم . لما به من هموم لابنته، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فزوجه عمر رضي الله عنه ابنته حفصة، وينال شرف مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويرى نفسه أنه قارب المنزلة التي بلغها أبو بكر من مصاهرته من ابنته عائشة، وهذا هو المقصود والله أعلم من تفكير النبي صلى الله عليه وسلم بخطبة لحفصة بنت عمر رضي الله عنها ؟!
وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بابنته أم كلثوم بعد وفاة أختها رقية، ولما أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ..لقي عمر بن الخطاب أبا بكر.. فاعتذر أبو بكر إليه، وقال : لا تجد علي، فإن ر سول الله صلى الله عليه وسلم، كان ذكر حفصة، فلم أكن لأفشي سره، ولو تركها لتزوجتها2 ؟!

وبذلك تحققت فرحة عمر وابنته حفصة .. وبارك الصحابة يد رسول صلى الله عليه وسلم وهي تمتد لتكرم عمر بن الخطاب بشرف المصاهرة منه عليه الصلاة والسلام، وتمسح عن حفصة آلام الترمل والفرقة.وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بحفصة سنة ثلاث من الهجرة على صداق قدره 400 درهم، وسنها يوميئذ عشرون عاما3.

حفصة في بيت النبوة :

وقد حظيت حفصة بنت عمر الخطاب –رضي الله عنها - بالشرف الرفيع الذي حظيت به سابقتها عائشة بنت أبي بكر الصديق !!.وتبوأت المنزلة الكريمة من بين (أمهات المؤمنين )رضي الله عنهنَّ !!..

وتدخل (حفصة )بيت النبي صلى الله عليه وسلم ... ثالثة الزوجات في بيوتاته عليه الصلاة والسلام .. فقد جاءت بعد( سوده )..و( عائشة)..
أما سوده فرحبت بها راضية .. وأما عائشة فحارت ماذا تصنع مع هذه الزوجة الشابة.. وهي من هي! بنت الفاروق (عمر ).. الذي أعز الله به الإسلام قديما .. وملئت قلوب المشركين منه ذعرا!!..

وسكتت عائشة أمام هذا الزواج المفاجئ وهي التي كانت تضيق بيوم ضرتها (سوده)التي ما اكترثت لها كثيرا …فكيف يكون الحال معها حين تقتطع (حفصة)من أيامها مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثلثها؟!.
وتتضاءل غيرة عائشة من حفصة لما رأت توافد زوجات أخريات على بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم " زينب …وأم سلمة…وزينب الأخرى ..وجويرية… وصفية .." إنه لم يسعها إلا أن تصافيها الود…وتسر حفصة لود ضرتها عائشة …وينعمها ذلك الصفاء النادر بين الضرائر؟.!..

صفات حفصة –رضي الله عنها

حفصة أم المؤمنين …الصوامة .. القوامة… شهادة صادقة من أمين الوحي (جبريل عليه السلام)!! … وبشارة محققه : إنها زوجتك – يا رسول الله- في الجنة!!… وقد وعت حفصة مواعظ الله حق الوعي .. وتأدبت بآداب كتابه الكريم حق التأدب... وقد عكفت على المصحف تلاوة وتدبرا وتفهما وتأملا ..مما أثار انتباه أبيها الفاروق (عمر بن الخطاب)إلى عظيم اهتمامها بكتاب الله تبارك وتعالى !! مما جعله يوصي بالمصحف الشريف الذي كتب في عهد أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .. وكتابه كانت على العرضة الأخيرة التي عارضها له جبريل مرتين في شهر رمضان من عام وفاته صلى الله عليه وسلم………..إلى ابنته (حفصة)أم المؤمنين!!..

حفظ نسخة القرآن المكتوب عند حفصة : الوديعة الغالية

روى أبو نعيم عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : " لما أمرني أبوبكر فجمعت القرآن كتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر رضي الله عنه- أي : توفي – كان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده- أي: على رق من نوع واحد – فلما هلك عمر رضي الله عنه كانت الصحيفة عند حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها، فسألها أن تعطيه الصحيفة ؛ وحلف ليردنها إليها، فأعطته، فعرض المصحف عليها، فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس فكتبوا المصاحف …!

و قد امتاز هذا المصحف الشريف بخصائص الجمع الثاني للقرآن الكريم الذي تم إنجازه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بمشورة من عمر بن الخطاب، وذلك بعد ما استحر القتل في القراء في محاربة ( مسيلمة الكذاب )حيث قتل في معركة اليمامة ( سبعون )من القراء الحفظة للقرآن باسره .. وخصائص جمع هذا المصحف نجملها فيما يلي 4 :

أولا : أن كل من كان قد تلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن أتى وأدلى به إلى زيد بن ثابت .
ثانيا : أن كل من كتب شيئا في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم أتى به إلى زيد .
ثالثا : أن زيدا كان لا يأخذ إلا من أصل قد كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا : أن الجمع بعد المقارنة بين المحفوظ في الصدور، والمرسوم في السطور، والمقابلة بينهما، لا بمجرد الاعتماد على أحدهما.
خامسا : أن زيدا كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد معه شاهدان على سماعه وتلقيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة بلا واسطة ؛ فيكون بذلك هذا الجمع قد تم فيه التدوين الجماعي، والثلاثة أقل الجمع.
سادسا : أن ترتيب هذا المصحف الشريف – الأول من نوعه – وضبطه كان على حسب العرضة الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل التحاقه بالرفيق الأعلى.

وقد شارك زيد في هذه المهمة العظيمة ( عمر بن الخطاب )فعن عروة بن الزبير أن أبا بكر قال لعمر وزيد : " اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه " !!.. قال الحافظ السخاوي في (جمال القراء)5 : " المراد انهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن ".

ولما أجمع الصحابة على أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان في جمع الناس على مصحف إمام يستنسخون منه مصاحفهم .." أرسل أمير المؤمنين عثمان إلى أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف " ..

تلك هي الوديعة الغالية !!.. التي أودعها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عند ابنته حفصة أم المؤمنين.. فحفظتها بكل أمانة .. ورعتها بكل صون ...فحفظ لها الصحابة … والتابعون …. وتابعوهم من المؤمنين إلى يومنا هذا … وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. ذلك الذكر الجميل الذي تذكر فيه كلما تذاكر المسلمون جمع المصحف الشريف في مرحلتيه … في عهد الصديق أبي بكر … وعهد ذي النورين عثمان… وبعد مقتل عثمان…إلى آخر أيام علي….بقيت حفصة عاكفة على العبادة صوامة قوامة … إلى أن توفيت في أول عهد معاوية بن أبي سفيان …وشيعها أهل المدينة إلى مثواها الأخير في البقيع مع أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

المصادر والمراجع

1.
الطبقات : لابن سعد ج 8\ 82
2.
الإتقان في علوم القرآن : للحافظ السيوطي ج 1 ظ 58
3. .
صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم : خالد عبد الرحمن العك، ط 1، دمشق، بيروت: دار الألباب،1989م.
4.
تاريخ توثيق نص القرآن الكريم : للمؤلف 65-67


زينب بنت خزيمة الهلالية

أول من دفن من أمهات المؤمنين في المدينة.

اسمها ولقبها:
هي زينب بنت خزيمة الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، ولم يختلف المؤرخون في نسبها من جهة أبيها كما صرح ابن عبد البر في ترجمتها بالاستيعاب بعد سياق نسبها، وهو ما أجمعت عليه مصادرنا لترجمتها أو نسبها، وأما من جهة أمها فأغفلته مصادرنا، ونقل ابن عبد البر فيها قول أبى الحسن الجرجاني النسابة، وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة بنت الحارث – أم المؤمنين – لأمها [1]، وكانت تدعى في الجاهلية – أم المساكين – واجتمعت المصادر على وصفها بالطيبة والكرم والعطف على الفقراء والمساكين في الجاهلية والإسلام، ولا يكاد اسمها يذكر في أي كتاب إلا مقرونا بلقبها الكريم -أم المساكين . [2]
زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم :
زينب بنت خزيمة هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والتي لم يمض على دخول حفصة البيت المحمدي وقت قصير حين دخلته أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين فكانت بذلك رابعة أمهات المؤمنين. ويبدو أن قصر مقامها ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرف عنها كتاب السيرة ومؤرخي عصر المبعث فلم يصل من أخبارها سوى بضع روايات لا تسلم من تناقض واختلاف [3]، وزينب بنت خزيمة أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، قتل عنها في بدر فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة 3 هجرية، ويقال إنه كان زواجا شكليا، حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم تزوجها - بدافع الشفقة.
واختلف فيمن تولى زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ففي الإصابة عن ابن الكلبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه فتزوجها، وقال ابن هشام في السيرة : زوَّجه إياها عمها قبيصة بن عمرو الهلالي، وأصدقها الرسول صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم .
واختلفوا أيضا في المدة التي أقامتها ببيت النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الإصابة رواية تقول: كان دخوله صلى الله عليه وسلم بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر،رضي الله عنها، ثم لم تلبث عنده شهرين أو ثلاثة وماتت "، ورواية أخرى عن ابن كلبي تقول: ( فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر وماتت في ربيع الآخر سنة أربع). وفي شذرات الذهب: (وفيها- يعني السنة الثالثة- دخل بزينب بنت خزيمة العامرية، أم المساكين، وعاشت عنده ثلاثة أشهر ثم توفيت)، وكانت زينب بنت جحش- رضي الله عنها – أجودهن ؛ يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبرهن باليتامى والمساكين، حتى كانت تعرف بأم المساكين )[4] .
وفاتـــها:

الراجح أنها ماتت في الثلاثين من عمرها كما ذكر "الواقدي" ونقل "ابن حجر" في الإصابة.ورقدت في سلام كما عاشت في سلام. وصلى عليها النبي عليه الصلاة والسلام، ودفنها بالبقيع في شهر ربيع الآخر سنة أربع، فكانت أول من دفن فيه من أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن. وقد ماتت بعد زواجها بثمانية أشهر [5]– رضي الله عنها - ولم يمت منهن- أمهات المؤمنين - في حياته [6] إلا غير السيدة خديجة أم المؤمنين الأولى- ومدفنها بالحجون في مكة- والسيدة زينب بنت خزيمة الهلالية، أم المؤمنين وأم المساكين [7] .
-------------
1]
تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن. دار الريان للتراث .القاهرة .
[2]
تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن الطبعة الأولى القاهرة.
[3]
تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن. دار الريان للتراث
[4]
تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن، دار الريان للتراث .
[5]
تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن، دار الريان للتراث .
[6]
تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن. دار الريان للتراث .
[7]
- تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن د عائشة عبد الرحمن الطبعة الأولى، دار الريان للتراث . القاهرة

----------------




المراجع :

1
- تراجم سيدات بيت النبوة - رضي الله عنهن، عائشة عبد الرحمن – بنت الشاطئ، الطبعة الأولى، دار الريان للتراث، القاهرة .
2
- الأعلام، قاموس تراجم، خير الدين الزركلي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
3
- أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت .
4
- الموسوعة العربية العالمية :11/ ص678 .




هند أم سلمة - رضي ا لله عنها


هنــد أم سلمــة المخزومية


آخر من مات من أمهات المؤمنين

نسبها:

هي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية بن المغيرة، أم سلمة ( ويقال أن اسم جدها المغيرة هو حذيفة، ويعرف بزاد الركب). وهي قرشية مخزومية، وكان جدها المغيرة يقال له : زاد الركب، وذلك لجوده، حيث كان لا يدع أحدا يسافر معه حامل زاده، بل كان هو الذي يكفيهم. وقد تزوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي.

فضلها :

تُعدَّ أم سلمة من أكمل النساء عقلا وخلقا، فهي وزوجها أبو سلمة من السابقين إلى الإسلام، هاجرت مع أبي سلمة إلى أرض الحبشة، وولدت له ((سلمة))ورجعا إلى مكة، ثم هاجرا معه إلى المدينة. فولدت له ابنتين وابنا أيضا، وكانت أول امرأة مهاجرة تدخل المدينة. ومات أبو سلمة في المدينة من أثر جرح في غزوة أحد، بعد أن قاتل قتال المخلصين المتعشقين للموت والشهادة . وكان من دعاء أبي سلمة: (اللهم اخلفني في أهلي بخير )، فأخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة، فصارت أمًا للمؤمنين، وعلى بنيه: سلمة، وعمر، وزينب، فصاروا ربائب في حجره المبارك صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة أربع للهجرة (4هـ).

كما كانت تعد من فقهــاء الصحــابة ممن كان يفــتي، إذ عــدها ابن حزم ضمن الدرجة الثانية، أي متوسطي الفتوى بين الصحابة رضوان الله عليهم، حيث قال: (المتوسطون فيما روي عنهم مــن الفتـــوى: عثمــــان، أبوهــــريرة، عبــد الــله بــن عــــمرو، أنـــس، أم سلمة...)إلى أن عدهم ثلاثة عشر، ثم قال: (ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير).

زواج أم سلمة من النبي - صلى الله عليه وسلم-:

عندما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر يخطبها فلم تتزوجه، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليها ورحمة بأيتامها أبناء وبنات أخيه من الرضاعة . فقالت له: مثلي لا يصلح للزواج، فإني تجاوزت السن، فلا يولد لي، وأنا امرأة غيور، وعندي أطفال، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم خطابا يقول فيه : أما السن فأنا أكبر منكِ، وأما الغيرة فيذهبها الله، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهدِ ولا غائب إلا أرضاني. فأرسلت أم سلمة ابنها عمر بن أبي سلمة ليزوجها بالرسول صلى الله عليه وسلم

ولما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت عائشة رضي الله عنها حزنا شديدا لما ذكروا لها من جمال أم سلمة وقالت لما رأتها : والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال .وكان رسول الله إذا صلى العصر دخل على نسائه فبدأ بأم سلمة وكان يختمها بعائشة رضي الله عنهن .

وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأسفار وأخذ معه صفية بنت حيي وأم سلمة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هودج صفية، وهو يظن أنه هودج أم سلمة، وكان ذلك اليوم يوم أم سلمة فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يتحدث مع صفية . فغارت أم سلمة وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت له: تتحدث مع ابنة اليهودي في يومي وأنت رسول الله استغفر لي فإنما حملني على هذه الغيرة ....

صفاتها وأخلاقها :

كان لأم سلمه رأي صائب أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وذلك أن النبي - عليه الصلاة والسلام- لما صالح أهل مكة وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم وفرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم حلقوا . فلم يقم منهم رجل بعد أن قال ذلك ثلاث مرات . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت له أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك . فقام - عليه الصلاة والسلام - فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة فنحر بدنته ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .[ كناية عن سرعة المبادرة في الفعل ].

وتعد أم سلمة خير مثال يجب على أمهات وزوجات اليوم الاحتذاء به من خلال تربيتها لأولادها التربية الأخلاقية الكريمة. وكانت خير زوجة وأم صالحة، تملك العقل الراجح، والشخصية القوية، وكانت قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، وتتسم شخصيتها بحسن الأخلاق والأدب، وهذا ما يندر في كثير من الأمهات والزوجات في وقتنا الحالي. كالعناية بالزوج، والنظر في أمور الأطفال، ومساعدة الزوج في أصعب الأوقات، وتقدير حال زوجها . كل هذا نفتقده في أمهات وزوجات اليوم، وذلك لاستهتارهن بأمور تربية الأطفال، وإهمال الزوج وعدم رعايته، ومبالغتهن واهتمامهن بأمور الدنيا والتي غالبا ما تكون زائفة لا معنى لها .


دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:


مروياتها رضي الله عنها وتلاميذها:

روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها الكثير الطيب، إذ تعد ثاني راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إذ لها جملة أحاديث قدرت حسب كتاب بقي بن مخلد ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثًا (378). اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر. ومجموع مروياتها حسب ما ورد في تحفة الأشراف مائة وثمانية وخمسون حديثًا (158).

محتوى مروياتها رضي الله عنها:

كان وجود أم المؤمنين أم سلمة، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما خاصة بين الصحابة، وتأخر وفاتهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم من العوامل المهمة التي جعلت الناس يقصدونهما خاصة للسؤال والفتيا، وبعد وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سنة (58هـ)، تربعت أم سلمة رضي الله عنها على سدة الرواية والفتيا لكونها آخر من تبقى من أمهات المؤمنين، الأمر الذي جعل مروياتها كثيرة، إذ جمعت بين الأحكام والتفسير والآداب والأدعية، والفتن.... إلخ..


.
إن مرويـــات أم ســلــمة معظــمها في الأحكــام وما اختص بالعبادات أساسًا كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج.

وفي أحكام الجنائز، وفي الأدب، وفي ستر العورة، وفي رفع الرأس إلى السماء عند الخروج من البيت، والمرأة ترخي من إزارها ذراعًا، وروت في الأشربة، والنهي عن عجم النوى طبخًا وخلط النبيذ بالتمر... وفي النكاح، روت زواجها، وفي الإحداد والرضاع... كما روت في المغازي، والمظالم والفتن، في الجيش الذي يخسف به، وفي المهدي، وروت في المناقب في ذكر علي وذكر عمار.وهذا يدل على قوة حافظة أم سلمة واهتمامها بالحديث -رضي الله عنها . ( للمزيد انظر آمال قرداش بنت الحسين، دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، كتاب الأمة، عدد ( 70 )


تلاميـــذها :

نقل عنها مروياتها جيل من التلاميذ رجالاً ونساء، من مختلف الأقطار، حيث روى عنها - رضي الله عنها - خلق كثير.

- فمن الصحابة: أم المؤمنين عائــشة، وأبو سعيــد الخــدري، وعــمر بن أبي سلمة، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصين الأسلمي، وسليمـــــان بن بريــــدة، وأبو رافــــع، وابن عبـــــاس – رضي الله عنهم .

- ومن التابعين، أشهرهم: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن أبي مليكة، وعامر الشعبي، والأســـود بن يــزيــد، ومجـاهد، وعـــطـاء بن أبـــي ربــــاح، شـــهر بن حوشب، نافع بن جبير بن مطعم... وآخرون.

- ومن النساء: ابنتها زينب، هند بنت الحارث، وصفية بنت شيبة، وصفية بنت أبي عبيد، وأم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عــوف، وعمـــرة بنــت عبـــد الرحــمن، وحكيــمة، رميثـــة، وأم محمد ابن قيس.

- ومن نساء أهل الكوفة: عمرة بنت أفعى، جسرة بنت دجاجة، أم مساور الحميري، أم موسى (سرية علي)، جدة ابن جدعان، أم مبشر. ( انظر آمال قرداش بنت الحسين، دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، كتاب الأمة، عدد ( 70 )

وفاة أم سلمة – رضي الله عنها.

"
كانت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، آخر من مات من أمهات المؤمنين، عمرت حتى بلغها مقتل الحسين، لم تلبث بعده إلا يسيرًا، وانتقلت إلى الله تعالى سنة (62هـ)، وكانت قد عاشت نحوًا من تسعين سنة " .
المصادر والمراجع:

1.
خير الدين الزركلي/ الأعلام /قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب /دار العلم للملايين /بيروت–لبنان / المجلد الثامن.
2.
عبد الغني عبد الرحمن محمد/ زوجات النبي محمد وحكمة تعددهن /دار المسيرة/بيروت-لبنان/ط الأولى .
3.
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت .
4.
آمال قرداش بنت الحسين، دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، كتاب الأمة، عدد ( 70 )
5.
تراجم سيدات بيت النبوة، عائشة عبد الرحمن، دار الريان للتراث، القاهرة .
6.
الموسوعة العربية العالمية، ج11/ 687

زينب بنت جحش
رضي الله عنها

مقـــدمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإن العيش في ظلال النبوة نعمة وسعادة عظيمة، تهب لمن يقترب منه السمو والعلو وقد تناولت في هذا البحث المتواضع بتعريف لاسم ونسب السيدة الجليلة – رضي الله عنها – وعن كيفية دخولها إلى الإسلام، وأيضا ذكرت أخلاقها وخصالها وأعمالها الصالحة ،
وتطرقت عن روايتها لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوسعت في بحثي عن قصة زواجها بزيد وطلاقها منه ومن ثم زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم وتحدثت أيضا عن سبب نزول آية الحجاب وموقفها مع عائشة وحفصة – رضي الله عنهن -، وقد أنهيت بحثي بذكر وصيتها ووفاتها – رضي الله عنها.
وفي الختام أسال الله أن ينال هذا البحث البسيط القبول والرضا والتقدير من قبل قارئيه، وأن أكون قد أوفيت حق هذا البحث، ولم أكن قد قصرت فيه بشيء يخل به، وهو الهادي – سبحانه – سواء السبيل.
تمهــــيد:

السيدة زينب بنت جحش امرأة من علية نساء قريش، هذب الإسلام نفسها، وأضاء قلبها بنوره وضيائه، واكسبها التقوى والخلق الكريم، فأصبحت درة من الدرر المكنونة نادرة الوجود، وتعتبر سيدة من سيدات نساء الدنيا في الورع والتقوى والجود والتصدق، وقد غدت أما من أمهات المؤمنين بزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم، ومما زادها شرفا وتقديرا وذكرا عند المؤرخين على طول الدهر ذكر قصة زواجها في القرآن الكريم، وبسببها أنزلت آية الحجاب ،
فرفعت مكانتها وعلت منزلتها في محارب العبادة، وكانت أواهة حليمة، تصوم النهار وتقوم الليل، وكانت سخية اليد، تجود بكل ما لديها دون أن تبخل أو تتوانى في تقديم العون للفقراء والمحتاجين حتى غدت مثالا عظيما في الكرم والجود والخلق الكريم، وقد لقبت بألقاب عديدة منها: أم المساكين، ومفزع الأيتام، وملجأ الأرامل، فهي امرأة سباقة إلى فعل الخيرات، ولها سيرة ندية عطرة في تاريخنا الإسلامي، وبهذا تعتبر السيدة زينب –رضي الله عنها- قدوة عظيمة لكل مسلمة تحتذي بأخلاقها وخصالها النبيلة، وتقتفى أثرها، ويهتدي بهديها؛ ليكون ذلك سببا لها في الفوز برضا الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم .

اسمها ونسبها :
زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن مرة بن كثير بن غنم بن دوران بن أسد بن خزيمة" [1]، وتكنى بأم الحكم. من أخوالها حمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه – الملقب بأسد الله وسيد الشهداء في غزوة أحد، والعباس بن عبد المطلب الذي اشتهر ببذل المال وإعطائه في النوائب، وخالتها صفية بنت عبد المطلب الهاشمية، أم حواري النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام الأسدي . ولها إخوان هما عبد الله بن جحش الأسدي صاحب أول راية عقدت في الإسلام وأحد الشهداء، والآخر أبو أحمد واسمه عبد بن جحش الأعمى، وهو أحد السابقين الأولين ومن المهاجرين إلى المدينة، ولها أختان إحداهما أميمة بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، والأخرى هي حمنة بنت جحش من السابقات إلى الإسلام ."ولدت السيدة زينب – رضي الله عنها – في مكة المكرمة قبل الهجرة بأكثر من ثلاثين سنة" [2]، وقيل أنها " ولدت قبل الهجرة بسبع عشرة سنة" [3]. وقد نشأت السيدة زينب بنت جحش في بيت شرف ونسب وحسب، وهي متمسكة بنسبها، ومعتزة بشرف أسرتها، وكثيرا ما كانت تفتخر بأصلها، وقد قالت مرة :"أنا سيدة أبناء عبد شمس" [4].
إسلامهــا:

كانت زينب بنت جحش من اللواتي أسرعن في الدخول في الإسلام، وقد كانت تحمل قلبا نقيا مخلصا لله ورسوله، فأخلصت في إسلامها، وقد تحملت أذى قريش وعذابها، إلى أن هاجرت إلى المدينة المنورة مع إخوانها المهاجرين، وقد أكرمهم الأنصار وقاسموهم منازلهم وناصفوهم أموالهم وديارهم .

أخلاق السيدة الفاضلة وأعمالها الصالحة :

تميزت أم المؤمنين زينب بمكانة عالية وعظيمة، وخاصة بعد أن غدت زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم وأما للمؤمنين. كانت سيدة صالحة صوامة قوامة، تتصدق بكل ما تجود بها يدها على الفقراء والمحتاجين والمساكين، وكانت تصنع وتدبغ وتخرز وتبيع ما تصنعه وتتصدق به، وهي امرأة مؤمنة تقية أمينة تصل الرحم .

كرم السيدة زينب بنت جحش وعظيم إنفاقها:

وهنالك العديد من المواقف التي تشهد على عطاء أم المؤمنين زينب بنت حجش الكبير، وتؤكد على جودها وكرمها، والذي تغدقه على المحتاجين بلا حدود ." أخرج الشيخان – واللفظ لمسلم - عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله: " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا" قالت : فكن( أمهات المؤمنين )يتطاولن أيتهن أطول يدا، قالت : وكانت أطولنا يدا زينب ؛ لأنها تعمل بيدها وتتصدق . وفي طريق آخر : قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول،
فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ،وكانت امرأة قصيرة ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب امرأة صناع اليدين، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله.
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: كانت زينب تغزل الغزل وتعطيه سرايا النبي – صلى الله عليه وسلم – يخيطون به ويستعينون به في مغازيهم."5
وموقف آخر على بذلها المال وتصدقها به " ما حدثت به برزة بنت رافع فقالت : لما خرج العطاء، أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فلما أدخل إليها قالت : غفر الله لعمر بن الخطاب، غيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني، قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله واستترت منه بثوب ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوبا، ثم قالت لي : ادخلي يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب فقالت برزة لها: غفر الله لك يا أم المؤمنين والله لقد كان لنا في هذا المال حق، قالت زينب: فلكم ما تحت الثوب فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهما، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا ."6

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب، أتقى ل له، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة – رضي الله عنها."7
"
عن عبدالله بن شداد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : " إن زينب بنت جحش أواهة " قيل : يا رسول الله، ما الأواهة؟ قال: " الخاشعة المتضرعة" و" إن ابراهيم لحليم أواه منيب " .
وقالت عائشة فيها :" لقد ذهبت حميدة، متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل."8
قال ابن سعد – رحمه الله- :" ما تركت زينب بنت جحش – رضي الله عنها – درهما ولا دينارا، وكانت تتصدق بكل ما قدرت عليه، وكانت مأوى المساكين ."
رواية زينب للحديث الشريف:

كانت السيدة زينب – رضي الله عنها – من النساء اللواتي حفظن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ورويت عنها، وقد روت – رضي الله عنها أحد عشر حديثا، واتفق الإمامان البخاري ومسلم لها على حديثين منها. لقد روى عنها العديد من الصحابة؛ منهم: ابن أخيها محمد بن عبدالله بن جحش، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ومذكور مولاها.
وروى عنها أيضا الكثير من الصحابيات منهن : " زينب بنت أبي سلمة وأمها أم المؤمنين أم سلمة، وأم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان المعروفة بأم حبيبة – رضي الله عنها -، وأيضا كلثوم بنت المصطلق.
ومن الأحاديث الشريفة التي رويت عنها - رضي الله عنها – " عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة، أنها أخبرتها: دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم تحد على الميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا."9
ومما أخرجه البخاري " عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول :" لا إله إلا الله، ويل للعرب، من شرق اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها – قالت زينب بنت جحش : فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث."2

-------------------
1.
من حياة صحابيات الرسول – صلى الله عليه وسلم - ،خالد عبد الرحمن العك، 1989م، دمشق، دار الألباب، ط1
2.
نساء حول الرسول – صلى الله عليه وسلم -، خالد عبد الرحمن العك، 1989م، لبنان، بيروت، دار المعرفة، ط 4
3.
السابق نفسه.
4 .
صور من سير الصحابيات، عبد الحميد عبد الرحمن السيمباني، 1414 هـ، المملكة العربية السعودية، دار ابن خزيمة، ط 1
.
حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، الشيخ إبراهيم محمد رمضان، 1996م، لبنان، بيروت، دار المعرفة، ط3
5 .
أعلام النساء، عمر رضا كحالة، لبنان، بيروت، ج2، مؤسسة الرسالة
6.
صور من سير الصحابيات، عبد الحميد بن عبد الرحمن السيمباني، 1414هـ، المملكة العربية السعودية، دار ابن خزيمة، ط1
7.
من حياة صحابيات الرسول- صلى الله عليه وسلم-، خالد عبد الرحمن، 1989م، دمشق، دار الألباب، ط1
8.
نساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث، أحمد خليل جمعه، 1994م، دمشق، بيروت، اليمامة للطباعة والنشر، ط1
9.
السابق نفسه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

جويرية بنت الحارث
رضي الله عنها

مقـــدمة:

سيرة عطرة يود الكثير من أهل الخير لو كانوا طرفا منها. وليست هناك أصدق وأبهى وأنضر من سيرة سيدة من سيدات وأمهات المؤمنين. نقف على سيرتها؛ لتكون لنا فيها عبرة وموعظة. ولنأخذ قطوفا دانية مباركة من سيرة أم المؤمنين جويرية التي خصها الله عز وجل بالطهارة، وما أجمل سيرتـها العطرة.رضي الله عنها وأرضاها.
نــشـأة جويرية أم المؤمنين
هي برة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك من خزاعة، كان أبوها سيد وزعيم بني المصطلق .عاشت برة في بيت والدها معززة مكرمة في ترف وعز وفي بيت تسوده العراقة والأصالة، وفي حداثة سنها تزوجت برة من مسافع بن صفوان أحد فتيان خزاعة وكانت لم تتجاوز العشرين من عمرها.
بدايات النور
بدأ الشيطان يتسلل إلى قلوب بني المصطلق ويزين لهم بأنهم أقوياء يستطيعون التغلب على المسلمين، فأخذوا يعدون العدة ويتأهبون لمقاتلة المجتمع المسلم بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم فتجمعوا لقتال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم، وكان بقيادتهم سيدهم الحارث بن أبي ضرار، وقد كانت نتيجة القتال انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وهزيمة بني المصطلق في عقر دارهم. فما كان من النبي إلا أن سبى كثيرا من الرجال والنساء،وكان مسافع بن صفوان زوج جويرية من الذين قتلتهم السيوف المسلمة وقد كانت السيدة جويرية بنت الحارث من النساء اللاتي وقعن في السبي فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري رضي الله عنه، عندها اتفقت معه على مبلغ من المال تدفعه له مقابل عتقها؛لأنها كانت تتوق للحرية.
زواج جويرية من الرسول صلى الله عليه وسلم
شاءت الأقدار أن تذهب السيدة جويرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأتها السيدة عائشة أم المؤمنين فقالت تصفها : كانت حلوة ملاحة. وقالت : فو الله ما رأيتها على باب حجرتي إلا كرهتها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت. جاءت جويرية رسول الله وقالت : " أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من الأمر ما قد علمت، فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على نفسه تسع أوراق فأعني على فكاكي".
ولأن بني المصطلق كانوا من أعز العرب دارا وأكرمهم حسبا، ولحكمة النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية : " فهل لك في خير من ذلك؟".
قالت : " وما هو يا رسول الله ؟" . قال: " أقضي عنك كتابتك وأتزوجك" .
وكانت قبل قليل تتحرق طلبا لاستنشاق عبير الحرية، ولكنها وجدت الأعظم من ذلك. ففرحت جويرية فرحا شديدا وتألق وجهها لما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سوف تلاقيه من أمان من بعد الضياع والهوان فأجابته بدون تردد أو تلعثم : " نعم يا رسول الله". فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وأصدقها 400 درهم.
قال أبو عمر القرطبي في الاستيعاب: كان اسمها برة فغير رسول صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها جويرية. فأصبحت جويرية بعدها أما للمؤمنين وزوجة لسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.
بركة جويرية
وخرج الخبر إلى مسامع المسلمين فأرسلوا ما في أيديهم من السبي وقالوا متعاظمين: هم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكانت بركة جويرية من أعظم البركات على قومها. قالت عنها السيدة عائشة – رضي الله عنها -: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة منها.
صفاتها وأهم ملامحها
كانت السيدة جويرية من أجمل النساء، كما أنها تتصف بالعقل الحصيف والرأي السديد الموفق الرصين، والخلق الكريم والفصاحة ومواقع الكلام كما كانت تعرف بصفاء قلبها ونقاء سريرتها، وزيادة على ذلك فقد كانت واعية، تقية، نقية، ورعة، فقيهة، مشرقة الروح مضيئة القلب والعقل.
الذاكرة القانتة
راحت السيدة جويرية تحذو حذو أمهات المؤمنين في الصلاة والعبادة وتقتبس من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أخلاقه وصفاته الحميدة حتى أصبحت مثلا في الفضل والفضيلة . فكان أم المؤمنين جويرية من العابدات القانتات السابحات الصابرات، وكانت مواظبة على تحميد العلي القدير وتسبيحه وذكره .
ناقلة الحديث :
حـــدث عنـــها ابن عبــــاس، وعبـــيد بن السباق، وكريب مولى ابن عباس ومجاهد وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدي وجابر بن عبد الله. بلغ مسندها في كتاب بقي بن مخلد سبعة أحاديث منها أربعة في الكتب الستة، عند البخاري حديث وعند مسلم حديثان. وقد تضمنت مروياتها أحاديث في الصوم، في عدم تخصيص يوم الجمعة بالصوم، وحديث في الدعوات في ثواب التسبيح، وفي الزكاة في إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة، كما روت في العتق.
وهكذا وبسبعة أحاديث شريفة خلدت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها اسمها في عالم الرواية، لتضيف إلى شرف صحبتها للنبي صلى الله عليه وسلم وأمومتها للمسلمين، تبليغها الأمة سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ما تيسر لها ذلك. ومن الأحاديث التي أخرجها الإمام البخاريُ رحمه الله عن قتادة عن أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال: " أصمت أمس" ؟ قالت : لا، قال: "تريدين أن تصومي غدا"؟ قالت : لا، قال: "فأفطري"، وهذا يدل على كراهية تخصيص يوم الجمعة بالصوم والنهي عن صيامه.
لقاء الله[ وفاتها ]
عاشت السيدة جويرية بعد رسول الله راضية مرضية، وامتدت حياتها إلى خلافة سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. وتوفيت أم المؤمنين في شهر ربيع الأول من السنة الخمسين للهجرة النبوية الشريفة، وشيع جثمانها في البقيع وصلى عليها مروان بن الحكم.
المصادر والمراجع
1. 1.
أحمد خليل جمعة – نساء أهل البيت – اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت (1994)
2. 2.
عبد الصبور شاهين - موسوعة أمهات المؤمنين- الزهراء للإعلام العربي (1991)
3. 3.
عمر رضا كحالة - أعلام النساء.
4. 4.
كتاب الأمة دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

رملة أم حبيــــــبة

أم حبيبة:
أم المؤمنين، السيدة المحجبة، من بنات عم الرسول- صلى الله عليه وسلم-، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . صحابية جليلة، ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم النبيين محمد- عليه الصلاة والسلام-.
فأبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو اللدود للرسول- عليه الصلاة والسلام- وأخوها معاوية بن أبي سفيان، أحد الخلفاء الأمويين، ولمكانة وجلالة منزلة أم حبيبة في دولة أخيها (في الشام)، قيل لمعاوية: "خال المؤمنين" 1. وأخيراً، فهي من زوجات الرسول-عليه الصلاة والسلام-، فليس هناك من هي أكثر كرماً وصداقاً منها، ولا في نسائه من هي نائية الدار أبعد منها. 2 وهذا دليل على زهدها وتفضيلها لنعم الآخرة على نعيم الدنيا الزائل.
كانت أم حبيبة من ذوات رأي وفصاحة، تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش، وعندما دعا الرسول- عليه الصلاة والسلام- الناس في مكة إلى الإسلام، أسلمت رملة مع زوجها في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحينما اشتد الأذى بالمسلمين في مكة؛ هاجرت رملة بصحبة زوجها فارة بدينها متمسكة بعقيدتها، متحملة الغربة والوحشة، تاركة الترف والنعيم التي كانت فيها، بعيدة عن مركز الدعوة والنبوة، متحملة مشاق السفر والهجرة، فأرض الحبشة بعيدة عن مكة، والطريق تتخلله العديد من الطرق الوعرة، والحرارة المرتفعة، وقلة المؤونة، كما أن رملة في ذلك الوقت كانت في شهور حملها الأولى، في حين نرى بأن سفر هذه الأيام سفر راحة ورفاهية، ووسائل النقل المتطورة ساعدت على قصر المسافة بين الدول. وبعد أشهر من بقاء رملة في الحبشة، أنجبت مولودتها "حبيبة"، فكنيت "بأم حبيبة".
رؤية أم حبيبة:
في إحدى الليالي، رأت أم حبيبة في النوم أن زوجها عبيد الله في صورة سيئة، ففزعت من ذلك، وحينما أصبحت، أخبرها زوجها بأنه وجد في دين النصرانية ما هو أفضل من الإسلام، فحاولت رملة أن ترده إلى الإسلام ولكنها وجدته قد رجع إلى شرب الخمر من جديد.
وفي الليلة التالية، رأت في منامها أن هناك منادياً يناديها بأم المؤمنين، فأولت أم حبيبة بأن الرسول سوف يتزوجها. وبالفعل؛ مع مرور الأيام، توفي زوجها على دين النصرانية، فوجدت أم حبيبة نفسها غريبة في غير بلدها، وحيدة بلا زوج يحميها، أمًّا لطفلة يتيمة في سن الرضاع، وابنة لأب مشرك تخاف من بطشه ولا تستطيع الالتحاق به في مكة، فلم تجد هذه المرأة المؤمنة غير الصبر والاحتساب، فواجهت المحنة بإيمان وتوكلت على الله- سبحانه وتعالى-.
زواج أم حبيبة:
علم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بما جرى لأم حبيبة، فأرسل إلى النجاشي طالباً الزواج منها، ففرحت أم حبيبة، وصدقت رؤياها، فعهدها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، ووكلت هي ابن عمها خالد بن سعيد ابن العاص، وفي هذا دلالة على أنه يجوز عقد الزواج بالوكالة في الإسلام. وبهذا الزواج خفف الرسول من عداوته لبني أمية، فعندما علم أبو سفيان زواج الرسول من ابنته رملة، قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه! 3 ويقصد أن الرسول رجل كريم، وبهذه الطريقة خفت البغضاء التي كانت في نفس أبي سفيان على الرسول- صلى الله عليه وسلم-، كما أن في هذا الموقف دعوة إلى مقابلة السيئة بالحسنة، لأنها تؤدي إلى دفع وزوال الحقد والضغينة وصفاء النفوس بين المتخاصمين.
أبو سفيان في بيت أم حبيبة:
حينما نقض المشركون في مكة صلح الحديبية، خافوا من انتقام الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة لعله ينجح في إقناع الرسول بتجديد الصلح، وفي طريقه إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، مر أبو سفيان على ابنته أم حبيبة في بيتها، وعندما هم بالجلوس على فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- سحبته أم حبيبة من تحته وطوته بعيداً عنه، فقال أبو سفيان: "أراغبة بهذا الفراش يا بنية عني؟ أم بي عنه؟"، فأجابته: "بل به عنك، لأنه فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل نجس غير مؤمن"، فغضب منها، وقال: "أصابك بعدي شر"، فقالت: "لا والله بل خير". 4 وهنا نجد بأن هذه المرأة المؤمنة أعطت أباها المشرك درساً في الإيمان، ألا وهو أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والنسب، وأنه يجب علينا عدم مناصرة وموالاة الكفار مهما كانت صلة المسلم بهم، بل يجب علينا محاربتهم ومقاتلتهم من أجل نصرة الإسلام.
لذلك، جهز الرسول - صلى الله عليه وسلم- المسلمين لفتح مكة، وبالرغم من معرفة أم حبيبة لهذا السر، إلا أنها لم تخبر أباها، وحافظت على سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسر المسلمين. ففتح المسلمون مكة، ودخل العديد من المشركين في دين الله، وأسلم أبو سفيان، فتكاملت أفراح أم حبيبة وشكرت الله على هذا الفضل العظيم. وفي هذا الموقف إشارة إلى أنه يجب على المرأة المسلمة حفظ سر زوجها، وعدم البوح به حتى لأقرب الناس إليها، فهناك العديد من النساء اللاتي يشركن الأهل في حل المشاكل الزوجية، والكثير من هؤلاء النسوة يطلقن بسبب إفشائهن للسر وتدخل الأهل. لذلك يجب على الزوجة الصالحة المحافظة على بيت الزوجية وعدم البوح بالأسرار.
دورها في رواية الحديث الشريف:
روت أم حبيبة- رضي الله عنها- عدة أحاديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-. بلغ مجموعها خمسة وستين حديثاً، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين. فلأم حبيبة- رضي الله عنها- حديث مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة،" ‏فعن ‏ ‏زينب بنت أم سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أم حبيبة بنت أبي سفيان ‏ ‏قالت ‏
‏دخل علي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت له هل لك في ‏ ‏أختي ‏ ‏بنت ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏فقال أفعل ماذا قلت تنكحها قال ‏ ‏أو تحبين ذلك قلت لست لك ‏ ‏بمخلية ‏ ‏وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب ‏ ‏درة بنت أبي سلمة ‏ ‏قال بنت ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏قلت نعم قال ‏ ‏لو أنها لم تكن ‏ ‏ربيبتي ‏ ‏في ‏ ‏حجري ‏ ‏ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ‏ ‏ثويبة ‏ ‏فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" 5 . كذلك حديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن. كما أنها ذكرت أحاديث في الحج، كاستحباب دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، كما أنها روت في وجوب الإحداد للمرأة المتوفى عنها زوجها، ووفي أبواب الصوم: روت في الدعاء بعد الأذان، وفي العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها من الأحاديث التي كانت تصف أفعال الرسول- عليه الصلاة والسلام- وأقواله.
وفاتها:
توفيت- رضي الله عنها- سنة 44 بعد الهجرة، ودفنت في البقيع، وكانت قد دعت عائشة- أم المؤمنين- قبل وفاتها، فقالت: قد يكون بيننا وبين الضرائر فغفر لي ولك ما كان من ذلك. . فقالت عائشة: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحلك من ذلك، فقالت أم حبيبة: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لهل: مثل ذلك 6، وفي هذا إشارة إلى ما يجب على المسلمين أن يفعلوه قبل ساعة الموت، ألا وهو التسامح والمغفرة، كما فعلت أم حبيبة مع أمهات المؤمنين- رضوان الله عليهن أجمعين-.
نتائج البحث :
فيما يلي أهم الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من حياة هذه السيدة الجليلة:
1.
على المسلم الصبر وتحمل الصعاب من أجل الوصول إلى غايته، كما صبرت أم حبيبة وتحملت مشاق السفر من أجل المحافظة على دينها وعقيدتها من الكفار.
1.
كلما اشتدت المصائب، كان الفرج قريباً. وهذا ما حصل لأم حبيبة عندما صبرت وتحملت وحدتها في الغربة، ثم نالت الفرج بزواجها من الرسول- صلى الله عليه وسلم-.
2.
طريقة زواج الرسول من أم حبيبة تؤكد على أن الاتصالات بين المدينة والحبشة كانت غير منقطعة بل في قمة نشاطها، كما أن توكيل الرسول –صلى الله عليه وسلم- للنجاشي لزواجه من أم حبيبة تبين على جواز التزويج بالوكالة في الإسلام.
3.
رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والنسب.
4.
يجب على الزوجة المسلمة حفظ بيت زوجها وأسراره وعدم البوح بها حتى لأقرب الناس إليها.
5.
أمهات المؤمنين لسن كغيرهن من النساء، فكل واحدة منهن لها روايات عن الرسول في مواضيع مختلفة، تبين للناس كافة الحكمة التي كانت تنبع من حجراتهن- رضوان الله عليهن أجمعين-.
6.
التسامح والتغافر ضروريان ومطلوبان من المسلمين في ساعة الموت، حتى تصعد الروح راضية مرضية.
المراجع

1.
آمال قرداش بنت الحسين، دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، ط : 1، مؤسسة الرسالة؛ بيروت- لبنان-، 1420ه
2.
الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ،سيرة أعلام النبلاء، ط : 11، مؤسسة الرسالة؛ بيروت، الجزء: 2، 1417ه، 1996م
3.
الزركلي، خير الدين، الأعلام، ط : 12، دار العلم للملايين؛ بيروت- لبنان-، الجزء: 3، 1997م .
4.
النيسابوري، أبي الحسين مسلم بن حجاج، صحيح مسلم بشرح النووي، ط: 1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان-، الجزء التاسع، 1995
5.
عبد الغنى عبد الرحمن محمد، زوجات النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وحكمة تعددهن، ط: 1، دار الميسرة؛ بيروت، 1991م 6. عمر رضا كحالة، أعلام النساء، ط : 1، مؤسسة الرسالة؛ بيروت- لبنان-، الجزء: 1

صفية بنت حيي

(
ت 50 هـ / 670م)

نسبها:

هي صفية بنت حيي بن أخطب. يتصل نسبها بهارون النبي عليه السلام.
تقول:" كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولدهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله المدينة، غدا عليه أبي وعمي مغسلين، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، فأتيا كالين ساقطين يمشيان الهوينا فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلي أحد منهما مع ما بهما من الغم. وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال نعم والله. قال عمي: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ أجاب: عداوته والله ما بقيت" [1].

مولدها ومكان نشأتها:

لا يعرف بالضبط تاريخ ولادة صفية، ولكنها نشأت في الخزرج، كانت في الجاهلية من ذوات الشرف. ودانت باليهودية وكانت من أهل المدينة. وأمها تدعى برة بنت سموال.

صفاتها:

عرف عن صفية أنها ذات شخصية فاضلة، جميلة حليمة، ذات شرف رفيع،

حياتها قبل الإسلام:

كانت لها مكانة عزيزة عند أهلها، ذكر بأنها تزوجت مرتين قبل اعتناقها الإسلام. أول أزواجها يدعى سلام ابن مشكم كان فارس القوم وشاعرهم. ثم فارقته وتزوجت من كنانة ابن الربيع ابن أبي الحقيق النصري صاحب حصن القموص، أعز حصن عند اليهود. قتل عنها يوم خيبر.

كيف تعرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

في السنة السابعة من شهر محرم، استعد رسول الله عليه الصلاة والسلام لمحاربة اليهود. فعندما أشرف عليها قال: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين [2]".
واندلع القتال بين المسلمين واليهود، فقتل رجال خيبر، وسبيت نساؤها ومن بينهم صفية، وفتحت حصونها. ومن هذه الحصون كان حصن ابن أبي الحقيق. عندما عاد بلال بالأسرى مر بهم ببعض من قتلاهم، فصرخت ابنة عم صفية، وحثت بالتراب على وجهها، فتضايق رسول الله من فعلتها وأمر بإبعادها عنه. وقال لصفية بأن تقف خلفه، وغطى عليها بثوبه حتى لا ترى القتلى. فقيل ان الرسول اصطفاها لنفسه.
وذكر أن دحيه بن خليفة، جاء رسول الله يطلب جارية من سببي خيبر. فاختار صفية، فقيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام إنها سيدة قريظ وما تصلح إلا لك. فقال له النبي خذ جارية غيرها.

إسلامها:

كعادة رسول الله لا يجبر أحداً على اعتناق الإسلام إلا أن يكون مقتنعاً بما أنزل الله من كتاب وسنة. فسألها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وخيرها بين البقاء على دين اليهودية أو اعتناق الإسلام. فإن اختارت اليهودية اعتقها، وإن أسلمت سيمسكها لنفسه. وكان اختيارها الإسلام الذي جاء عن رغبة صادقة في التوبة وحباً لهدي محمداً صلى الله عليه وسلم.
عند قدومها من خيبر أقامت في منزل لحارثة بن النعمان، وقدمت النساء لرؤيتها لما سمعوا عن جمالها، وكانت من بين النساء عائشة - رضي الله عنها- ذكر بأنها كانت منقبة. وبعد خروجها سألها رسول الله عن صفية، فردت عائشة: رأيت يهودية، قال رسول الله : " لقد أسلمت وحسن إسلامها".

يوم زفافها لمحمد عليه الصلاة السلام:

أخذها رسول الله إلى منزل في خيبر، ليتزوجا ولكنها رفضت، فأثر ذلك على نفسية رسولنا الكريم. فأكملوا مسيرهم إلى الصهباء. وهناك قامت أم سليم بنت ملحان بتمشيط صفية وتزينها وتعطيرها، حتى ظهرت عروساً تلفت الأنظار. كانت تعمرها الفرحة، حتى أنها نسيت ما ألم بـأهلها. وأقيمت لها وليمة العرس، أما مهرها فكان خادمةً تدعى رزينة. وعندما دخل الرسول عليه الصلاة والسلام على صفية، أخبرته بأنها في ليلة زفافها بكنانة رأت في منامها قمراً يقع في حجرها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال غاضبا:  لكأنك تمنين ملك الحجاز محمداً ولطمها على وجهها.
ثم سألها الرسول عليه الصلاة والسلام عن سبب رفضها للعرس عندما كانا في خيبر، فأخبرته أنها خافت عليه قرب اليهود. قالت أمية بنت أبي قيس سمعت أنها لم تبلغ سبع عشرة سنة يوم زفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مواقفها مع زوجات النبي:

بلغ صفية أن حفصة وعائشة قالا بأنها بنت يهودي. فتضايقت من قولهن وأخبرت رسول الله فقال لها: قولي لهما: " إنك لابنة نبي وعمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيم تفخر عليك" [3] حج النبي بنسائه، وفي الطريق برك جملها فبكت. فمسح الرسول عليه الصلاة والسلام دموعها وهي تزداد دموعاً وينهاها فلما جاء وقت الرواح، قال رسول الله لزينب بنت جحش: يا زينب اقفزي أختك جملاً. وكانت من أكثرهن ظهراُ قالت: أنا أقفز يهو ديتك؟! فغضب النبي ولم يكلمها حتى رجع المدينة وفي شهر ربيع الأول دخل عليها، فقالت: هذا ظل رجل وما يدخل علي رسول الله! فدخل النبي فلما رأته قالت: يا رسول، ما أصنع؟ قالت: وكانت لها جارية تخبؤها من النبي فقالت فلانه لك، قال : فمشى النبي إلى سرير صفية ورضي عن أهله.

وفاة النبي عليه الصلاة والسلام:

اجتمعت زوجات النبي عنده وقت مرضه الذي توفي به، فقالت صفية أتمنى أن يحل بي ما ألم بك. فغمزتها زوجات النبي، فرد عليهن والله إنها لصادقة.

وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم افتقدت الحماية والأمن، فظل الناس يعيرونها بأصلها.

مواقف أخرى لصفية:

وفي أحد الأيام ذهبت صفية إلى رسول الله تتحدث معه، وكان معتكفا في مسجده، فخرج ليوصلها إلى بيتها. فلقيا رجلين من الأنصار، فعندما رأيا رسول الله رجعا فقال:" تعاليا فإنها صفية" فقالا نعوذ بالله، سبحان الله يا رسول الله. فقال: "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم".

وفي عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-، جاءته جارية لصفية تخبره بأن صفية تحب السبت وتصل اليهود، فلما استخبر صفية عن ذلك، فأجابت قائلة" فأما السبت لم أحبه بعد أن أبدلني الله به بيوم الجمعة، وأما اليهود فإني أصل رحمي". وسألت الجارية عن سبب فعلتها فقالت: الشيطان. فأعتقتها صفية.

وفي عهد عثمان – رضي الله عنه- لم تأل جهدا في ولائها له، الذي ما فتئت عائشة تحرض عليه حتى بلغ بها الأمر أن دلت قميص رسول الله من بيتها وصاحت في المسلمين: " أيها الناس، هذا قميص رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته" [4] أي أن آثار الرسول ما زالت باقية، وإن سنته قد انتهكت وبليت بسبب عثمان.

روايتها للحديث:

لها في كتب الحديث عشرة أحاديث. أخرج منها في الصحيحين حديث واحد متفق عليه- روى عنها ابن أخيها ومولاها كنانة ويزيد بن معتب، وزين العابدين بن علي بن الحسين، واسحاق بن عبدالله بن الحارث، ومسلم بن صفوان.


وفاتها:

توفيت في المدينة، في عهد الخلفية معاوية، سنة 50 هجرياً. ودفنت بالبقيع مع أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن جمعياً.

(1) د. عائشة بنت الشاطئ، تراجم سيدات النبوة،ص368.
المصدر السابق، ص364. [2]
[3]
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ص335.
[4]
د. عائشة عبد الرحمن ،تراجم سيدلت بيت النبوة،368.

المصادر

1.
أسر الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين بن الأيثر أبي الحسن علي بن محمد الجزري، مجلد 6 دار الفكر، لبنان.
2.
أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، ج2، مؤسسة الرسالة، بيروت ص333 – 336.
3.
الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعمرين والمستشرقين، دار العلم للملايين، لبنان بيروت، ط 12 فبراير 97.
4.
تراجم سيدات بيت النبوة رضي الله عنهن، د. عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، دار البيان للتراث، القاهرة، ط1، 1987، ص 364- 376.
5.
المرأة في العهد النبوي، د. عصمة الدين كركر، دار الغرب الإسلامي، ط1 سنة93، بيروت لبنان، ص 260 – 262.


أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث

آخر أمهات المؤمنين - رضي الله عنها-


المقدمـــــة :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأما بعد،
فقد اخترت أن يكون موضوع بحثي هذا هو أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وسبب اختياري لها يعود إلى حبي الكبير للرسول صلى الله عليه وسلم، وإعجابي الشديد بقوة مبادئ مدرسته وعظمتها التي أنشأت هذه النخبة من الصالحات والمربيات ومنهن السيدة ميمونة رضي الله عنها. لهذا تطرقت في موضوع بحثي إلى حياة السيدة ميمونة منذ أن كانت في ريعان الشباب إلى يوم وفاتها، مروراً باسمها ونسبها، وأزواجها قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهمسات قلبها وأمنيتها في أن تصبح زوجاً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وورود ذكرها في القرآن الكريم، وزواجها الميمون من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ورحلتها المباركة إلى المدينة المنورة، وحفظها للأحاديث النبوية الشريفة، وشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالإيمان والتقوى، والأيام الأخيرة لها والذكريات العزيزة، وهي حياة حافلة تغري بالدرس والتأمل. وكيف لا وهي واحدة من نساء سادة العرب، ومن سادات النساء فيهم، دخلت العقد العظيم، العقد النبوي الطاهر المطهر، فأضحت درة في البيت النبوي الطاهر الكريم. وأصبحت سيرتها- رضي الله عنها- تسمو في سماء المعالي ففيها مآثر فاضلة، ولها مواقف عطرة، وصور حسان.
اسمها ونسبها:
هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن جبير بن الهزم بن روبية بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية. [1] فأما أمها كانت تدعى هند بنت عوف بن زهير بن الحرث، وأخواتها: أم الفضل (لبابة الكبرى)زوج العباس رضي الله عنهما، ولبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومي وأم خالد بن الوليد، وعصماء بني الحارث زوج أُبي بن الخلف، وغرة بنت الحرث زوج زياد بن عبدالله بن مالك الهلالي .. وهؤلاء هن أخواتها من أمها وأبيها. أما أخواتها لأمها فهن: أسماء بنت عميس زوج جعفر رضي الله عنه، ثم مات فخلف عليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم مات فخلف عليها علي كرم الله وجه. وسلمى بنت عميس زوج حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، ثم ملت فخلف عليها شداد بن أسامة بن الهاد. وسلامة بنت عميس زوج عبدالله بن كعب بن عنبة الخثعمي.( [2])
ولهذا عُرفت أمها هند بنت عوف بأكرم عجوز في الأرض أصهاراً، فأصهارها: أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق، وعميه حمزة والعباس ابنا عبدالمطلب، وجعفر وعلي أبناء عمه أبي طالب، وشداد بن الهاد رضي الله عنهم أجمعين. [3] وتلك فضائل حسان، فهل فوق ذلك من أسمى وأفخر من هذا النسب الأصيل والمقام الرفيع...؟؟!!

أزواجها قبل الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان زواجها رضي الله عنها أولاً بمسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها وتزوجها أبو رهم بن عبدالعزى. فتوفي عنها وهي في ريعان الشباب. ثم ملأ نور الإيمان قلبها، وأضاء جوانب نفسها حتى شهد الله تعالى لها بالإيمان، وكيف لا وهي كانت من السابقين في سجل الإيمان. فحظيت بشرف الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت فراغه من عمرة القضاء سنة 7 للهجرة. [4]
همس القلوب وحديث النفس:
وفي السنة السابعة للهجرة النبوية، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة معتمرين، وطاف الحبيب المصطفى بالبيت العتيق بيت الله الحرام. وكانت ميمونة بمكة أيضاً ورأت رسول الله وهو يعتمر فملأت ناظريها به حتى استحوذت عليها فكرة أن تنال شرف الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تصبح أماً للمؤمنين، وما الذي يمنعها من تحقيق حلم لطالما راودتها في اليقظة والمنام وهي التي كانت من السابقين في سجل الإيمان وقائمة المؤمنين؟ وفي تلك اللحظات التي خالجت نفسها همسات قلبها المفعم بالإيمان، أفضت ميمونة بأمنيتها إلى أختها أم الفضل، وحدثتها عن حبها وأمنيتها في أن تكون زوجاً للرسول الله صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين، وأما أم الفضل فلم تكتم الأمر عن زوجها العباس فأفضت إليه بأمنية أختها ميمونة، ويبدو أن العباس أيضاً لم يكتم الأمر عن ابن أخيه فأفضى إليه بأمنية ميمونة بنت الحارث. [5] فبعث رسول الله ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليخطبها له، وما أن خرج جعفر رضي الله عنه من عندها، حتى ركبت بعيرها وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أن وقعت عيناها عليه صلى الله عليه وسلم حتى قالت: "البعير وما عليه لله ورسوله". [6]

ميمــونة في القرآن الكريـم:
وهكذا وهبت ميمونة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وفيها نزل قوله تعالى: (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)). [7]
لقد جعلت ميمونة أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أيضاً أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ميمونة بنت الحارث قد تأيمت من أبي رهم بن عبدالعزى،هل لك أن تتزوجها؟"، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. [8]
ميمونة والزواج الميمون:
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة ثلاثة أيام، فلما أصبح اليوم الرابع، أتى إليه صلى الله عليه وسلم نفر من كفار قريش ومعهم حويطب بن عبدالعزى - الذي أسلم فيما بعد- فأمروا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج بعد أن انقضى الأجل وأتم عمرة القضاء والتي كانت عن عمرة الحديبية. فقال صلى الله عليه وسلم: "وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، فصنعت لكم طعاماً فحضرتموه". فقالوا: "لا حاجة لنا بطعامك، فأخرج عنا".فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مولاه أن يحمل ميمونة إليه حين يمسي. [9]
فلحقت به ميمونة إلى سَرِف، وفي ذلك الموضع بنى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه البقعة المباركة، ويومئذ سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ميمونة بعد أن كان اسمها برة. فعقد عليها بسرف بعد تحلله من عمرته لما روي عنها: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف". [10]

ميمونة والرحلة المباركة إلى المدينة المنورة:
ودخلت ميمونة رضي الله عنها البيت النبوي وهي لم تتجاوز بعد السادسة والعشرين. وإنه لشرف لا يضاهيه شرف لميمونة، فقد أحست بالغبطة تغمرها والفرحة تعمها، عندما أضحت في عداد أمهات المؤمنين الطاهرات رضي الله عنهن جميعاً. وعند وصولها إلى المدينة استقبلتها نسوة دار الهجرة بالترحيب والتهاني والتبريكات، وأكرمنها خير إكرام، إكراماً للرسول صلى الله عليه وسلم وطلباً لمرضاة الله عز وجل. [11]
ودخلت أم المؤمنين الحجرة التي أعد لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لتكون بيتاً لها أسوة بباقي أمها المؤمنين ونساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا بقيت ميمونة تحظى بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتفقه بكتاب الله وتستمع الأحاديث النبوية من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتهتدي بما يقوله، فكانت تكثر من الصلاة في المسجد النبوي لأنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلى المسجد الحرام". [12]
وظلت ميمونة في البيت النبوي وظلت مكانتها رفيعة عند رسول الله حتى إذا اشتد به المرض عليه الصلاة والسلام نزل في بيتها.. ثم استأذنتها عائشة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لينتقل إلى بيتها ليمرض حيث أحب في بيت عائشة.

حفظها للأحاديث النبوية:
وبعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، عاشت ميمونة رضي الله عنها حياتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم في نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة والتابعين؛ لأنها كانت ممن وعين الحديث الشريف وتلقينه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنها شديدة التمسك بالهدي النبوي والخصال المحمدية، ومنها حفظ الحديث النبوي الشريف وروايته ونقله إلى كبار الصحابة والتابعين وأئمة العلماء. وكانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها من المكثرات لرواية الحديث النبوي الشريف والحافظات له، حيث أنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً وسبعين حديثاً. [13]
ميمونة وشهادة الإيمان والتقوى:
وعكفت أم المؤمنين على العبادة والصلاة في البيت النبوي وراحت تهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتقتبس من أخلاقه الحسنة، وكانت حريصة أشد الحرص على تطبيق حدود الله، ولا يثنيها عن ذلك شيء من رحمة أو شفقة أو صلة قرابة، فيحكى أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها، فوجدت منه ريح شراب، فقالت: "لئن لم تخرج إلى المسلمين، فيجلدونك، لا تدخل علي أبدا". [14] وهذا الموقف خير دليل على تمسك ميمونة رضي الله عنها بأوامر الله عز وجل وتطبيق السنة المطهرة فلا يمكن أن تحابي قرابتها في تعطيل حد من حدود الله. وقد زكى الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان ميمونة رضي الله عنها وشهد لها ولأخوتها بالإيمان لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات المؤمنات: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم الفضل، وسلمى امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن" رضي الله عنهم جميعاً. [15]
الأيام الأخيرة والذكريات العزيزة:
كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، قد عاشت الخلافة الراشدة وهي عزيزة كريمة تحظى باحترام الخلفاء والعلماء، وامتدت بها الحياة إلى خلافة معاوية رضي الله عنه. وقيل: إنها توفيت سنة إحدى وخمسين [16] بسرف ولها ثمانون سنة، ودفنت في موضع قبتها الذي كان فيه عرسها رضي الله عنها، وهكذا جعل الله عز وجل المكان الذي تزوجت به ميمونة هو مثواها الأخير. قال يزيد بن الأصم: "دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم". [17]
وتلك هي أمنا وأم المؤمنين أجمعين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، آخر حبات العقد الفريد، العقد النبوي الطاهر المطهر، وإحدى أمهات المؤمنين اللواتي ينضوين تحت قول الله تعالى (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )). [18]
وصدق الله العظيم.
فضائل وأسباب شهرة ميمونة:
وكانت لأم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها شهرة شهد لها التاريخ بعظمتها، ومن أسباب شهرتها نذكر:
إن أم ميمونة هند بنت عوف كانت تعرف بأنها أكرم عجوز في الأرض أصهاراً - كما ذكرت سابقاً- فأصهارها: أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق، وعميه حمزة والعباس ابنا عبدالمطلب، وجعفر وعلي أبناء عمه أبي طالب، وشداد بن الهاد رضي الله عنهم أجمعين. [19]
ومن أسباب عظمتها كذلك شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لها ولأخواتها بالإيمان، لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات المؤمنات: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم الفضل زوج العباس، وسلمى امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن" رضي الله عنهن جميعاً. [20]
ومنه تكريم الله عز وجل لها عندما نزل القرآن يحكي قصتها وكيف أنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )). [21]
ومن ذلك أنها كانت آخر من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها ختمت أمها المؤمنين، وكانت نعم الختام . وقد كانت تقيه تصل الرحم لشهادة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لها عندما قالت: " إنها والله كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم". [22]
ومما يذكر لميمونة رضي الله عنها أنها كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها من الحافظات المكثرات لرواية الحديث النبوي الشريف، ولم يسبقها في ذلك سوى أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها. [23]

الخاتمـة:
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وبعد، فقد تناولت في عرض هذا الموضوع نبذة عن حياة السيدة ميمونة رضي الله عنها، منذ أن كانت في ريعان الشباب إلى يوم وفاتها، مروراً باسمها ونسبها، وأزواجها قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهمسات قلبها وأمنيتها في أن تصبح زوجاً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وورود ذكرها في القرآن الكريم، وزواجها الميمون من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ورحلتها المباركة إلى المدينة المنورة، وحفظها للأحاديث النبوية الشريفة، وشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالإيمان والتقوى، والأيام الأخيرة لها والذكريات العزيزة، وهي حياة حافلة تغري بالدرس والتأمل. راجية من الله تعالى أن يكون هذا البحث دافعاً لإثارة الهمة والحماسة في نسائنا وأخواتنا المسلمات ليتمسكن بالإسلام، وليكن زوجات وأمهات صالحات، من أجل إعداد جيل مسلم صالح، مجاهد لإنقاذ العالم الإسلامي مما هو فيه، وليعود محلقاً في المعالي كما كان من قبل يقود قافلة الإسلام إلى المجد وقمة الحضارة الحقيقية الصحيحة.
وأخيراً أرجو من الله العلي القدير أن أكون قد أوفيت الموضوع بعض حقه من البحث والكتابة، وأدعوه عز وجل أن يكون في ميزان حسناتي وحسناتكم. والحمد لله رب العالمين.

===========

[1]
سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، ط11، بيروت، 1996
[2]
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم- فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت
[3]
انظر نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم (116)، ونساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث (405).
[4]
انظر نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم (116)وسير أعلام النبلاء (2/139)
[5]
نساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث، أحمد خليل جمعة، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، دمشق وبيروت، 1994
[6]
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم- فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت
[7]
سورة الأحزاب، آية 50
[8]
أسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين أبي الحسن وعلي بن محمد الجزري، دار الفكر
[9]
حياة الصحابة، للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، دار المعرفة، بيروت، 1996.
[10]
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم- فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1998
[11]
صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، خالد عبد الرحمن العك، دار الألباب، ط1، دمشق، 1989
[12]
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم- فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت
[13]
انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم (295)، وسير أعلام النبلاء (2/245)، وأعلام النساء (5/139)
[14]
سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين محمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، ط11، بيروت 1996.
[15]
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت
[16]
انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم (295)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة (2/276)
[17]
سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين محمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، ط11، بيروت 1996
[18]
سورة الأحزاب، آية 33
[19]
انظر نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم (116)، ونساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث (405).
[20]
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت
[21]
السيرة النبوية والمعجزات، القاضي الشيخ محمد بن أحمد كنعان، مؤسسة المعارف، ط1، بيروت، 1996
[22]
صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، خالد عبد الرحمن العك، دار الألباب، ط1، دمشق، 1989
[23]
نساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث، أحمد خليل جمعة، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، دمشق وبيروت، 1994
المصادر والمراجـع:
(1)(1
)أسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين أبي الحسن وعلي بن محمد الجزري، دار الفكر للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1998
(2)(2
)أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1977.
(3)(3
)السيرة النبوية والمعجزات، القاضي الشيخ محمد بن أحمد كنعان، مؤسسة المعارف، ط1، بيروت، 1996.
(4)(4
)حياة الصحابة، للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، دار المعرفة، بيروت، 1996.
(5)(5
)سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين محمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، ط11، بيروت 1996.
(6)(6
)صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، خالد عبد الرحمن العك، دار الألباب، ط1، دمشق، 1989.
(7)(7
)نساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث، أحمد خليل جمعة، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، دمشق وبيروت، 1994.
(8)(8
)نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم- فواضل النساء المقربات من الرسول، محمود طعمه حلبي، دار المعرفة، ط4، بيروت.
(9)(9
)نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم والرد على مفتريات المستشرقين، محمود مهدي الاستانبولي ومصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي للتوزيع، ط7، جدة، 1998.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مـــارية القبـطية رضي الله عنها
هدية المقوقس
السرية الأولى التى أنجب منها صلى الله عليه وسلم الولد

إشراف الأستاذ : خالد فــراج
أنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية رضي الله عنها

قدمت مارية إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية في سنة سبع من الهجرة. وذكر المفسرون أن اسمها مارية بنت شمعون القطبية، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في مكة، بدأ الرسول في الدعوة إلى الإسلام، وكتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتبا إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، واهتم بذلك اهتماماً كبيراً، فاختار من أصحابه من لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، ومن بين هؤلاء الملوك هرقل ملك الروم، كسرى أبرويز ملك فارس، المقوقس ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة. تلقى هؤلاء الملوك الرسائل وردوا رداً جميلا، ما عدا كسرى .ملك فارس، الذي مزق الكتاب.
لما أرسل الرسول كتاباً إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة، وكان معروفاً بحكمته وبلاغته وفصاحته. فأخذ حاطب كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصر وبعد ان دخل على المقوقس الذي رحب به. واخذ يستمع إلى كلمات حاطب، فقال له " يا هذا، إن لنا ديناً لن ندعه إلا لما هو خير منه".
واُعجب المقوقس بمقالة حاطب، فقال لحاطب: " إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بزهودٍ فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجدهُ بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر"
أخذ المقوقس كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وختم عليه، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
"
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبدالله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي،
وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما
مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك".
وكانت الهدية جاريتين هما: مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين. وفي طريق عودت حاطب إلى المدينة، عرض على ماريه وأختها الإسلام ورغبهما فيه، فأكرمهما الله بالإسلام.
وفي المدينة، أختار الرسول صلى الله عليه وسلم مارية لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعره الكبير حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. كانت ماريه رضي الله عنها بيضاء جميلة الطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة في نفس عائشة رضي الله عنها، فكانت تراقب مظاهر اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة-أو دعجة- فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا" .
ولادة مارية لإبراهيم
وبعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبي لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب الستين من عمره وفقد أولاده ما عدا فاطمـة الزهراء رضوان الله عليها. ولدت مـارية في "شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة"، طفلاً جميلاً يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سماه إبراهيم، " تيمناً بأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام" وبهذه الولادة أصبحت مـارية حرة .
وعاش إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً، " وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية حزناً شديداً على موت إبراهيم.
مكانة مارية في القرآن الكريم:
لمـارية رضي الله عنها شأن كبير في الآيات المباركة وفي أحداث السيرة النبوية. "أنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاء والمحدثون والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم". وقد توفي الرسول عنها صلى الله عليه وسلم وهو راض عن مـارية، التي تشرفت بالبيت النبوي الطاهر، وعدت من أهله، وكانت مـارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول صلى الله علية وسلم، كما عرفت بدينها وورعها وعبادتها.
وفاة مارية
عاشت مـارية ما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في السنة السادسة عشر من محرم. دعا عمر الناس وجمعهم للصلاة عليها . فاجتمع عدد كبير من الصحابة من الهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مـارية القبطية، وصلى عليها سيدنا عمر رضي الله عنه في البقيع، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم.
الهوامش والمراجع :
1.
احمد خليل جمعة، نساء أهل البيت، اليمامة – بيروت – 1994.
3.
عبد الصبور شاهين، إصلاح عبد السلام الرفاعي- موسوعة أمهات المؤمنين- الزهراء للإعلام العربي- 1991.
4.
احمد خليل جمعة، نساء أهل البيت، اليمامة – بيروت – 1994.
6.
نعمة ناصر الشعراني، مكانة السيدة مريم العذراء، الطبعة الأولى، دار ابن حزم – بيروت – 1996.
7.
احمد خليل جمعة، نساء أهل البيت، اليمامة – بيروت – 1994. [/COLO- صلى الله عليه وسلم-]

السرية الثانية هي ريحانة بنت زيد من بني النظير أسلمت فأعتقها ثم تزوجها


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين





عماته صلى الله عليه وسلم

أروى بنت عبد المطلب
رضي الله عنها
تمهيــــد :


أن الباحث إذا أراد أن يبحث في حياة المرأة العربية، أو المسلمة، يجد عقبة كأداء لا يذللها إلا إذا مكث ردحا لعله يفقر بطلبه ويدرك حاجته، وليس ذلك سلس المطلب سهل المرام لكل من طلب ذلك، بل لا بد له من أن يتجشم في بحثه مشقه هو في غنى عنها. وسبب اختيار الباحثة شخصية أروى بنت عبد المطلب نظرا لقلة انتشار سيرة النساء العربيات في البحوث ومواقع الإنترنت، ولما كانت تتصف به تلك المرأة من فضل ونشاط في الدعوة إلى الله تعالى، وثقافة وأدب جم، ورأي حصيف، فقد كانت إحدى شاعرات العرب،وفضليات نسائهم، ولا يسع الباحثة في أخر المطاف إلا أن تقول: إن الكمال لله -وحده سبحانه وتعالى- والنقص من صفات البشر، وترجو الباحثة من الله العلي القدير أن يتقبل هذا العمل بقبول حسن .

[COLO
- صلى الله عليه وسلم-=deeppink] أسمهــا ونسبها :
هي أروى بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول الله e .

زواجهــــا : تزوجت أروى من كلدة بن مناف ابن عبد الدار بن قصي. [1]

إســــلامها:
أسلمت أروى وأختها صفية – رضي الله عنهما- جميعا ،وهاجرتا إلى المدينة، وأسلم ولدها طليب قبلها في دار الأرقم. ولما أسلم ابنها طليب بن عمير بن وهب في دار الأرقم، توجه إليها ليدعوها إلى الإسلام، ويبشرها بما من الله تعالى عليه من التوفيق إلى الهداية إلى دينه الحق، فقال لها : ( تبعت محمد –صلى الله وعليه وسلم – ألمت لله )فقالت له : ( إن أحق من وزرت وعضدت ابن خالك ! والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه وذببنا عنه )فقال طليب: ( فما يمنعك يا أمي من أن تسلمي وتتبعينه ؟ فقد أسلم أخوك حمزة)فقالت أروى : ( أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهن )فقال لها : ( فإني أسألك بالله تعالى إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله )ثم كانت بعد ذلك تعضد النبي –صلى الله وعليه وسلم – بلسانها، وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره –صلى الله وعليه وسلم . فقد شهدت شهادة الحق، وقامت تدافع عنه، وتذب عنه بلسانها وتشيع بين نساء قريش صدقه وأمانته، وأنه نبي الله، وتدعوهن للإسلام - رضي الله عنها وأرضاها. [2]

صفـاتها:
تتصف أروى بنت عبد المطلب بصفات عديدة منها : الصدق والأمانة، وكانت تدعو النساء إلى الإسلام وكانت راجحة الرأي. [3] وهي إحدى فضليات النساء في الجاهلية والإسلام، فقد عرفت الإسلام وفضله في بداية الدعوة، وكانت ذات عقل راجح ورأي متزن يتضح ذلك في خطابها مع ولدها ومقابلتها لأخيها أبي لهب، ومن خلال إسلامها مع أختها صفية – رضي الله عنهما – يبدو قوة العلاقة التي تجمعها بأختها صفية، فقد أسلمتا معا وهاجرتا معا، ويبدو من حوارها مع ولدها حول دعوته للإسلام، حبها للتريث ومشاركة الآخرين بالرأي حينما قالت له : ( أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهن )،رضي الله عنها .

مساندة أروى للنبي صلى الله وعليه وسلم ونصرته:

تزوجت أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - من عمير بن وهب بن عبد قصي فولدت له طليبا. وكانت أروى قبل إسلامها تعضد النبي - صلى الله وعليه وسلم - فذكروا: أن ابنها طليب بن عمير أسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، ثم خرج فدخل على أمه أروى، فقال لها: تبعت محمدا وأسلمت لله. فقالت له أمه: ( إن أحق من وازرت وعضدت ابن خالك، والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه وذببنا عنه)، فقال طليب: فما يمنعك يا أمي من أن تسلمي وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة؟. فقالت:انظر ما يصنع أخواتي، ثم كانت تعضد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره [4].
وعرض أبو جهل وعدد من كفار قريش للنبي - صلي الله عليه وسلم - فآذوه فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه ضربة شجه، فأخذوه وأوثقوه، فقام دونه أبو لهب حتى خلاه، فقيل لأروى: ألا ترين ابنك طليبا قد صير نفسه عرضا دون محمد؟ فقالت: (خير أيامه يوم يذب عن ابن خاله، وقد جاء بالحق من عند الله)فقالوا : ولقد تبعت محمدا؟ قالت: نعم.
فخرج معهم إلى أبي لهب فأخبره، فأقبل عليها فقال: عجبا لك ولاتباعك محمدا وتركك دين عبد المطلب، فقالت: قد كان ذلك، فقم دون ابن أخيك وامنعه، فإن يطهر أمره فأنت بالخيار أن تدخل معه،وإن تكون على دينه، فإنه إن يصب كنت قد أعذرت في ابن أخيك . فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ جاء بد ين محدث، ثم انصرف، وقالت:
أن طليبا نصر ابن خاله # واساه في ذي دمه وماله
وهاجرت إلى المدينة وبايعت النبي - صلي الله عليه وسلم. ولما انتقل ر سول الله - صلي الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى، قالت أروى بنت عبد المطلب:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا #وكنت بنا برا ولم تك حافيا
كان على قلبي لذكر محمد # وما جمعت بعد النبي المجاويا
شعرهـــا:
وهي شاعرة مجيدة وقد رثت أباها عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله e شعرا، فقالت :
بكت عيني وحق لها البكاء # على سمح سجيته الحياء
على سهل الخليقة ابطحي # كريم الخيم نيتة العلاء
على الفياض شبيه ذي المملي # أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شي ظمي # أغر كان غرته ضياء
أقب الكشح أروع ذي فضول # له المجد المقدم والثناء
أبي الضيم أبلج هبر زي # قديم المجد ليس له خفاء
ومعقل مالك وربيع فهر # وفاصلها إذا التمس القضاء
وكان هو الفتى كرما وجودا # وبأسا حين تنكسب الدماء
إذا هاب الكماة الموت حتى # كأن قلوب أكثرهم هواء
مضى قدما بذي ربد خشيب # عليه حين تبصره البهاء

ووفاتهـــــا:
وتوفيت سنة 15 هجري في خلافة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه .

[COLO
- صلى الله عليه وسلم-=deeppink] المراجع والمصادر

1. .
ابن الأثير: أسد الغابة، مج ،مؤسسة الرسالة، بيروت عام 1959.
2.
خليل البدوي: شهيرات النساء، ط1، دار أسامة للنشر، الأردن (د.ت)
3.
خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم لملايين، بيروت –لبنان 1998
4.
عمر رضا كحاله : أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام . [/

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


صفية القرشية
رضي الله عنها
عمة رسـول الله صلى الله وعليه وسلم


صفية بنت عبد المطلب القرشية

رضي الله عنها

أول امرأة قتلـتْ رجـلاً في سبيل الله

إشراف الأستاذ : خالد خميس فـــرَّاج

أصلها ونسبها:

هي صفيه بنت عبد الرحمن بن عمرو بن عمر بن موسى بن الفراء... عمّة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي أخت حمزة بن عبد المطلب، أمها هالة بنت وهب خالة النبي، عليه الصلاة والسلام...

زواجها:
كان أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك حارث فتزوجها العوام بن خويلد بن أسد فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة .أسلم أبنها طليب قبلها في دار الأرقم، كانت دائما تحض بلسانها على نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.

بيعة صفية رضي الله عنها:
بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابيات على الإسلام وما مسّت يدُهُ يد امرأة منهنّ. وكان من بين الصحابيات عمته صفية بنت عبد المطلب. وكانت لهذه البيعة أثرٌ واضح في حياتها، والأمانة والإخلاص في قولها وعملها.
أدبــــــــــــها:
كانت رضي الله عنها أديبة واعظه فاضلة أنشدت لنفسه في الوفاء فقال:
إذا ما خلت من أرض كد أحبتي # فلا سال واديها ولا أخضر عودها.
وقالت في الفخر أيضا :
نحن حفرنا للحجيج زمزم # سقيا نبي الله في المحرم
وقد رثت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا # وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا معلما # لبيك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكي النبي لفقده # ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد # وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله أمي وخالتي # وعمي وآبائي ونفسي ومالي
فلو أن رب الناس أبقى نبينا # سعدنا ولكم أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية # وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته # يبكي ويدعو جده اليوم نائيا

جهادها ومواقفها:
لم يفرض الإسلام الجهاد على النساء، ولكنه لم يحرمه عند الضرورة. شاركت صفيه رضي اللة عنها في غزوة أحد . وذلك بقتال الأعداء بالرمح. وقد جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول: انهزمتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان أخوها حمزة بن عبد المطلب قد قتل ومثل به.. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة قال لابنها الزبير: أرجعها لكي لا ترى أخيها. فذهب إليها الزبير بن العوام وقال: يا أماه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي .
فقالت صفية بنت عبد المطلب: ولم؟ لقد بلغني أن أخي مات، وذلك في الله، لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله. فلما جاء الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول أمه صفية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خل سبيلها، فأتت صفية فنظرت إلى أخيها حمزة، وقد بقرت بطنه، فاسترجعت واستغفرت له.

وشهدت غزوة أحد الخندق، وكان لصفية – رضي الله عنها- موقف لا مثيل له في تاريخ نساء البشر. فحين خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم- لقتال عدوة في معركة الأحزاب ( الخندق )...وقام بوضع الصبيان ونساء المسلمين وأزواجه في ( فارع )حصن حسان بن ثابت، قالت صفية:" فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)والمسلمون في غور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن أتانا آت، قالت: فقلت يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَن وراءنا من يهود، وقد شُغل عنا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. قال: والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فاحتجزت ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن، وقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه. فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. قال: ما لي بسلبه من حاجة.
وقد كان لهذا الفعل المجيد من عمة رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)أثر عميق في حفظ ذراري المسلمين ونسائهم، ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه الآطام والحصون في منعة من الجيش الإسلامي -مع أنها كانت خالية عنهم تماماً- فلم يجترئوا مرة ثانية للقيام بمثل هذا العمل، إلا أنهم أخذوا يمدون الغزاة الوثنيين بالمؤن كدليل عملي على انضمامهم إليهم ضد المسلمين، حتى أخذ المسلمون من مؤنهم عشرين جملاً. [1] ( وبذلك كانت أول امرأة مسلمة تقتل رجلا في سبيل الله).

وفاتها :
توفيت - رضي الله عنها- في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين هجرية، ولها من العمر ثلاث وسبعون سنة، ودفنت في البقيع في دار المغيرة بن شعبة.

المراجع :
1.
خير الدين الزركلي، الأعلام .
2.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، الجزء الثاني .
3.
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام .
4.
الوراق : http://www.alwa- صلى الله عليه وسلم-aq.com/
5.
الدر المكنون: http://www.mknon.net/nesa18.htm
6.
صفحة الصحابيات : صفية بنت عبد المطلب
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ولم نتحدث عن سيرة
عاتكة بنت عبد المطلب
و أم حكيم البيضاء
و برة بنت عبد المطلب




والصحيح أنه ما أسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم سواها (صفية ).
وقال غير الذهبي : أسلمت أروى وعاتكة .

بنات النبي

أم كلثوم بنت محمد (توفيت 9 هـ/630 م)‏
بنت رسول الله من زوجته خديجة، تزوجها عتيبة بن أبي لهب في الجاهلية وأمره أبوه بفراقها عند نزول "تبت يدا أبي لهب وتب" (سورة المسد آية 1)ففارقها زوجها، هاجرت إلى المدينة ثم تزوجها عثمان بن عفان بعد وفاة أختها رقية.‏
‏رقية بنت محمد (توفيت 2 هـ)‏
‏بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة، تزوجت في الجاهلية عتبة بن أبي لهب، ولما ظهر الإسلام ونزلت "تبت يدا أبي لهب وتب" (سورة المسد آية 1)أمره أبوه أن يطلقها، تزوجت عثمان بن عفان وهاجرت معه إلى الحبشة ثم عادت إلى المدينة وفيها توفيت.‏
‏زينب بنت محمد (توفيت 8 هـ)‏
‏كبرى بنات الرسول، تزوجها أبو العاص بن الربيع، أسلمت وهاجرت مع أبيها وبقي زوجها على دينه بمكة حتى أسر ببدر فطالبه الرسول بفراقها ففارقها، فلما أسلم أبو العاص ردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه.‏
‏فاطمة الزهراء (توفيت 11 هـ)‏
‏بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجته خديجة، كانت صغرى بنات الرسول وأحبهن إليه، من نابهات قريش وإحدى الفصيحات العاقلات، تزوجت علي بن أبي طالب وأنجبت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، توفيت بعد وفاة الرسول بستة أشهر

وسوف أفصل ذلك في الحلقات التالية

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


أم كلثوم

رضي الله عنها

بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

اسمها ونسبها : :






هي أم كلثـوم بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمها السيدة خديجة أم المؤمنين- رضي الله عنها، قيل إنها ولِدَت بعد فاطمة [1]، وأسلمت مع أمها وأخواتها مع بزوغ فجر الدعوة الإسلامية . [2]

هجرتها :
هاجرت أم كلثوم مع أختها فاطمة الزهراء، وزوجة الرسول e سودة بنت زمعة، ثاني زوجاته بعد خديجة رضي الله عنها، بكل شوق وحنان إلى المدينة، فاستقبلهن الرسول -صلى الله عليه وسلم، وأتى بهنّ إلى داره التي أعدّها لأهله بعد بناء المسجد النبوي الشريف . [3]

زواجها:
تزوّجها عتيبة بن أبي لهب قبل البعثة ولم يدخل عليها، وطلقها تنفيذا لرغبة أبي لهب، ولم يدخل بها، ولما توفيت شقيقتها رقيـة، رضي الله عنهما، ومضت الأحزان والهموم، زوّج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أم كلثوم لعثمان بن عفان – رضي الله عنه في ربيع الأول سنة 3 للهجرة، وكان هذا الزواج بأمر من الله تعالى، فقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :" أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها" [4] وأصبح عثمان بزواجه هذا، وبزواجه السابق من شقيقتها رقية يسمى بذي النورين، وعاشت أم كلثوم عند عثمان ست سنوات ولكنها لم تلد له. [5]

وفاتها:
توفيت أم كلثوم -رضي الله عنها- في شهر شعبان سنة تسع من الهجرة، وقد جلس الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قبرها وعيناه تدمعان حُزناً على ابنته الغالية أم كلثوم، فقال:" هل منكم أحد لم يقارف الليلة " فقال أبو طلحة : " أنا " قال له الرسول " انزل " فنزل أبو طلحة في قبرها [6]. رضي الله عنها وأرضاها. وفي مسند الإمام أحمد ‏حدثنا ‏ ‏عفان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ،‏‏أن ‏ ‏رقية ‏ ‏لما ماتت قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم:"‏ ‏لا يدخل القبر رجل قارف ‏أهله الليلة"، وفي رواية أخرى في مسند أحمد أيضا- عن أنس أن ‏ ‏رقية ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏لما ماتت قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يدخل القبر رجل قارف‏ ‏أهله فلم يدخل ‏ ‏عثمان بن عفان ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏القبر " [7] وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال بعد وفاة أم كلثوم رضي الله عنها، لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان " رضي الله عنه [8].


[1]
ابن سعد، طبقات ابن سعد، 1/ 133 .
[2]
عمر كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والمسلمين، 4/ 261.
[3]
ابن سعد، الطبقات 1/237.
[5]
انظر ابن سعد في الطبقات، 1/133، وانظر الطبقات، 5/ 231 وانظر الذهبي في سير أعلام النبلاء، 2/ 252.
[6]
انظر الذهبي، سير أعلام النبلاء، 2/ 253.
[7]
انظر مسند الأمام أحمد، حديث رقم ( 13350 )وحديث رقم ( 1919)، وموقع الإسلام حرف : http://hadith.al-islam.com/sea- صلى الله عليه وسلم-ch/Sea- صلى الله عليه وسلم-chHits.asp?Sea- صلى الله عليه وسلم-chText=%e3%20%df%e1%cb%e6%e3&Sea- صلى الله عليه وسلم-chLevel=QBE&Sea- صلى الله عليه وسلم-chType=- صلى الله عليه وسلم-oot&Scope=0,1,2,3,4,5,6,7,8
[8]
ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 56.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضي الله عنها

رقية

رضي الله عنها

بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

إشراف الأستاذ : خالد خميس فــرَّاج


تمهيد:


في الساعات الأولى لشروق فجر الرسالة النبوية، أشرقت نفس خديجة بنت خويلد وبناتها رضي الله عنهن بنور الإيمان، وصٌنِعنَ على عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صنع على عين الله عز وجل، فحمل نور الله،
وهدى الله، وكلمة الله إلى الدنيا بأسرها. ومن بين صفوف نساء قريش، سيصوغ الإسلام امرأة منهن؛ لتكون واحدة من حبات العقد الفريد، والدر النضيد في البيت النبوي الطاهر، الذي أذهب الله عنه الرجس، وطهره تطهيراً. يا ترى من هذه الجوهرة؟ ( [1]).

نشأت رقية رضي الله عنها

ولدت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمية( [2])، وأمها خديجة أم المؤمنين، ونشأت قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم( [3]).
وقد استمدت رقية رضي الله عنها كثيراً من شمائل أمها، وتمثلتها قولاً وفعلاً في حياتها من أول يوم تنفس فيِه صبح الإسلام، إلى أن كانت رحلتها الأخيرة إلى الله عز وجل. وسيرة حياة السيدة رقية رضي الله عنها، تستوفي كل الكنوز الغنية بمكارم الفضائل ونفحات الإيمان، وهذه الكنوز التي تغني المرء عن الدراهم والدنانير،
بل أموال الدنيا كلها، فسيرة السيدة رقية تجعل النفوس تحلق في أجواء طيبة، لا يستطيع أصحاب الأموال والدنيا الوصول إليها، ولو صرفوا الدنيا وما فيها، لأن من يتذوق طعم حياة لاالأبرار، يترفع عن الحياة التي لا تعرف إلا الدرهم والدينار( [4]).

زواجها رضي الله عنها من عُتبة

لم يمض على زواج زينب الكبرى غير وقت قصير، إلا وطرق باب خديجة ومحمد، وفد من آل عبد المطلب، جاء يخطب رقية وأختها التي تصغرها قليلاً لشابين من أبناء الأعمام وهما
(
عُتبة وعُتيبة)ولدا أبي لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأحست رقية وأختها انقباضاً لدى أمهما خديجة، فالأم تعرف من تكون أم الخاطبين زوجة أبي لهب، ولعل كل بيوت مكة تعرف من هي أم جميل بنت حرب ذات القلب القاسي والطبع الشرس واللسان الحاد. ولقد أشفقت الأم على ابنتيها من معاشرة أم جميل، لكنها خشيت اللسان السليط الذي سينطلق متحدثاً بما شاء من حقد وافتراء إن لم تتم الموافقة على الخطوبة والزواج،
ولم تشأ خديجة أيضاً أن تعكر على زوجها طمأنينته وهدوءه بمخاوفها من زوجة أبي لهب وتمت الموافقة، وبارك محمد ابنتيه، وأعقب ذلك فرحة العرس والزفاف وانتقلت العروسان في حراسة الله إلى بيت آخر وجو جديد.

دعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام

ودخلت رقية مع أختها أم كلثوم بيت العم، ولكن لم يكن مكوثهما هناك طويلاً فما كاد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى رسالة ربه، ويدعو إلى الدين الجديد، وراح سيدنا رسول الله، يدعو إلى الإسلام سراً، فاستجاب لله عز وجل من شاء من الرجال ومن النساء والولدان. ويبدو أن عمات رسول الله قد نصحنه صلى الله عليه وسلم ألا يدعو عمه أبا لهب لكيلا تثور هائجته، فلا يدري بما يتكلم، وحتى لا تنفث زوجته أم جميل سمومها في بنات النبي فقد كان أبو لهب وأولاده ألعوبة تتحكم فيهم أم جميل التي تنهش الغيرة قلبها إذا ما أصاب غيرها خير.

وقد قام رسول الله بدعوة الناس إلى الإسلام وعندما علم أبو لهب بذلك أخذ يضحك ويسخر من رسول الله ثم رجع إلى البيت، وراح يروي لامرأته الحاقدة ما كان من أمر محمد ابن أخيه الذي أخبرهم أنه رسول الله إليهم؛ ليخرجهم من الظُلمات إلى النور وصراط العزيز الحميد، وشاركت أم جميل زوجها في سخريته وهزئه.

ولعب شيطان الحقد في نفسها، وأحست برغبة عنيفة في داخلها للانتقام من أقرب الناس إليها من رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما، وإن كان هذا الانتقام سيؤذي ولديها، ولكنها مادامت ستفرغ كل حقد ممكن لديها، وتقيء كل عصارة كيدها في جوانب نفسها، فلا مانع من ذلك حتى تحطم بزعمها الدعوة المحمدية، وسلكت ضد سيدنا رسول الله أبشع السبل في اضطهاده، وزادت على ذلك أن أرسلت إلى أصهار رسول الله تطلب منهم مفارقة بنات الرسول،
أما أبو العاص فرفض طلبهم مؤثرا ومفضلاً ً صاحبته زينب على نساء قريش جميعاً، وقد أمن في نهاية المطاف وجمع الله شمل الأحبة. وأما عُتبة وعُتيبة فلقد تكفلت أم جميل بالأمر دون أن تحتاج لطلب من أحد.

وطفقت أم جميل تنفث سمومها في كل مكان تكون فيه، ولم تكتف بكشف خبيئة نفسها الخبيثة، ولكنها راحت تزين للناس مقاومة الدعوة، واجتثاث أصولها؛لأنها تفرق بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه. ولما انتهت من طوافها، وهي تزرع بذور الفتنة، وتبغي نشر الحقد والفساد، راحت تجمع الحطب لتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤذيه، وفي هذا دليل على بخلها الذي جبلت عليه( [5]).

لاولكن القرآن الكريم تنزل على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ندياً رطباً، ونزل القرآن عليه يشير إلى المصير المشؤوم لأم جميل بنت حرب، وزوجها المشؤوم أبي لهب، قال الله تعالى: )تبت يدا أبي لهب وتب *ما أغني عنه ماله وما كسب* سيصلى نارا ذات لهب* وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبلاً من مسد(. (المسد:1-5).

وكانت رقية وأم كلثوم في كنف ابني عمهما، لما نزلت سورة المسد،وذاعت في الدنيا بأسرها، ومشي بعض الناس بها إلى أبي لهب وأم جميل، اربدَّ وجه كل واحد منهما، واستبد بها الغضب والحنق، ثم أرسلا ولديهما عُتبة وعُتيبة وقالا لهما: إنَّ محمداً قد سبهما،
ثم التف أبو لهب إلى ولده عتبة وقال في غضب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنة محمد؛ فطلقها قبل أن يدخل بها. وأما عُتيبة، فقد استسلم لثورة الغضب
وقال في ثورة واضطراب: لآتين محمداً فلأوذينَّه في ربه. وانطلق عتيبة بن أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشتمه ورد عليه ابنته وطلقها، فقال رسول الله"اللهم سلط عليه كلباً من كلابك" واستجابت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأكل الأسد عُتيبة في إحدى أسفاره إلى الشام( [6]).

ولم يكفها أن ردت رقية وأم كلثوم مطلقتين، بل خرجت ومعها زوجها أبو لهب (الذي شذ عن الأعمام وآل هاشم، فقد جمع بين الكفر وعداوة ابن أخيه)، وسارت وإياه يشتمان محمداً، ويؤذيانه ويؤلبان الناس ضده، وقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على أذاهم.
وكذلك فعلت رقية وأختها، صبرتا مع أبيهما، وهما اللتان تعودتا أن تتجملا بالصبر قبل طلاقهما، لما كانت تقوم به أم جميل من رصد حركاتهما ومحاسبتهما على النظرة والهمسة واللفتة.

زواج رقية من عثمان:

شاءت قدرة الله لرقية أن ترزق بعد صبرها زوجاً صالحاً كريماً من النفر الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ذلك هو (عثمان بن عفان)صاحب النسب العريق، والطلعة البهية، والمال الموفور، والخلق الكريم.

وعثمان بن عفان أحد فتيان قريش مالاً، وجمالاً، وعزاً، ومنعةً، تصافح سمعه همسات دافئة تدعو إلى عبادة العليم الخبير الله رب العالمين. والذي أعزه الله في الإسلام سبقاً وبذلاً وتضحيةً، وأكرمه بما يقدم عليه من شرف المصاهرة،
وما كان الرسول الكريم ليبخل على صحابي مثل عثمان بمصاهرته، وسرعان ما استشار ابنته، ففهم منها الموافقة عن حب وكرامة، وتم لعثمان نقل عروسه إلى بيته، وهو يعلم أن قريشاً لن تشاركه فرحته، وسوف تغضب عليه أشد الغضب.
ولكن الإيمان يفديه عثمان بالقلب ويسأل ربه القبول.

ودخلت رقية بيت الزوج العزيز، وهي تدرك أنها ستشاركه دعوته وصبره، وأن سبلاً صعبة سوف تسلكها معه دون شك إلى أن يتم النصر لأبيها وأتباعه. وسعدت رقية رضي الله عنها بهذا الزواج من التقي النقي عثمان بن عفان رضي الله عنه، وولدت رقية غلاماً من عثمان فسماه عبد الله، واكتنى به( [7]).

رقية والهجرة إلى الحبشة:

ودارت الأيام لكي تختبر صدق المؤمنين، وتشهد أن أتباع محمد قد تحملوا الكثير من أذى المشركين، كان المؤمنون وفي مقدمتهم رقية وعثمان رضي الله عنهم في كرب عظيم، فكفار قريش ينزلون بهم صنوف العذاب، وألوان البلاء والنقمة،)وما نقموا بهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .البروج .ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقادر على إنقاذ المسلمين مما يلاقونه من البلاء المبين، وجاءه عثمان وابنته رقية يشكوان مما يقاسيان من فجرة الكافرين، ويقرران أنهما قد ضاقا باضطهاد قريش وأذاهم.

وجاء نفر آخرون ممن آمن من المسلمين، وشكوا إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما يجدون من أذى قريش، ومن أذى أبي جهل زعيم الفجار( [8]).

ثم أشار النبي عليهم بأن يخرجوا إلى الحبشة، إذ يحكمها ملك رفيق لا يظلم عنده أحد، ومن ثم يجعل الله للمسلمين فرجاً مما هم عليه الآن.

وأخذت رقية وعثمان رضي الله عنهما يعدان ما يلزم للهجرة، وترك الوطن الأم مكة أم القرى. ويكون عثمان ورقية أول من هاجر على قرب عهدهما بالزواج، ونظرت رقية مع زوجها نظرة وداع على البلد الحبيب. وتمالكت دمعها قليلاً،
ثم صعب ذلك عليها، فبكت وهي تعانق أباها وأمها وأخواتها الثلاث زينب وأم كلثوم والصغيرة فاطمة، ثم سارت راحلتها مع تسعة من المهاجرين، مفارقة الأهل والأحباب،
وعثمان هو أول من هاجر بأهله، ثم توافدت بعد ذلك بعض العزاء والمواساة، لكنها ظلت أبداً تنزع إلى مكة وتحن إلى من تركتهم بها،
وظل سمعها مرهفاً يتلهف إلى أنباء أبيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحبة الكرام. ولقد أثرت شدة الشوق والحنين على صحتها، فأسقطت جنينها الأول، وخيف عليها من فرط الضعف والإعياء، ولعل مما خفف عنها الأزمة الحرجة رعاية زوجها وحبة وعطف المهاجرين وعنايتهم.
وانطلق المهاجرون نحو الحبشة تتقدمهم رقية وعثمان، حتى دخلوا على النجاشي، فأكرم وفادتهم، وأحسن مثواهم، فكانوا في خير جوار،لا يؤذيهم أحد ويقيمون شعائر دينهم في أمن وأمان وسلام.

وكانت رقية رضي الله عنها في شوق واشتياق إلى أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة، ولكن المسافة بعيدة، وإن كانت الأرواح لتلتقي في الأحلام.

وجاء من أقصى مكة رجل من أصحاب رسول الله، فاجتمع به المسلمون في الحبشة، وأصاخوا إليه أسماعهم حيث راح يقص عليهم خبراً أثلج صدورهم، خبر إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب، وكيف أن الله عز وجل قد أعز بهما الإسلام. واستبشر المهاجرون بإسلام حمزة وعمر، فخرجوا راجعين، وقلوبهم تخفق بالأمل والرجاء، وخصوصاً سيدة نساء المهاجرين رقية بنت رسول الله التي تعلق فؤادها وأفئدة المؤمنين بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم .

العودة إلى مكة:

وصلت إلى الحبشة شائعات كاذبة، تتحدث عن إيمان قريش بمحمد، فلم يقو بعض المهاجرين على مغالبة الحنين المستثار، وسَرعان ما ساروا في ركب متجهين نحو مكة، ويتقدمهم عثمان ورقية، ولكن يا للخيبة المريرة، فما أن بلغوا مشارف مكة، حتى أحاطت بهم صيحات الوعيد والهلاك. وطرقت رقية باب أبيها تحت جنح الظلام، فسمعت أقدام فاطمة وأم كلثوم، وما أن فتح الباب حتى تعانق الأحبة، وانهمرت دموع اللقاء.
وأقبل محمد صلى الله عليه وسلم نحو ابنته يحنو عليها ويسعفها لتثوب إلى السكينة والصبر، فالأم خديجة قد قاست مع رسول الله وآل هاشم كثيراً من الاضطهاد مع أنها لم تهاجر، وقد ألقاها المرض طريحة الفراش، لتودع الدنيا وابنتها ما تزال غائبة في الحبشة( [9]).

عودة رقية إلى الحبشة:

وعندما علمت قريش برجوع المؤمنين المهاجرين، عملت على إيذائهم أكثر من قبل، واشتدت عداوتهم على جميع المؤمنين، مما جعل أصحاب في قلق، ولكنهم اعتصموا بكتاب الله، مما زاد ضراوة المشركين وزاد من عذابهم.

وراح الفجرة الكفرة، يشددون على المسلمين في العذاب، وفي السخرية حتى ضاقت عليهم مكة، وقاسى عثمان بن عفان من ظلم أقربائه وذويه الكثير. ولكن عثمان صبر وصبرت معه رقية مما جعل قريش، تضاعف وجبات العذاب للمؤمنين، فذهبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يستأذنونه في الهجرة إلى الحبشة فأذن لهم، فقال عثمان بن عفان صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي، ولست معنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنتم مهاجرون إلى الله وإلي، لكم هاتان الهجرتين جميعاً". فقال عثمان: فحسبنا يا رسول الله.

وهاجرت رقية ثانية مع زوجها إلى الحبشة مع المؤمنين الذين بلغوا ثلاثة وثمانين رجلاً. وبهذا تنفرد رقية ابنة رسول الله بأنها الوحيدة من بناته الطاهرات التي تكتب لها الهجرة إلى بلاد الحبشة، ومن ثم عُدت من أصحاب الهجرتين( [10]).

قال الإمام الذهبي- رحمه الله- عن هجرة رقية وعثمان رضي الله عنهما :" هاجرت معه إلى الحبشة الهجرتين جميعاً. وفيهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهما أول من هاجرا إلى الله بعد لوط"( [11]).

ولم يطل المقام برقية في مكة، ففي العام الثالث عشر للبعثة، كان أكثر المؤمنين من أهل البيت الحرام قد وصلوا إلى المدينة المنورة، ينتظرون نبيهم محمداً ليأتي إليهم وإلى اخوتهم الأنصار مهاجراً مجاهداً. وهناك في المدينة جلست رقية مع زوجها عثمان،
ووضعت مولودها الجميل عبد الله...
وراحت تملأ عينها من النظر إليه، لكي تنسى مرارة فقدها لجنينها، ولوعة مصابها في أمها، وما قاسته في هجرتها وهي بطلة الهجرتين من شجن الغربة. ويبدأ صراع جديد بين الحق والباطل، وترى رقية بوادر النصر لأبيها، فالله عز وجل قد أذن له وللمؤمنين أن يقاتلوا المشركين، ليدعموا بنيان المجتمع الإسلامي الجديد الذي بنوه بأيديهم في يثرب.

وفاتها

وينمو عبد الله ابن المجاهدين العظيمين نمواً طيباً، ولكن شدة العناية قد توقع في ما يحذره الإنسان أحياناً، فما بال عبد الله يميل نحو الهبوط، وتذبل ريحانته بعد أن كان وردة يفوح عطرها، ويزكو أريجها يا لله...
وأخذ الزوجان يرقبان بعيون دامعة، وقلب حزين سكرات الموت يغالبها الصغير بصعوبة تقطع الفؤاد. ومات ابن رقية، بعد أن بلغ ست سنين ومات بعد أن نقر الديك وجهه(عينه)
فتورم وطمر وجهه ومرض ثم مات، وبكته أمه وأبوه، وافتقد جده بموته ذلك الحمل الوديع الذي كان يحمله بين يديه كلما زار بيت ابنته، ولم تلد رقية بعد ذلك( [12]).

ولم يكن لرقية سوى الصبر وحسن التجمل به، ولكن كثرة ما أصابها في حياتها من مصائب عند أم جميل، وفي الحبشة، كان لها الأثر في أن تمتد إليها يد المرض والضعف، ولقد آن لجسمها أن يستريح على فراش أعده لها زوجها عثمان، وجلس بقربها الزوج الكريم يمرضها ويرعاها، ويرى في وجهها علامات مرض شديد وألم قاس تعانيه،
وراح عثمان يرنو بعينين حزينتين إلى وجه رقية الذابل، فيغص حلقه آلاما، وترتسم الدموع في عينيه، وكثيراً ما أشاح بوجهه لكي يمسك دمعة تريد أن تنهمر،
ولقد كانت رقية تحس هذا الشيء، فتتجلد وتبذل ما أمكنها، لكي تبتسم له ابتسامة تصطنعها حتى تعود إليه إشراقة وجهه النضير...
وتنهال على رأسه الذكريات البعيدة، ورأى رقية وهي في الحبشة تحدث المهاجرات حديثاً يدخل البهجة إلى النفوس، ويبعث الآمال الكريمة في الصدور، وتقص عليهن ما كانت تراه من مكارم أبيها رسو ل الله صلى الله عليه وسلم،
وحركت هذه الذكريات أشجان عثمان، وزادت في مخاوفه، وكان أخشى ما يخشاه أن تموت رقية، فينقطع نسبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورنا عثمان ثانية إلى وجه زوجته الذابل، ففرت سكينته، ولفه حزن شديد ممزوج بخوف واضطراب، حيث كانت الأنفاس المضطربة التي تلتقطها رقية جهدها، تدل على فناء صاحبتها.

كانت رقية تغالب المرض، ولكنها لم تستطع أن تقاومه طويلاً، فأخذت تجود بأنفاسها، وهي تتلهف لرؤية أبيها الذي خرج إلى بدر، وتتلهف لرؤية أختها زينب في مكة، وجعل عثمان يرنو إليها من خلال دموعه، والحزن يعتصر قلبه، مما كان أوجع لفؤاده أن يخطر على ذهنه، أن صلته الوثيقة برسول الله صلى الله عليه وسلم توشك أن تنقطع.

وكان مرض رقية رضي الله عنها الحصبة، ثم بعد صراعها مع هذا المرض، لحقت رقية بالرفيق الأعلى، وكانت أول من لحق بأم المؤمنين خديجة من بناتها، لكن رقية توفيت بالمدينة، وخديجة توفيت بمكة قبل بضع سنين، ولم ترها رقية، وتوفيت رقية، ولم تر أباها رسول الله، حيث كان ببدر مع أصحابه الكرام، يعلون كلمة الله، فلم يشهد دفنها صلى الله عليه وسلم( [13]).

وحُمِل جثمان رقية رضي الله عنها على الأعناق، وقد سار زوجها خلفه، وهو واله حزين، حتى إذا بلغت الجنازة البقيع، دفنت رقية هنالك، وقد انهمرت دموع المشيعين.

وسوى التراب على قبر رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد المجاهدون من بدر يبشرون المؤمنين بهزيمة المشركين، وأسر أبطالهم.
وفي المدنية المنورة خرج رسول الله إلى البقيع، ووقف على قبر ابنته يدعو لها بالغفران.
لقد ماتت رقية ذات الهجرتين قبل أن تسعد روحها الطاهرة بالبشرى العظيمة بنصر الله، ولكنها سعدت بلقاء الله في داره( [14]).

ولما توفيت رقية بكت النساء عليها، في رواية ابن سعد: قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله، قال: " ألحقي بسلفنا عثمان بن مظعون" فبكت النساء عليها؛ فجعل عمر يضربهن بسوطه.

فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: " دعهن يبكين"، ثم قال: " ابكين، وإياكن ونعيق الشيطان؛ فإنه مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان"، فقعدت فاطمة على شفير القبر إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تبكي، فجعل رسول الله يمسح الدمع عن عينها بطرف ثوبه( [15]).

رحم الله رقية بطلة الهجرتين، وصلاة وسلاماً على والدها في العالمين ورحم معها أمها وأخواتها وابنها وشهداء بدر الأبطال، وسلام عليها وعلى المجاهدين الذين بذلوا ما تسع لهم أنفسهم به من نصره لدين الله ودفاع عن كلمة الحق والتوحيد إلى يوم الدين، والسعي إلى إعلاء كلمة الله.

=============

[1]
انظر نساء أهل البيت، ص490.
[2]
انظرالأعلام ،خير الدين الزركلي، ص31. وانظر نساء أهل البيت، ص491. وانظر طبقات ابن سعد، ص37،36.
[3]
انظر سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ص 250.انظر الأعلام ص31.
[4]
انظر نساء أهل البيت،ص492.
[5]
نساء أهل البيت، ص494-495.
[6]
انظر بنات النبي، محمد موفق سليمة، ص44-46. انظر نساء أهل البيت،ص 495 و496. انظر الأعلام ص 31.
[7]
انظرنساء أهل البيت،ص496-498.انظر بنات النبي،ص48-49. انظر الأعلام، ص31.
[8]
كان أبو جهل عمرو هشام يأتي الرجل الشريف إذا أسلم، فيقول له أتترك دين أبيك وهو خير منك، وتقبل رأيه وتضع شرفه؟ وإن كان تاجراً قال:ستكسد تجارتك، ويهلك مالك، وإن كان ضعيفاً أغرى به حتى يعذب.
فأذن رسول الله لأصحابه، فهاجروا إلى الحبشة في السنة الخامسة من المبعث. (أنساب الأشراف 1/198).
[9]
انظر بنات النبي، ص50- 51.
[10]
انظر نساء أهل البيت، ص502-503.
[11]
انظر سير أعلام النبلاء، ص201. انظر نساء أهل البيت، ص503.
[12]
انظر نساء أهل البيت،ص 499. انظر سير أعلام النبلاء،ص 251.انظر بنات النبي، ص 54،55.
[13]
انظر نساء أهل البيت، ص506،507.انظر بنات النبي، ص55-59. انظر أعلام النساء، ص457.
[14]
انظر نساء أهل البيت،508،507.
[15]
انظر سير أعلام النبلاء، ص 202،201. قال ابن سعد في النص "هذا منكر" من جانب الشدة والعسر أما من جانب الفقه، فإن الإسلام لا يحرم أن تبكي المرأة على من تفقد.


المصادر والمراجع:

1.
أحمد خليل جمعه، نساء أهل البيت، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، دمشق- بيروت، 1415هـ -1994م.
2..
الذهبي، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، ج2، ط11، بيروت، 1471هـ -1997م.
3.
الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، المجلد الثالث، الطبعة12، بيروت- لبنان، شباط/فبراير 1997م.
4.
عمر رضا كحاله، أعلام النساء، مؤسسة الرسالة،ج1، بيروت، 1379هـ 1959م.
5.
محمد موفق سليمة، بنات النبي، دار الهدى للنشر والتوزيع، ط3، الرياض 1420هـ - 1999م.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضي الله عنها


المقدمة :
الحمد لله رب العالمين وصلاة الله وسلامه على نبينا وسيدنا محمد وآله،
ورحمته وبركاته على عباده الذين اصطفى للناس أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد فإن الهدف الذي من أجله كتب هذا البحث الوقوف على حياة السيدة زينب رضي الله عنها ومواقفها مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليست بأشهر وأعرف من تلك التي كانت من أختها السيدة فاطمة {رضي الله عنها}.

والمراجع التي تحدثت عن هذه السيدة العظيمة ومواقفها قليلة لذلك فإن الناس لم يعرفوا عنها الكثير، فرأيت أن تكون السيدة زينب هي موضوع بحثي لهذا العام، وبذلك نعرف القراء بهذه السيدة وما كان منها في عصر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ينقسم هذا البحث إلى ثمانية أجزاء هي: طفولة زينب {رضي الله عنها} ونشأتها، وزواج زينب، ونزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم وإسلام زينب، وموقفها من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وموقعة بدر وأثرها في نفس زينب، وهجرتها إلى يثرب،وإسلام زوجها، وأخيرا أنهي بوفاة السيدة زينب وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك.

ومن أهم النتائج التي تم التوصل إليها من هذا البحث أن السيدة زينب {رضي الله عنها} كانت من أهم من وقف بجانب النبي صلى الله عليه وسلم أيام تعذيب قريش وبطشهم به، وأنها لم ترفض الإسلام كما فعل زوجها، بل كانت من أوائل من أسلم وساهمت في إسلام زوجها أيضا. ويعد كتاب ( أبناء النبي صلى الله عليه وسلم )لكاتبه إبراهيم محمد الجمل من أهم المراجع التي ساهمت في إنهاء هذا البحث حيث إنه ذكر عن السيدة زينب الكثير من طفولتها وحتى وفاتها {رضي الله عنها}.
نسأل الله العلي القدير أن يكون هذا البحث مصدرا للانتفاع به، ومرجعا مفيدا لطلبة العلم.

طفولة زينب {رضي الله عنها} ونشأتها:

هي زينب بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم خاتم النبيين. وزينب {رضي الله عنها}هي كبرى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم والأولى من بين أربع بنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة {رضي الله عنهن} وهي ثمرة الزواج السعيد الذي جمع بين خديجة بنت خويلد {رضي الله عنها} ورسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولدت زينب {رضي الله عنها} في السنة الثلاثين من مولد محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه كان يبلغ من العمر ثلاثين عاما عندما أصبح أباً لزينب التي أحبها كثيراً وكانت فرحته لا توصف برؤيتها. أما السيدة خديجة {رضي الله عنها} فقد كانت السعادة والفرحة تغمرانها عندما ترى البِشر على وجه زوجها وهو يداعب ابنته الأولى.

واعتاد أهل مكة العرب عامة والأشراف منهم خاصة على إرسال صغارهم الرضع بيد مرضعات من البادية يعتنين بهم وبعدما يقارب من السنتين يعيدوهم إلى ذويهم. بعد أن عادت زينب {رضي الله عنها} إلى حضن أمها خديجة عهدت بها إلى مربية تساعدها على رعايتها والسهر على راحة ابنتها. وترعرعت زينب في كنف والدها حتى شبّت على مكارم الأخلاق ِوالآداب والخصال فكانت تلك الفتاة البالغة الطاهرة.

زواج زينب {رضي الله عنها} :

كانت هالة بنت خويلد أخت خديجة {رضي الله عنها} زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبل على أختها بين الحين والآخر، فقد كانتا قريبتان من بعضهما، وكانت هالة تعتبر السيدة خديجة أماً وأختاً لها وكم حلمت بأن تكون زينب بنت أختها {رضي الله عنها} زوجة لابنها أبي العاص. من ذلك نجد أن هالة أحسنت الاختيار فهي زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم أحد أشراف قريش ومكانته كانت عظيمة بينهم وأمها ذات المنزلة الرفيعة والأخلاق الكريمة أيضاً.

أما زينب فلم تكن بحاجة إلى تعريف, فأخلاقها كانت من أهم ما جذب خالتها لها. كان أبو العاص قد تعرف إلى زينب من خلال الزيارات التي كان يقوم بها لخالته {رضي الله عنها}، ومن هناك عرف عن طباع ابنة خالته زينب وأخلاقها فزاد من ترداده على بيت خالته. وفي إحدى الأيام فاتحت هالة أختها بنوايا ابنها الذي أختار زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم ذو المكانة العظيمة في قريش لتكون شريكة حياته وزوجة له.

سرت بهذا الخبر السيدة خديجة{رضي الله عنها} وهي ترى ابنتها وقد كبرت وأصبحت في سن الزواج، فأي أم لا تحلم بزواج ابنتها وخاصة إذا كانت هي بكرها. أخبرت خديجة {رضي الله عنها} الرسول صلى الله عليه وسلم بنوايا ابن أختها أبي العاص ورغبته في التقدم لخطبة ابنته زينب {رضي الله عنها}، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يرحب به ليكون زوجاً لابنته بعد موافقتها طبعاً؛ وكان ذلك لأن أبا العاص يلتقي نسبه من جهة الأب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الجد الثالث عبد المناف فهو أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى،
وكذلك فإن نسبه يلتقي من جهة الأم مع زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم عند جده خويلد بن أسد بن عبد العزى. بالإضافة إلى ذلك فإن أبا العاص على الرغم من صغر سنه فقد عرف بالخصال الكريمة والأفعال النبيلة.

وعندما ذهب أبو العاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطب ابنته، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه نعم الصهر الكفء، هذا يعني أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم لم يجد به عيبا،ً وطلب من الخاطب الانتظار، حتى يرى رأي ابنته في ذلك ولم يشأ الموافقة على أبي العاص قبل موافقة ابنته زينب عليه. وهذا موقف من المواقف التي دلت على حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على المشاورة ورغبته في معرفة رأي ابنته في هذا الموقف.

وما كان من زينب {رضي الله عنها} إلا أن تسكت إعلاناً منها قبول ابن خالتها أبا العاص؛ ليكون زوجاً لها تسهر على رعايته وراحته، وتشاركه فرحه وحزنه وتوفر له أسباب السعادة.

ذاع خبر خطبة أبي العاص لزينب {رضي الله عنها} في أرجاء مكة كلها، ففرح الناس بذلك، وأخذوا يهنئون زينب بالزوج الذي اختارته، فهو من الرجال المعدودين مالاً وتجارة في مكة، وفي الوقت نفسه يهنأ أبو العاص بالفتاة التي اختارها لتكون زوجة له، وأماً لأطفاله في المستقبل. انتظر الجميع يوم زفاف هذين الزوجين وعندما حان الموعد المنتظر نحرت الذبائح وأقيمت الولائم، وكانت فرحة كليهما لا توصف.

عاشت زينب حياة سعيدة في كنف زوجها وكانت خير الزوجة الصالحة الكريمة لأبي العاص، وكان هو خير الزوج الفاضل الذي أحاطها بالحب والأمان. وشاء الله تعالى أن يكون ثمرة هذا الزواج السعيد طفلين أنجبتهما زينب {رضي الله عنها}.
الأول علي بن أبي العاص الذي توفي صبيا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أردفه وراءه يوم الفتح، والثانية أمامة بنت أبي العاص التي تزوجها علي بن أبي طالب { كرم الله وجهه} بعد وفاة فاطمة الزهراء {رضي الله عنها}.

كان أبو العاص يعمل بالتجارة فيضطر في بعض الأحيان للسفر إلى بلاد الشام تاركاً زوجته عند أمه هالة بنت خويلد . ومن شدة حب أبي العاص لزوجته كان يقول فيها في سفره وبعيدا ً عنها:

ذكرت زينب لما ورّكــــت أرما # # فقلت سقيا لشخصٍ يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صــــالحاً # # وكلٌ بَعــلٍ سيثني بالذي عـلِما [1]

نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم وإسلام زينب {رضي الله عنها}:

عندما نقول أنه ليس من الغريب أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نبي الأمة فأننا نعني ذلك لعدة أسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتمتع بأنبل الصفات وأحسن الأخلاق؛ فقد عٌرف بصدقه وأمانته؛ ومساعدته للضعيف والفقير؛ وبتلك المحاسن التي أشتهر بها كان هو الرجل الأعظم والأكمل بين سادات قريش في مكة.

تبدأ قصة نزول الوحي عندما بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ينشغل في التأمل في خلق الله وهو في غار حراء. وكان يقضي أوقاتاً طويلة في تأمله وتدبره، وفي الجانب الآخر كانت زوجته السيدة خديجة {رضي الله عنها} تسأل عنه دائماً وترسل من يأتي بأخباره إليها،
وكانت هي أكثر من يهيئ له الراحة والسعادة. وبعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسرعت خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل تروي له كل ما حصل مع زوجها في غار حراء، فبشرها بأنه سيكون نبي الأمة المنتظر ولكن وفي الوقت نفسه فإنه سيتعرض للتعذيب والاضطهاد من قريش.

سرت خديجة ببشارة النبي وحزنت بعد معرفتها بأن قريش لن تتبع زوجها بالدين الذي سيدعو له وعلى الرغم من ذلك كانت السيدة خديجة {رضي الله عنها} أول من آمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأول من اتبعه. وفي يوم نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أبو العاص في سفر تجارة ،
فخرجت السيدة زينب {رضي الله عنها} إلى بيت والدها تطمئن على أحوالهم فإذا بها ترى أمها خديجة في حال غريب بعد عودتها من عند ورقة بن نوفل. سألت زينب أمها عن سبب هذا الانشغال فلم تجبها إلى أن اجتمعت خديجة {رضي الله عنها}ببناتها الأربع زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة {رضي الله عنهن} وأخبرتهن بنزول الوحي على والدهم صلى الله عليه وسلم وبالرسالة التي يحملها للناس كافة.

لم يكن غريباً أن تؤمن البنات الأربع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو أبوهن والصادق الأمين قبل كل شي، فأسلم دون تردد وشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وقررت الوقوف إلى جانبه ومساندته، وهذا أقل ما يمكن فعله.

أسلم عدد قليل من رجال مكة من أمثال أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام {رضي الله عنهم }وهم من الذين أيدوه وتقاسموا معه ظلم قريش وبطشهم. وعاد أبو العاص من سفره، وكان قد سمع من المشركين بأمر الدين الجديد الذي يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم .

دخل على زوجته فأخبرها بكل ما سمعه، وأخذ يردد أقوال المشركين في الرسول صلى الله عليه وسلم ودينه، في تلك اللحظة وقفت السيدة زينب {رضي الله عنها}موقف الصمود وأخبرت زوجها بأنها أسلمت وآمنت بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ودعته إلى الإسلام فلم ينطق بشيء وخرج من بيته تاركاً السيدة زينب بذهولها لموقفه غير المتوقع.

وعندما عاد أبو العاص إلى بيته وجد زوجته {رضي الله عنها} جالسة بانتظاره فإذا به يخبرها بأن والدها محمد صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإسلام وترك عبادة الأصنام ودين أجداده، فرحت زينب ظناً منها أن زوجها قد أسلم،
لكنه لم يكمل ولم يبشرها بإسلامه كما ظنت فعاد الحزن ليغطي ملامح وجهها الطاهر من جديد. بالرغم من عدم إسلام أبي العاص ألا أنه أحب محمد صلى الله عليه وسلم حباً شديدا،ً ولم يشك في صدقه لحظة واحدة، وكان مما قال لزوجته السيدة زينب {رضي الله عنها} في أحد الأيام عندما دعته إلى الإسلام :
"
والله ما أبوك عندي بمتهم، وليس أحب إليّ من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، ولكني أكره لك أن يقال: إن زوجك خذل قومه وكفر بآبائه إرضاء لامرأته " [2]

من هذه المواقف نجد أن السيدة زينب {رضي الله عنها} على الرغم من عدم إسلام زوجها فقد بقيت معه تدعوه إلى الإسلام، وتقنعه بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من عند الله وليس هناك أحق من هذا الدين لاعتناقه. ومن ذلك نجد أيضاً أن أبا العاص لم يجبر زوجته على تكذيب والدها صلى الله عليه وسلم أو الرجوع إلى دين آبائهِ وعبادة الأصنام
ِ وحتى وإن أجبرها فلم تكن هي، لتكذب أباها إرضاء لزوجها، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخال

السيدة زينب وموقفها من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم :

بعد عام الحزن الذي شهد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بناته {رضي الله عنهن} وفاة كل من السيدة خديجة {رضي الله عنها}، وعم الرسول صلى الله عليه وسلم أبي طالب، زاد بطش وتعذيب كفار قريش للرسول صلى الله عليه وسلم . كان محمد صلى الله عليه وسلم يجد في السيدة خديجة ملجأً لبث همومه، وكان يشكو إليها من تعذيب رجال قريش ،
ويرى في عمه أبو طالب رجلاً معيناً وناصراً على قومه على الرغم من عدم إسلامه. لذلك كان وفاة هذين الشخصين العزيزين مأساة للرسول صلى الله عليه وسلم، فحزن لذلك حزناً كبيراً وحزنت معه زينب ومعها أخواتها الثلاث {رضي الله عنهن} وقد وجهن كل حنانهن وحبهن أباهم صلى الله عليه وسلم للتخفيف عنه.

كانت السيدة زينب {رضي الله عنها} تسمع في كل يوم عن مطاردة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وتعذيبه، ومعه أصحابه بشتى أنواع العذاب، وهي ترى صبر والدها، وما كان منها إلا أن تدعو له بالنصر على أعداؤه ونشر دعوة الإسلام في كل مكان.

حتى كان اليوم الذي وصل فيه خبر هجرة محمد صلى الله عليه وسلم ومعه الصديق أبو بكر {رضي الله عنه}إلى يثرب، ومطاردة رجال قريش لهما؛ لقتلهما والقضاء على خاتم الرسل والإسلام. وكانت زينب تمضي الليالي مضطربة النفس خائفة القلب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ترتح إلا بعد أن وصل خبر وصوله وصاحبه إلى يثرب آمنين سالمين. وبعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة أمر بإحضار ابنتيه فاطمة وأم كلثوم {رضي الله عنهن} إلى دار الهجرة يثرب، أما رقية {رضي الله عنها} فقد هاجرت مع زوجها من قبل ولم يبق سوى زينب التي كانت في مأمن من بطش المشركين وتعذيبهم وهي في بيت زوجها الذي آمنها على دينها.

موقعة بدر وأثرها في نفس زينب {رضي الله عنها}:

بعد أن استولى المسلمون على قافلة كانت قادمة من بلاد الشام حاملةً بضائع لأهل مكة وقتل عمرو بن الحضرمي وأخذ رجال القافلة كأسرى، اشتد غضب رجال قريش، وخاصة بعد أن وصلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينوي التعرض لقافلة أبي سفيان . وحشد رجال قريش وأشرافها الجيوش وجروا العتاد والأسلحة؛ لمواجهة محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه للقضاء عليهم في يثرب. في تلك الأثناء وصلت قافلة أبي سفيان سالمة إلى مكة.

ومن أشد الأمور غرابة، أن أبا العاص زوج السيدة زينب {رضي الله عنها}كان قد تحالف مع المشركين وقرر الوقوف ضد رسول الله ووالد زوجته صلى الله عليه وسلم والمسلمين في موقعة بدر تاركاً زوجته وطفليه في مكة، غير آبه بزوجته وطلبها البقاء في مكة، وعدم المشاركة مع المشركين.كانت زينب {رضي الله عنها} تدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصر والدها على أعداء الله ِوأن يحفظ زوجها من كل سوء على الرغم من عصيانه لله.

وبدأ القتال وواجه المشركون بعددهم الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه القلة المؤمنة، ولكن الله تعالى نصر رسوله والمؤمنون نصراً كبيراً وهزم أعداء الإسلام على الرغم من عدم التوافق العددي بين الجيشين. وصل خبر انتصار المسلمين إلى مكة وكانت فرحة زينب بهذا الانتصار لا توصف، ولكن خوفها على زوجها لم يكمل تلك السعادة التي غمرتها، حتى علمت بأن زوجها لم يقتل وأنه وقع أسيراً في أيدي المسلمين .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى أبا العاص زوج ابنته ضمن الأسرى، واستبقاه عنده بعد أن أمر الصحابة أن يستوصوا بالأسرى خيراً.

(
روي عن عائشة، بإسناد واه: أن أبا العاص شهد بدراً مشركاً، فأسره عبد الله بن جبير الأنصاري، فلما بلغت أهل مكة في فداء أسراهم، جاء في فداء أبي العاص أخوه عمرو، وبعثت معه زينب بقلادة لها من جز ع ظفار-أدخلتها بها خديجة- في فداء زوجها،
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة عرفها، ورق لها وقال:" إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم"؟ قالوا: نعم . فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه، ففعل )[3].


هجرة السيدة زينب إلى يثرب:


بعد أن افتدت السيدة زينب {رضي الله عنها} زوجها الأسير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب الرسول من أبي العاص أن يخلي سبيل زوجته إليه ويجعلها تلحق بأبيها إلى دار الهجرة المدينة، فرضي أبو العاص على ذلك. وكانت السيدة زينب {رضي الله عنها} ومعها طفليها تتجهز للحاق بأبيها في دار الإسلام بعد أن أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة {رضي الله عنه} ومعه صحابي آخر إلى بطن يأجج على بعد ثمانية أميال من مكة، ليصطحبا السيدة زينب معهما إلى يثرب
وعندما عاد أبو العاص إلى مكة أمر زوجته باللحاق بأبيها في المدينة وأمر أخاه كنانة بن الربيع بمرافقة زوجته . قدم كنانة للسيدة زينب {رضي الله عنها}بعيراً تركب عليه حتى تصل إلى بطن يأجج ويكمل زيد بن حارثة الطريق إلى والدها محمد صلى الله عليه وسلم .

خرجت السيدة زينب من مكة وهي تودعها آمالة أن يخرج زوجها أبو العاص معها عائداً إلى يثرب مسلماً مؤمناً بالله مصدقاً لرسوله، على الرغم من كل ما رأته من وقوف زوجها ضد الرسول صلى الله عليه وسلم بدلاً من الوقوف إلى جانبه، ومساندته فقد تمنت له الخير دائما،ً وهذه هي صفات السيدة زينب بنت نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم متسامحة محبة وداعية للخير دائماً. عندما علم رجال قريش بخبر خروج السيدة زينب إلى أبيها لحق بها هبار بن الأسود ومعه رجل آخر من قريش فعندما لقيها روعها برمحه فإذا هي تسقط من فوق بعيرها على صخرة جعلتها تسقط جنينها، فولى الرجال من بعد ذلك هاربين.

رجع كنانة بي الربيع إلى مكة ومعه زينب حتى ترتاح من الألم والمرض الذي ألم بها وبعد عدة أيام اصطحبها مرة أخرى إلى يثرب حيث استقبلها أباها استقبالاً حاراً سعيداً برؤيتها مجدداً مع طفليها علي وأمامة.أخبرت السيدة زينب {رضي الله عنها}رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله هبار وصاحبه، فاشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم " ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرية لمعاقبة هبار وصاحبه .. وأمرهم بإحراقهم إن ظفروا بهما، ثم أرسل إليهم في اليوم التالي .. أن اقتلوهما فإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله تعالى" [4].

وأقامت السيدة زينب {رضي الله عنها}مع طفليها في كنف والده صلى الله عليه وسلم ا حتى العام السابع من الهجرة.

إسلام أبو العاص بن الربيع زوج السيدة زينب{رضي الله عنها}:

قبل فتح مكة وبينما كان أبو العاص عائداً في قافلة من رحلة تجارة من بلاد الشام إلى مكة حاملاُ معه أموال قريش التي أؤتمن عليها، تعرض لقافلته سرية بقيادة زيد بن حارثة {رضي الله عنه} ومعه مائة وسبعين رجلا ً . تمكنت هذه السرية المبعوثة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصول على كل ما تحمله تلك السرية من مال وهرب عددٌ من رجال القافلة وكان أبو العاص واحداً منهم.

وخشي أبو العاص على أموال قريش التي كان قد أؤتمن عليها، فلم يجد إلا أن يتوجه إلى مكة ليلا ً ليستجير بالسيدة زينب {رضي الله عنها} أن يعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم مال قريش التي استولوا عليها من القافلة فأجارته في طلب ذلك المال." لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فكبّر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفّة النساء : أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.

فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال: " أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم أنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له ما دام مشركاً" [5] .

اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بأبي العاص، فاستشار صحابته أن يردوا على أبي العاص أمواله التي أخذوها من القافلة وقال لهم: " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فأنا أحب ذلك، وإن أبيتم فهو فئ الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به" [6].

اتفق الصحابة جميعاً على إعادة المال لأبي العاص كاملا ً دون نقصان. رجع أبو العاص بالمال إلى مكة وأعطى كل واحد من قريش نصيبه من المال ثم قال:" أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم فرغت منهم وأسلمت".جمع أبو العاص أغراضه وعاد إلى يثرب قاصداً مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفرحون بعودته، ليكمل فرحتهم تلك بالإسلام. وبعد إسلام أبي العاص أعاد الرسول صلى الله عليه وسلم زينب إليه بنكاحه الأول وقيل أنه أعيد إليها بنكاح جديد وعاشا من جديد معا ً والإسلام يجمعهما.

وفاة السيدة زينب {رضي الله عنها}:


بعد عام من التمام شمل الزوجين أبي العاص والسيدة زينب {رضي الله عنها}، وبعد أن عاشا حياة كريمة سعيدة في دار الإسلام مع ولديها أمامة وعلي، بدأ المرض يزداد على السيدة زينب {رضي الله عنها}. وظلت زينب لازمة الفراش فترة طويلة من أثر ما تعرضت له من قبل هبار بن الأسود، وهي في طريقها إلى يثرب للهجرة. ولم تستطع الأدوية أن تخفف من مرض زينب فسلمت أمرها لله سبحانه وتعالى.

في العام الثامن للهجرة توفيت السيدة زينب {رضي الله عنها}، وحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً عظيما،ً وحزن معه زوجها أبو العاص الذي وافته المنية بعد 4 سنوات من وفاة زينب.

و" لما ماتت زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اغسلنها وتراً، ثلاثاً أو خمساً، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئا من كافور، فإذا غسلتنها،فأعلمنني. فلما غسلناها أعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه" [7].

"
بعد وفاة زينب {رضي الله عنها} مول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها، وهو مهموم ومحزون، فلما خرج سري عنه وقال: كنت ذكرى زينب وضعفها، فسألت الله تعالى أن يخفف عنها ضيق القبر وغمه، ففعل وهون عليها" [8].

وبذلك تنتهي حياة هذه الشخصية العظيمة صلى الله عليه وسلم التي وقفت دائماً مع الإسلام ووالدها نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم تسانده وتواسيه وهو يتعرض لتعذيب قريش. ضحت زينب لأجل زوجها على الرغم من شركه ووقوفه في وجه الإسلام حتى كانت هي سبباً من أسباب إسلامه.
الهوامش:

1.
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج2، بيروت، مؤسسة الرسالة،1977، ص 110
2.
، القاهرة ،دار الفضيلة، ص 86 - صلى الله عليه وسلم- إبراهيم محمد الجمل، أبناء النبي
3.
شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء ،تحقيق د. بشار معروف، الجزء الثاني، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة،1996،ص246
4.
من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، خالد عبد الرحمن العك، دار الألباب، ط1، دمشق، 1989، ص314
5.
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج2، بيروت، مؤسسة الرسالة،1977، ص109
6.
من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، خالد عبد الرحمن العك، دار الألباب، ط1، دمشق، 1989، ص314
7.
شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء ،تحقيق د. بشار معروف، الجزء الثاني، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة،1996،ص250
8.
عز الدين الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، المجلد السادس، ط1، بيروت،دار الفكر، 1998،ص135

قائمة المصادر والمراجع :
(1
)إبراهيم محمد الجمل، أبناء النبي- صلى الله عليه وسلم-، القاهرة، دار الفضيلة.
(2
)خالد عبد الرحمن العك، صور من حياة صحابيات الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ط1، دمشق، دار الألباب، 1989.
(3
)شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق د. بشار معروف، الجزء الثاني، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1996 .
(4
)عز الدين الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، المجلد السادس، ط1، بيروت، دار الفكر، 1998.
(5
)عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج2، بيروت، مؤسسة الرسالة،1977.
(6
)محمد بن أحمد كنعان، السيرة النبوية والمعجزات، ط1، بيروت، مؤسسة المعارف، 1996.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


فاطمـــــة الزهــــراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضي الله عنها

توفيت ليلة الثلاثاء يوم الاثنين من شهر رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة .(28)


بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر بناته وفاتًا توفيت بعدة بثلاثة أشهر بابي هو وأمي صلى الله عليه وسلم

إشراف الأستاذ : خالـــد فـرَّاج
مولدها ونشأتها

هي فاطمة بنت محمد بن عبدا لله بن هاشم - سيد المرسلين وخاتم النبيين سيد ولد آدم - عليه صلوات الله وسلامه وصغرى بناته وهي أيضا ابنة خديجة أول النساء إيمانا بالإسلام وهي زوج علي بن أبي طالب، أول من أسلم من الصبيان فما سجد لصنم، وما انحنى لوثن وهو المجاهد مع النبي منذ صغره، وهو خليفة المسلمين الرابع، وهي أم الحسنين سيدا شباب أهل الجنة .
ولقد شاء الله أن يقترن مولد فاطمة في يوم الجمعة الموافق للعشرين من جمادى الآخرة في السنة الخامسة قبل البعثة (1)بقليل بالحادث العظيم الذي ارتضت فيه قريش (محمدا)حكما لما اشتد الخلاف بينهم حول وضع الحجر الأسود بعد تجديد بناء الكعبة، وكيف استطاع عليه الصلاة والسلام برجاحة عقله أن يحل المشكلة وينقذ قريش مما كان يتهددها من حرب ودمار وإسالة دماء وعداوة بين الأهل والعشيرة.
حمل الأب الحاني ابنته المباركة يهدهدها ويلاطفها، وكانت فرحة خديجة كبيرة ببشاشته، وهو يتلقى الأنثى الرابعة في أولاده، ولم يظهر عليه غضب ولا ألم لأنه لم يرزق ذكرا وكانت فرحة خديجة اكبر حين وجدت ملامح ابنتها تشبه ملامح أبيها، وقد استبشر الرسول بمولدها فهي النسمة الطاهرة التي سيجعل الله نسله منها . (2)
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم . (3)
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت :ما رأيت أحدا من خلق الله أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة.(4)
وقد كان تسميتها فاطمة بإلهام من الله تعالى فقد روى الديلمي عن أبى هريرة رضي الله عنه عن علي أنه عليه السلام قال :"إنما سميت فاطمة؛ لأن الله فطمها وحجبها من النار ". والفطم هو القطع والمنع . (5)
ترعرعت فاطمة في بيت النبوة الرحيم، والتوجيه النبوي الرشيد، وبذلك نشأة على العفة وعزة النفس وحسن الخلق ،متخذتا أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى لها والقدوة الحسنة في جميع تصرفاتها. وما كادت الزهراء أن تبلغ الخامسة حتى بدأ التحول الكبير في حياة أبيها بنزول الوحي عليه، وقد تفتحت مداركها على أبيها ويعاني من صد قريش وتعنت سادتها، وشاهدت العديد من مكائد الكفار واعتدائهم على الرسول الكريم، وكان أقسى ما رأته فاطمة عندما ألقى سفيه مكة عقبة بن أبي معيط الأذى على رأس أبيها وهو ساجد يصلي في ساحة الكعبة ويبقى الرسول صلى الله عليه وسلم ساجدا إلى أن تتقدم فاطمة وتلقي عنه القذر.(6)
وكان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبى طالب، وأقاموا على ذلك ثلاثة سنوات، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا واشتروه، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود، وكان لا يصل إليهم شيئا إلا مستخفيا، ومن كان يريد أن يصل قريبا له من قريش كان يصله سرا.(7)
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة فبقيت طوال حياتها تعاني من ضعف البنية، ولكنه زادها إيمانا ونضجا . وما كادت الزهراء الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة - رضي الله عنها - فامتلأت نفسها حزنا وألما،ووجدت نفسها أمام مسؤوليات ضخمه نحو أبيها النبي الكريم، وهو يمر بظروف قاسية خاصة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها وعمه أبى طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث في صبر، ووقفت إلى جانب أبيها لتقدم له العوض عن امها الغاليه واكرم الزوجات ولذلك كانت تكنى بأم أبيها.
ثم جاءت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب بعد أن لم يبق له في مكة مكان وعلى أثره هاجر علي رضي الله عنه وكان قد تمهل ثلاثة أيام في مكة ريثما أدى عن النبي الودائع التي كانت عنده للناس وبقيت فاطمة وأختها أم كلثوم حتى جاء رسول من أبيها صلى الله عليه وسلم فصحبهما إلى يثرب ،ولم تمر هجرتهما بسلام فما كادتا تودعان مكة حتى طاردهما اللئام من مشركي قريش ونخس أحد سفهاء مكة يدعى "الحويرث بن نقيذ" بعيرهما فرمى بهما إلى الأرض ،وكانت فاطمة يومئذ ضعيفة نحيله الجسم، وتركهما يسيران بقية الطريق إلى أن وصلا إلى المدينة، وقد اشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم على من آذى ابنتيه ،فأهدر دمه. (8)
زواج السيدة فاطمة الزهراء وحياتها في بيتها:
بعد أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة- رضي الله عنها- تقدم كبار الصحابة لخطبة الزهراء، بعد أن كانوا يحجمون عن ذلك سابقا لوجودها مع أبيها صلى الله عليه وسلم وخدمتها إياه. فقد تقدم لخطبة الزهراء أبو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنهم- ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر في لطف ورفق، وتحدث الأنصار إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - وشجعوه على التقدم لخطبة فاطمة، واخذوا يذكرونه بمكانته في الإسلام وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تشجع وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبا، وعندما حضر مجلس النبي غلبه الحياء فلم يذكر حاجته، وأدرك رسول الله ما ينتاب علي من حرج فبادره بقوله :ما حاجة ابن أبي طالب ؟
أجاب علي :ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مرحبا وأهلا ..(9)
وكانت هذه الكلمات بردا وسلاما على قلب علي فقد فهم منها، وكذلك فهم أصحابه أن رسول الله يرحب به زوجا لابنته . وكانت تلك مقدمة الخطبة ،عرف علي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله يرحب به زوجا لأبنته فاطمة ،فلما كان بعد أيام ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب فاطمة … وكان مهرها رضي الله عنها درعا أهداها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علي في غزوة بدر،(10)وقد دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما ".(11)
لم تكن حياة فاطمة في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة، بل كانت أقرب للخشونة والفقر، وقد كفاها زوجها الخدمة خارجا وسقاية الحاج وأسنده لأمة، وكان علي رضي الله عنه يساعدها في شؤون المنزل. قال علي رضي الله عنه : لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونجلس عليه بالنهار،ومالي ولها خادم غيرها، ولما زوجها رسول الله بي بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين، فجرت بالرحى حتى أثرت في يدها،واستقت بالقربة بنحرها ،وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها . (12)ولما علم علي – كرم الله وجهه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه خدم قال لفاطمة :لو أتيت أباك فسألتيه خادما ،فأتته فقال النبي ما جاء بك يا بنيه؟ قالت :جئت لأسلم عليك،واستحيت أن تسأله ورجعت ،فأتاها رسول الله من الغد فقال :ما كانت حاجتك ؟فسكتت فقال علي :والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري،وهذه فاطمة قد طحنت حتى مجلت يداها وقد أتى الله بسبي فأخدمنا.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا والله ،لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم ،لا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيع وأنفق عليهم بالثمن “ فرجعا إلى منزلها ،فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف عنهما عناءهما وقال لهما برفق وحنان :ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ قالا: بلى: فقال :"كلمات علمنيهن جبريل :تسبحان الله دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا ،وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثة وثلاثين ،وتحمدان ثلاثة وثلاثين ،وتكبران أربعا وثلاثين " .(12).
وخيمت السعادة على بيت فاطمة الزهراء عندما وضعت طفلها الأول في السنة الثالثة من الهجرة ففرح به النبي فرحا كبيرا فتلا الآذان على مسمعه، ثم حنكه بنفسه وسماه الحسن ،فصنع عقيقة في يوم سابعه، وحلق شعره وتصدق بزنة شعره فضة . وكان الحسن أشبه خلق الله برسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وما أن بلغ الحسن من العمر عاما حتى ولد بعده الحسين في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، وتفتح قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبطيه (الحسن والحسين)،فغمرهما بكل ما امتلأ به قلبه من حب وحنان وكان صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما " وتتابع الثمر المبارك فولدت الزهراء في العام الخامس للهجرة طفلة اسماها جدها صلى الله عليه وسلم (زينب ).وبعد عامين من مولد زينب وضعت طفلة أخرى اختار لها الرسول اسم (أم كلثوم ). (13)
وبذلك آثر الله فاطمة بالنعمة الكبرى ،فحصر في ولدها ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم ،وحفظ بها أفضل سلالات البشرية . وقد بلغ من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها- أنه لا يخرج من المدينة حتى يكون آخر عهده بها رؤية فاطمة، فإذا عاد من سفره بدأ بالمسجد فيصلي ركعتين ،ثم يأتي فاطمة ،ثم يأتي أزواجه، وقد قال عليه الصلاة والسلام :" إنما فاطمة بضعة فمن أغضبها فقد أغضبني"(14). ولم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراها تلبس الحلي وأمرها ببيعها والتصدق بثمنها ؛ وما ذلك إلا لأنها بضعة منه وأنه يريدها مثلا أعلى في الزهد والصبر والتقشف كما كان هو صلى الله عليه وسلم،ولتتبوأ بجدارة منزلة سيدة نساء العالمين يوم القيامة.(15)
ولقد هم علي كرم الله وجهه بالزواج من بنت أبى جهل - لعنه الله، على السيدة فاطمة رضي الله عنها،وفي حسبانه أنه يجوز على بنات النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز على سائر النساء فيما أحله الشرع للمسلمين من تعدد الزوجات، وعندما بلغ رسول الله ذلك خرج إلى المسجد مغضبا حتى بلغ المنبر فخطب الناس
فقال:"إن بني هشام بن مغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ،ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم،إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، وإني لست أحرم حلالا،ولا أحل حراما ،لكن والله لا تجتمع بنت رسول الله ،وبنت عدو الله أبدا. فترك علي الخطبة. (16).
وهذا دليل على حبه صلى الله عليه وسلم لبناته في بيئة وأدت بناتها .
وقد مرت السيدة فاطمة رضي الله عنها بأحداث كثيرة ومتشابكة وقاسية وذلك منذ نعومة أظفارها حيث شهدت وفاة أمها،ومن ثم أختها رقية، وتلتها في السنة الثامنة للهجرة أختها زينب ،وفي السنة التاسعة أختها أم كلثوم . (17)
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم :
ولما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ،وأرسى قواعد الإسلام وأدى الأمانة ونصح الأمة وأكمل الله الدين. حان وقت الرحيل عن الدنيا الفانية، وأخذت طلائع التوديع للحياة تظهر على ملامح الرسول صلى الله عليه وسلم وتتضح من خلال عباراته وأفعاله . فقد اعتكف في رمضان في السنة العاشرة عشرين يوما، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام، وكان يدارسه جبريل عليه السلام مرتين وما قاله لمعاذ رضي الله عنه "يا معاذ انك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا.(18)
وما قاله في خطبة الوداع :" أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا . وشهادة الناس له انه بلغ وأدى ونصح ...".وكان بداية مرضه صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11هجرية - وكان يوم الاثنين – وقد صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريض أحد عشر يوما وجميع أيام المرض كانت ثلاثة عشر يوما(9).
وما أن سمعت فاطمة بذلك حتى هرعت لتوها لتطمئن عليه، وهو عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،فلما رآها هش للقائها وقال : "مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها شيئا فبكت ،ثم اسر لها شيئا فضحكت. قالت -عائشة – قلت ما رأيت ضحكا اقرب من بكاء ،قلت : أي شيء أسر إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت الزهراء رضي الله عنها :ما كنت لأفشي سره ! فلما قبض سألتها فقالت: قال :ان جبريل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة وأنه أتاني العام فعارضني مرتين، ولا أظن إلا أجلي قد حضر ،فاتقي واصبري،فانه نعم السلف أنا لك . قالت فبكيت بكائي الذي رأيت :فلما رأى جزعي سارني الثانية ،فقال :" يا فاطمة،أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ؟وانك أول أهلي لحاقا بي؟ فضحكت .(20)
ورأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله من الكرب الشديد الذي يتغشاه ،فقالت : وأكرب أباه .فقال صلى الله عليه وسلم لها :ليس على أبيك كرب بعد اليوم يا فاطمة.(21)
ولما حضرت النبي الوفاة،بكت فاطمة حتى سمع النبي صوتها فقال صلى الله عليه وسلم "لا تبكي يا بنية ،قولي إذا مت :انا لله وانا إليه راجعون، فان لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة "، قالت فاطمة : ومنك يا رسول الله ؟قال : ومني . (22)
ولما مات الرسول صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة : يا أبتاه أجاب ربا، يا أبتاه في جنة الفردوس مأواه ،يا أبتاه إلى جبريل ننعاه .(23)فلما دفن الرسول صلى الله عليه وسلم قالت : يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟(24)، وبكت الزهراء أم أبيها ،وبكى المسلمون جميعا نبيهم ورسولهم محمد صلى الله عليه وسلم وذكروا قول الله تعالى :" إنك ميت وإنهم ميتون".
حادثة فدك والإرث :
ولما كان اليوم الذي توفي فيه رسول صلى الله عليه وسلم بويع لأبي بكر رضي الله عنه في ذلك اليوم ،فلما كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر رضي الله عنه ومعها علي كرم الله وجهه، فقالت : ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي ،فقال :أمن الرثة أومن العقد ؟قالت :فدك-قرية كان للنبي صلى الله عليه وسلم نصفها – وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما يرثك بناتك إذا مت.
فقال أبو بكر رضي الله عنه :أبوك والله خير مني، وأنت والله خير من بناتي ،وقد قال رسول الله: لا نورث ،ما تركنا صدقة (يعني هذه الأموال القائمة )فيعلمن أن أباك أعطاكها،فو الله لئن قلت نعم لأقبلن قولك ،قالت:قد أخبرتك ما عندي. وقال لفاطمة وعلي والعباس :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا نورث ما تركناه صدقة "(25)
وفي رواية أخرى عن عروة ابن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبى بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة رسول الله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركناه فهو صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال –يعني مال الله – ليس لهم أن يزيدوا على المأكل " وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. فتشهد علي ثم قال : إنا عرفناك يا أبا بكر فقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وأوسع منه.(26)والحكمة من ذلك أن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا؛ لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا دنيا وورثوها لورثتهم، ثم إن من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، ومنهم عائشة بنت أبي بكر وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي، ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته.
وطابت نفس فاطمة رضي الله عنه بما كان من قضاء أبي بكر رضي الله عنه، وأن الأنبياء لا يورثون مالا وعاشت زاهدة راضية حتى وافاها الأجل، فكانت أول اللاحقين بأبيها من أهل بيته كما بشرها بذلك، فطابت بالبشرى وعلمت أن الآخرة خير من الأولى وأبقى.
وفاة فاطمة رضي الله عنها:
أوصت الزهراء رضي الله عنها علي بن أبي طالب بثلاث وصايا في حديث دار بينهما قبل وفاتها. وقالت الزهراء يا ابن عم، انه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أرى حالي إلا لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. فقال كرم الله وجهه : أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت . فقالت رضي الله عنها :يا ابن العم ما عهدتني كاذبة ولا خائفة، ولا خالفتك منذ عاشرتني .
فقال رضي الله عنه : معاذ الله ! أنت أعلم بالله تعالى، وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفا من الله تعالى، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لابد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل فقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أوصت الزهراء رضي الله عنها عليا كرم الله وجهه بثلاث:
أولا:أن يتزوج بأمامة بنت العاص بن الربيع،وبنت أختها زينب رضي الله عنها .وفي اختيارها لأمامة رضي الله عنها قالت :أنها تكون لولدي مثلي في حنوتي ورؤومتي. وأمامه هي التي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحملها في الصلاة .
ثانيا : أن يتخذ لها نعشا وصفته له، وكانت التي أشارت عليها بهذا النعش أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وذلك لشدة حياءها رضي الله عنها فقد استقبحت أن تحمل على الآلة الخشبية ويطرح عيها الثوب فيصفها، ووصفه أن يأتى بسرير ثم بجرائد تشد على قوائمه، ثم يغطى بثوب .
ثالثا :أن تدفن ليلا بالبقيع .(27)
لم يطل مرض الزهراء رضي الله عنها الذي توفيت فيه، ولم يطل مقامها في الدنيا كثيرا بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،وقد اختلفت الروايات في تحديد تاريخ وفاتها، فقيل في الثالث من جمادى الآخرة سنة عشرة للهجرة وقيل توفيت لعشر بقين من جمادى الآخرة، أما الأرجح فإنها توفيت ليلة الثلاثاء يوم الاثنين من شهر رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة .(28)
وتوفيت وهي بنت تسع وعشرين سنة . وقيل كانت قبل وفاتها فرحة مسرورة لعلمها باللحاق بأبيها الذي بشرها أن تكون أول أهل بيته لحاقا به وقيل لبثت الزهراء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة اشهر وفي رواية أخرى ستة اشهر.(29)وقد نفذ علي كرم الله وجهه وصيتها ،فحملها في نعش كما وصفته له ودفنت بالبقيع ليلا، وهي أول من حملت في نعش وأول من لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم من أهله. (30)
حملت فاطمة بين دموع العيون وأحزان القلوب ،وصلى عليها علي كرم الله وجهه ونزل في قبرها،فضم ثرى الطيبة الطاهرة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كما ضم جثمان أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخواتها الثلاث :زينب، ورقيــة وأم كلثوم رضي الله عنهن .
الخاتمة :
قد جمعت في هذا البحث قبسات من سيرة سيدة نساء العالمين على أمل أن يكون ذلك نبراسا يضيء القلوب ويمحو منها تشكيك المتشككين في عظمة هذا البيت وهذه السيدة الطاهرة. فكل حياة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء دروس وعبر وعظات، ففي صباها ناصرت الدعوة ودافعت عن أبيها وذلك درس للأولاد،وفي تزويجها وجهازها وصبرها على شظف العيش حل لكثير من المشكلات،وفي فضائلها وخصائصها ومزاياها إصلاح لكثير من الأخلاقيات وفي اهتمام المصطفى بها وتنويهه بذكرها وتهذيبه لها درس للفتيات المسلمات ،وفي عفتها وطهارتها مرآة لكل فتاة .
لقد ضربت لنا الزهراء نموذجا فريدا ومثلا أعلى في حياتها، فقد كانت مثال الزوجة الصالحة الصابرة وكانت مثلا في حسن علاقتها مع جارتها وقريباتها، وكانت قدوة في رسالة الأمومة حتى كان من ذريتها ما كان. فرحم الله الزهراء ريحانة سيد ولد آدم وزوجة سيد الفرسان، وأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأم زينب بطلة كربلاء.
ولتعلم أخي المسلم وأختي المسلمة، أننا بشر نخطئ ونصيب فالتمس لنا العذر على زلاتنا ولا تدخر النصح لنا فان ذلك أمانة ،وأسأل الله أن يوفقني إلى سواء السبيل وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش
1
))محمد عبده يماني،إنها فاطمة الزهراء، ص15
2
))محمد عبده يماني،إنها فاطمة الزهراء،ص16
3
))محمد عبده يماني،إنها فاطمة الزهراء،ص16
4
))محمود الإستانبولي ومصطفى الشلبي،نساء حول الرسول والرد على مفتريات المستشرقين،ص143
5
))محمد عبده يماني،علموا أولادكم حب آل بيت النبي،27
6
))محمد موسى رمضان،نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم،ص16
7
))محمد عبده يماني،إنها فاطمة الزهراء،ص109
8
))بنت الشاطئ، تراجم سيدات بيت النبوة،ص 586-587
9)).
بنت الشاطئ، تراجم سيدات بيت النبوة،ص592-593
(10
)عمر رضا كحاله،أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام،ص109
(11
)د. محمد عبده يماني،إنها فاطمة الزهراء، ص160
(12
)د. بنت الشاطئ، تراجم سيدات بيت النبوة،ص599
(13
)الدينوري،المعارف،ص84
( 14
)محمود الإستانبولي ومصطفى الشلبي،نساء حول الرسول والرد على مفتريات المستشرقين، ص148
( 15
)د. محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء، ص297
(16
)د. محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء،ص206-207
(17
)محمود الإستانبولي ومصطفى الشلبي،نساء حول الرسول والرد على مفتريات المستشرقين،ص152
(18
)د.محمد عبده يماني إنها فاطمة الزهراء ،ص301
19
))محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء، ص302
(20
)محمود الإستانبولي ومصطفى الشلبي،نساء حول الرسول والرد على مفتريات المستشرقين،ص152
(21
)عمر رضا كحاله،أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام،ص116
22
))محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء، ص307
( 23
)عمر رضا كحاله،أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام،ص120
24
))محمود الإستانبولي ومصطفى الشلبي،نساء حول الرسول والرد على مفتريات المستشرقين،ص153
25
))محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء، ص308
26
))محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء، وصية الزهراء ،ص332
27
))محمد عبده يماني، إنها فاطمة الزهراء، وصية الزهراء،309
28
))محمد موسى رمضان،نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ص27
29
))محمد عبده يماني، علموا أولادكم محبة آل بيت النبي ،ص97
30
))محمد عبده يماني ،إنها فاطمة الزهراء،ص334
قائمة المصادر والمراجع
1.
الدينوري،أبي محمد بن عبد الله بن مسلم،المعارف،ط1،دار الكتب العلمية،بيروت1987.
2.
عائشة عبد الرحمن، بنت الشاطئ، تراجم سيدات بيت النبوة ،ط1،دار الريان للتراث، القاهرة،1987.
3.
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام، مؤسسة الرسالة ،الجزء الرابع ،بيروت، 1977.
4.
محمد عبده يماني،إنها فاطمة الزهراء،ط- 1،المنار للنشر والتوزيع،دمشق،1996.
5. .
محمد عبده يماني،علموا أولادكم محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ،ط-2،دار القبلة للثقافة الإسلامية1998
6.
محمد موسى رمضان،نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم،ط- 1،دار الإسراء للنشر والتوزيع ،القاهرة ،1991.
7.
محمود مهدي الإستانبولي ومصطفى أبو النصر الشلبي، نساء حول الرسول والرد على مفتريات المستشرقين،ط-4،مكتبة السوادي للتوزيع،جدة 1992 .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

نساء صحابيات

أسماء بنت أبي بكر الصديق
ذات النطاقين (رضي الله عنها )

نــسبها :

كانت أسمـاء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - تحمل نسباً شريفاً عالياً جمعت فيه بين المجد والكرامة والإيمان، فوالدها هو صاحب رسول الله، وثاني اثنين في الغار، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه يقول الشاعر:
ومن من الناس مثل أبـي بـكر …….إنت خلق الخلق بعد الأنبياء (1)
تزوج النبي صلى الله علية وسلم بعائشة رضي الله عنها، بنت الصديق أحد المبشرين بالجنة، وأفضل الصحابة (2)، أما عن جدها فهو عتيق والد أبي بكر ويقال: عتيق بن أبي قحافة عثمان بن عامر، القرشي، التميمي، ولد بمكة، ونشأ سيداً من سادات قريش، وغنياً من كبار موسريهم، وعالما بأنساب القبائل، وأخبارها وسياستها.أما زوج أسماء فحواري رسول الله الزبير بن العوام وأبنها عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين. وأمها قتيلة بنت عبد الغزى، قرشية من بني عامر بن لؤي، وقد اختلفت الروايات في إسلامها، فإذن هي قرشية تيمية بكرية.
مولدهـا:
ولدت أسماء في مكة المكرمة في قبيلة قريش، أخوها عبد الله بن أبي أبكر أكبر من ببضع سنوات وهي أكبر عن السيدة عائشة بعشر سنوات وأختها من أبيها، وهي من الذين ولدوا قبل الهجرة 27عاما.

إسلامها:
عاشت أسماء رضي الله عنها حياة كلها إيمان منذ بدء الدعوة الإسلامية، فهي من السابقات إلى الإسلام، ولقد أسلمت بمكة وبايعت النبي صلى الله علية وسلم على الأيمان والتقوى، ولقد تربت على مبادئ الحق والتوحيد والصبر متجسدة في تصرفات والدها، ولقد أسلمت عن عمر لا يتجاوز الراب
تسميتها بذات النطاقين
لقد دخلت أسماء بنت أبي بكر التاريخ الإسلامي، من خلال نطاقها الذي شقته لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى شقين، فلما جاء قرار الهجرة وجب على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق-رضي الله عنه- الرحيل، ولم يخفى ذلك على قريش التي اقترح عليهم أبو جهل أن تقوم كل قبيلة باختيار شابا منها، ثم يهجمون على الرسول-صلى الله عليه وسلم- فيقتلوه بضربة رجل واحدة لتهدر دمائه الطاهرة وتضيع بين القبائل جميعا. وهكذا تسلل الرسول الكريم-صلى الله غليه وسلم-برفقة أبي بكر الصديق للاختباء في غار ثور، وسرعان ما علمت قريش بذلك فأرسلت فرقا للبحث عنه في جميع الاتجاهات، ولرحمة الله-عز وجل- وحبه للرسول-صلى الله عليه وسلم- سخر عنكبوتا لتنسج شباكها على باب الغار وحمامة لتبيض هناك، فأبعد ذلك شكوك المشركين في احتمال اختبائه-صلى الله عليه وسلم- في الغار.
وهنا كان الدور المهم الذي قامت به أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنها-فقد كانت تحمل الطعام والشراب إليهما، فكانت رمزا للشجاعة والذكاء رغم صغر سنها لأنها كانت تمضي حاملة الزاد لهما في عتمة الليل دونا عن الخلق، ولم يفتها أن تضلل قريش ولا أي إشارة تقودهم إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأبيها الصديق-رضي الله عنه- فكانت في كل مرة تصحب معها خادمها الذي يرعى الغنم، بحيث تسير من خلفها الأغنام لتطمس خطاها فلا يعرف أحد بمكانهما. وفي الليلة التي وصل فيه عبد الله بن أريقط البكري خرج النبي-صلى الله عليه وسلم-وصاحبه استعدادا للرحيل، فحملت أسماء الزاد لتربطه بالناقة ولكنها لم تجد ما تربط به الزاد، ففكت نطاقها وشقته إلى نصفين ربطة سفرة الزاد بأحدهما وانتطقت بالآخر، وفي تلك اللحظة أطلق عليها الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-لقب ذات النطاقين3.
مكانتها :
تمتعت أسماء بنت أبي بكر بين نساء قريش بمنزلة مرموقة، لمكانة أبيها فيها وشاركت أباها أعباءه في الدعوة إلى الله تعالى ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك جليا حين كان أبوها الصديق يجهز للرسول صلى الله عليه وسلم متاع الهجرة، وما كان أحد يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر وابنتيه أسماء وعائشة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم.ومن هنا نعلم كبير ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهؤلاء حيث أطلعهم على أخص أسراره.
جهادها :
تعرضت أسماء للأذى والاضطهاد في سبيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها صديق. ذلك أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم؛ فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟! قلت: لا أدري والله أين هو ؟! قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان
فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي!!.؟ فهذا يدل على قوة إيمانها وعلى بذل الجهد في سبيل الله كما يدل على الصبر حيث أن جهادها يعتبر ذروة الإسلام. عة عشرة، وكان إسلامها بعد سبعة عشر إنساناً(3 ).

شخصيتها:
كانت على قدر كبير من الذكاء، والفصاحة في اللسان، وذات شخصية متميزة تعكس جانباً كبيراً من تصرفاتها، وكانت حاضرة القلب، تخشى الله في جميع أعمالها. بلغت أسماء رضي الله عنها مكانة عالية في رواية الحديث، وقد روى عنها أبناؤها عبد الله وعروة وأحفادها ومنهم فاطمة بنت المنذر، وعباد بن عبد الله، وقد روت في الطب، وكيفية صنع الثريد، وفي تحريم الوصل وغيرها من أمور.وكان الصحابة والتابعون يرجعون إليها في أمور الدين، وقد أتاح لها هذا عمرها الطويل ومنزلتها الرفيعة.
تزوجها رجل عفيف مؤمن من العشرة المبشرين بالجنة، ألا وهو الزبـير بن العوام، فكانت له خيرة الزوجات، ولم يكن له من متاع الدنيا إلا منزل متواضع وفرس، كانت تعلف الفرس وتسقيه الماء وترق النوى لناضحه، وكانت تقوم بكل أمور البيت، حيث تهيئ الطعام والشراب لزوجها، وتصلح الثياب، وتلتقي بأقاربها وأترابها لتتحدث عن أمور الدين الجديد، وتنقل هذا إلى زوجها، وقد كانت من الداعيات إلى الله جل وعز.ظلت أسماء رضي الله عنها تعيش حياة هانئة طيبة مطمئنة في ظل زوجها مادام الإيمان كان صادقاً في قلوبهم، وكان ولاؤهم لله واتباعهم لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أنجبت أسماء رضي الله عنها أول غلامٍ في الإسلام بعد الهجرة، وأسمته عبد الله، وكان الزبير قاسياً في معاملته، ولكنها كانت تقابل ذلك بالصبر والطاعة التامة وحسن العشرة، وبعد زمن طلقها الزبير بن العوام، وقيل: إن سبب طلاقها أنها اختصمت هي والزبير، فجاء ولدها عبد الله ليصلح بينهما، فقال الزبير: إن دخلت فهي طالق.فدخل، فطلقها.(4)، وكان ولدها يجلها ويبرها وعاش معها ولدها عبد الله، أما ولدها عروة فقد كان صغيراً آنذاك، فأخذه زوجها الزبير. وقد ولدت للزبير غير عبد الله وعروة: المنذر، وعاصم، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة رضي الله عنهم.
وفي أثناء الهجرة هاجر من المسلمين من هاجر إلى المدينة، وبقي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينتظر الهجرة مع النبي صلى الله علية وسلم من مكة، فأذن الرسول صلى الله علية وسلم بالهجرة معه، وعندما كان أبو بكر الصديق رضي لله عنه يربط الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به الزاد الطعام والسقا فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي صلى الله علية وسلم يرى ذلك كله، فسماها أسمـاء ذات النطــاقين رضي الله عنها، ومن هذا الموقف جاءت تسميتها بهذا اللقب.وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : (أبدلك الله عز وجل بنطاقك هذا نطاقين في الجنة)(5)، وتمنت أسماء الرحيل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبيها وذرفت الدموع، إلا إنها كانت مع أخوتها في البيت تراقب الأحداث وتنتظر الأخبار، وقد كانت تأخذ الزاد والماء للنبي صلى الله علية وسلم ووالدها أبي بكر الصديق غير آبهة بالليل والجبال والأماكن الموحشة، لقد كانت تعلم أنها في رعاية الله وحفظه ولم تخش في الله لومة لائم.
وفي أحد الأيام وبينما كانت نائمة أيقظها طرق قوي على الباب، وكان أبو جهل يقف والشر والغيظ يتطايران من عينيه، سألها عن والدها، فأجابت: إنها لاتعرف عنه شيئاً فلطمها لطمة على وجهها طرحت منه قرطها (6)، وكانت أسماء ذات إرادة وكبرياء قويين، ومن المواقف التي تدل على ذكائها أن جدها أبا قحافة كان خائفاً على أحفاده، ولم يهدأ له بال، لأنهم دون مال، فقامت أسماء ووضعت قطعاً من الحجارة في كوة صغيرة، وغطتها بثوب، وجعلت الشيخ يتلمسه، وقالت: إنه ترك لهم الخير الكثير فاطمأن ورضي عن ولده، ونجحت أسماء في هذا التصرف، ونجح محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الوصول إلى المدينة المنورة.
روايتها عن الرسول:
روت أسماء رضي الله عنها خمسة وثمانين حديثاً وفي رواية أخرى ستة وخمسين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على أربعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وانفرد مسلم بمثلها، وفي رواية أخرج لأسماء من الأحاديث في الصحيحين اثنان وعشرون المتفق عليه منها ثلاثة عشر والبخاري خمسة ولمسلم أربعة.
مـــواقف وأحـــــداث:
كانت أسماء تأمر أبناءها وبناتها وأهلها بالصدقة تقول: أنفقوا، أو أنفقن، وتصدقن، ولا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل، لم تفضلن شيئاً، وإن تصدقتن لم تجدن فقده. وكانت شاعرة ناثرة ذات منطق وبيان، فقالت في زوجها الزبير، لما قتله عمرو بن جرموز المجاشعي بوادي السباع، وهو منصرف من وقعة الجمل:
غدا ابن جرموز بفارس بهمة يوم الهياج وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لو حدته لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد (7)
وعن عبد الله بن عروة عن جدته أسماء قال: قلت لها: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله، تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم. قال: فأن ناساً إذا قرىء عليهم القرآن خر أحدهم مغشياً عليه. قالت: أعوذ بالله من الشيطان.
وفي خلافة ابنها عبد الله أميراً للمؤمنين جاءت فحدثته بما سمعت عن رسول الله بشأن الكعبة فقال: إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لرددت الكعبة على أساس إبراهيم، فأزيد في الكعبة من الحجر). فذهب عبد الله بعدها وأمر بحفر الأساس القديم، وجعل لها بابين، وضم حجر إسماعيل إليها، هكذا كانت تنصح أبنها ليعمل بأمر الله ورسوله.
وقد كانت امرأة جليلة تقية ورعة، جادة في الحياة، عندما قدم ولدها المنذر بن الزبير من العراق أرسل لها كسوة من ثياب رقاق شفافة تصف الجسد فرفضتها، فقال المنذر: يا أماه، إنه لا يشف، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف. ومن جرأتها وجهادها خروجها مع زوجها وأبنها في غزوة اليرموك.
آخـر المهاجــرات وفاة:
توفيت أسماء سنة ثلاث وسبعين بعد مقتل ابنها بقليل، عن عمر يناهز مائة سنة، ولم يسقط لها سن ولم يغب من عقلها شيء(8)، وانتهت حياة أســماء ذات النطاقين رضي الله عنها وأرضاها، وانتقلت إلى جوار ربها، تاركة دروساً وعبر ومواعظ خالدة في الإسلام فقد كانت بنتاً صالحة، وزوجةً مؤمنةً وفية، وأماً مجاهدة ربت أبناؤها على أساس إيماني قوي، وكانت صحابية وابنة صحابي وأم صحابي وأخت صحابية، وحفيدة صحابي، ويكفي أن خير الخلق نبينا مــحمد صلى الله عليه وسلم لقبها بالوسام الخالد أبد الدهر(بــذات النــطاقــين، (9)فهنيئاً لك أيتها الام الفاضلة .
وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يرحمنا ويجعل هذا العمل في ميزان أعمالنا ويوفقنا لما هو خير لنا وأقول رحم الله هذه المرأة العظيمة أسكنها الله فسيح جناته، وجعلنا من الذين يسمعون القول ويقتدون به.
الهوامش:
1.
محمد حسن برتعش، ذات النطاقين( أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها)، مكتبة المنار، الأردن، ط (2)، ص (44).
2.
انظر عز الدين بن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ص(90)] .
3.
محمد البوهي، ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر، ص(75)] .
4.
الزركلي، الأعلام 1/ 305 .
5.
الموسوعة العربية العالمية (2/ 72).
6.
انظر ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 173 .
7.
كحاله، أعلام النساء 1/47.
8.
كحاله، أعلام النساء 1/47).
9.
محمد حسن برتعش، ذات النطاقين (83،



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أسمــاء بنت عميـس

رضي الله عنها


إشــراف الأستـاذ:- خــالد فـراج

المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
فإن تاريخ النسوة الصالحات لا ينسى، بل هو متواصل ومثمر، على مر الأزمان والسنين، ومن هؤلاء النسوة، صحابية جليلة، عالمة، عاقلة، صابرة، متعبدة، صاحبة بصيرة في تأويل الرؤيا، لقبت بصاحبة الهجرتين، حيث إنها أول من هاجرت إلى الحبشة وتلتها إلى المدينة المنورة، حصلت على وسام الإيمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:-
"
الأخوات الأربع مؤمنات:- ميمونة، وأم الفضل، وسلمى، وأسماء".
أسماء بنت عميس هي مثال يجب أن تحتذي به كل امرأة وفتاة في عصرنا الحالي، وقدوة حسنة لكل أم حيث تعطي دروساً في تنشئة الطفل الصالح، ومدرسة لكل زوجة قدمّت دروساً في الإخلاص والوفاء للزوج. وقد وفّق الله الباحثة في كتابة البحث بإشراف الأستاذ خالد فراج، عن حياة الصحابية الجليلة، أسماء بنت عميس- رضي الله عنها. وقد جاء الموضوع في ثلاثة أقسام، تناول القسم الأول: نسبها والقسم الثاني: وقفات من حياتها، أما القسم الثالث فكان عن فاتها، ثم خلاصة فيها الدروس والعبر المستفادة من دراسة شخصيتها.
ومن الصعوبات التي واجهت الباحثة في دراسة شخصية مثل أسماء بنت عميس هي عدم القدرة على الإلمام بالمصادر والمراجع التي تحدثت عنها، وتشابه هذه المراجع في معلوماتها.
وتزعم الباحثة بأنها حاولت جَلاهدها أن تعطي صورة وافية عن أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- فإن أصابت فذلك من الله، وإن أخطأت فذلك من نفسها، وأسأل الله أن ينال العمل القبول، والتوفيق، وآخر دعواي أن الحمد الله رب العالمين.
نسبهــــــــا:-
هي أسمـــاء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية ابن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أقبل الخثعمية.وأمهـا:- هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية وهي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس وأخوات ميمونة لأم هن عشر أخوات وست لأب [1].
حيـاتهـــا:-
كانت حياتها رضي الله عنها مليئة بالأحداث والمواقف، وقد اختلفت الروايات وقيل أن أسماء بنت عميس كانت قبل الإسلام تحت حمزة بن عبد المطلب ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنجبت له ابنة " أمة الله" ثم من بعده كانت تحت شداد بن الهادي الليثي وأنجبت له عبدالله وعبد الرحمن ولكن قيل بعد ذلك أن المرأة التي كانت تحت حمزة وشداد هي سلمى بنت عميس وليس أسماء أختها.
تزوجت أسماء بنت عميس جعفر بن أبي طالب وأسلمت معه في وقت مبكر مع بداية الدعوة إلى دين الرشاد والهدى، حتى أنه كان إسلامها قبل دخول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم بمــــكة.
كان زوج أسماء بنت عميس ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه-، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المدافعين عن الحق، الواقفين في وجه الظلم والكفر، ,أحد المؤازرين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وكان رضي الله عنه مقرّبا من الرسول- صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يوده ويقربّه وكان شبيها به- صلى الله عليه وسلم- فقد كان عليه الصلاة والسلام يقول لجعفر:- " أشبهت خلق وخلقي" [2]. فكان ذلك يسر أسماء ويسعدها ذلك عندما ترى زوجها شبيها بأحسن الخلق وأفضلهم، فكان يحرّك فيها مشاعر الشوق عندها لرؤية النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم- [3].
وكانت بالفعل نعم الزوجة الصالحة، المخلصة، الوفيّة، والمحبّة لزوجها، وحين أجمع رجال قريش على مقاطعة كل من دخل في دين الإسلام، أو آزر مسلما. فلما أذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى الحبشة، كانت أسماء بصحبة زوجها من جملة المسلمين المهاجرين، متحملين أذى قريش وطغيانهم، كل ذلك في سبيل الله تعالى وتنفيذا لأوامر نبيهم عليه الصلاة والسلام، فخرجوا تاركين مكة فرارً بدينهم، شادين الرحال في سبيل الله، وكانت هذه الهجرة قد أقبلت بعد زواجهما بفترة حديثة، فانطلقا إليها، فقد كانت الهجرة قد وثقّت بينهما أكثر من السابق، وقد ملأ عليهما الإسلام كل ذاتيهما وكل ذرة في كيانهما، فقد كان نعم المؤمنين المجاهدين، الصابرين، الصادقين لا‘نهما كانا يعلمان أن ما عند الله تعالى خيرا وأبقى!!!
وصل المسلمون إلى الحبشة وكانت أسماء وزوجها في مقدمتهم وقد أقاموا في منزل متواضع صغير، تحيطه مرارة الغربة والقسوة ولكنه كان غنياً بالحب والمودة والاحترام الذي يملأ الزوجين. حقا لقد ملأ جعفر حياة أسماء بحلوها ومرها فساهمت مع زوجها أعباء نشر الحق والدعوة الإسلامية. أنجبت لجعفر وفي بلاد الحبشة أبناءه الثلاثة: عبدالله، ومحمداً، وعوفاً، وكان ولدها عبالله أكثر شبهاً بأبيه حمزة الذي كان شبيها بالرسول عليه الصلاة والسلام فكان ذلك يدقدق مشاعرها ويبهجها لرؤية النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم-. [4]
ظلت أسماء بنت عميس- رضي الله عنها في ديار الغربة قرابة خمسة عشر عاماً. كانت مدة طويلة، أدت إلى حدوث كثير من الأحداث والمتغيرات في مختلف النواحي والصعد، وكان عليه الصلاة والسلام، دائم السؤال عن المسلمين هناك، فكان يوفد موفدين ورسل ومن بينهم " عمرو بن أمية الضمري" رضي الله عنه ليزودهم عليه الصلاة والسلام بأحدث المستجدات، ويستطلع أخبارهم ويعلمهم بما جد من تنزيل وأحكام في دين الله، وفي خلال تلك الفترة وأثناء استقرار المسلمين في الحبشة، جاء وفد من قريش إلى ملك الحبشة ( النجاشي)يطالبونه بالمسلمين وإرجاعهم إلى مكة وكان من ضمن وفد قريش عمرو بن العاص، فقالوا:-" قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم" [5]. فما كان من النجاشي أن أرسل بطلب وفد المسلمين يسألهم بشأن هذا الأمر، فتقدم جعفر بن أبي طالب، زوج أسماء – رضي الله عنها- فقال:-" أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ..فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع الأوثان، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام..." فنشوّق النجاشي لسماع المزيد فسأله عن ما جاء به النبي- عليه الصلاة والسلام- من عند الله. فأسمعه من سورة مريم، فبكى النجاشي حتى أخضلّت لحيته، وبكت معه أساقفته، فقال النجاشي:-" إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكيدهم أحد" [6]. فكان ذلك سببا في إسلام النجاشي، وكان النجاشي سببا في إسلام وفد قريش والذي كان من بينهم عمرو بن العاص.
كانت هذه حصيلة هجرة المسلمين إلى الحبشة، والذين صابروا وجاهدوا والذي لمسه النجاشي من سلوك المهاجرين، وكانت أسماء من بينهم، إحدى الداعيات بالقول والعمل والسلوك، وكان ذلك أول إختبار تجتازه.
عادت أسماء من الحبشة متوجهة إلى هجرة ثانية، كانت إلى المدينة المنورة، فتوجهت زائرة حفصة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم، فدخل عليهما عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قائلاً:- " لقد سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم" [7]. فغضبت- رضي الله عنها وقالت:-" أي لعمري لقد صدقت؟! كنتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم، ويعلّم جاهلكم، وكنّا البعداء الطرداء. أما والله لأتين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلأذكرن ذلك له، ولا أنقص ولا أزيد في ذلك". [8] فذكرت ذلك له، فقال:-" لكم الهجرة مرتين،هاجرتم إلى النجاشي! وهاجرتم إلّي" [9]. فسرّت بذلك وأثلج صدرها، ولم يكن ذلك نوعا من تطييب الخاطر وإراحة النفس لأسماء فقط، بل كان توضيحاً للحقيقة وقطعاً لدابر الفتنة، فهم تركوا مكة فارين بدينهم إلى الحبشة، فكانت " هجرة" وهم أنفسهم انتقلوا من الحبشة إلى المدينة فهذه " هجرة".
وبدأ الاختبار الجدّي الآخر لأسماء. بعد أن عادت من الحبشة وحلّت في المدينة، فرح الرسول – عليه الصلاة والسلام_ بعودتهما وقد صاحب ذلك فتح خيبرفقال:-" لا أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر؟ أو بقدوم جعفر؟" [10]. فمضت أسماء إلى بيت النبوة، تزور زوجاته وبناته، ومضى جعفر مع الرسول- عليه الصلاة والسلام- يشهد معه كل المشاهد حتى جاء يوم الاختبار الفعلي لأسماء، يوم استشهاد زوجها جعفر في موقعة مؤتة، فقد بلغ الرسول- عليه الصلاة والسلام- خبر استشهاده، فحزن حزناً شديداً عليه، فقد كانت له معزّة خاصة ومكانة عالية عند الرسول- عليه الصلاة والسلام- وكان مؤازرا، مدافعاً له، وكان خير الناس للمساكين، حنون، عطوف عليهم، وفوق هذا كله فهو شبيه الرسول- عليه الصلاة والسلام- لذلك كان حزنه عليه كبيراً، حين ذهب عليه الصلاة والسلام إلى أسماء لكي يخبرها باستشهاد زوجها وقد روت الجليلة العفيفة أسماء عن نبأ وفاته [11]. " أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه، فأتاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم_ ولقد هنأت( أي دبغت أربعين إهاباً من آدم)وعجنت عجيني، وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم, فدخل عليّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال:- " يا أسماء: أين بنو جعفر؟". فجاءت بهم، فقبلهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبكى فأحست أسماء بحدوث شيء لزوجها، فسألت النبي- عليه الصلاة والسلام- فقال لها:- " قتل جعفر اليوم" فقامت تصيح وتنحب، حتى اجتمع عليها الناس يهدئونها من روعها. فقال عليه الصلاة والسلام:-" يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي صدراً". وكان عليه الصلاة والسلام عندما يرى أسماء ويرى فيها الحزن البالغ وثورة البكاء العارمة، كان يطمئنها قائلاً: " يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب قد مر مع جبريل ومكائيل" فرد عليه السلام ثم قال صلوات الله عليه:" فعوضّه الله عن يديه جناحين يطير بهما حيث شاء.
وتمر الأيام والشهور وأسماء- رضي الله عنها- صابرة، مخلصة لذكرى زوجها، فكيف لا وقد كان الزوج والحبيب والرفيق، فظلت منكبة على تربية أولادها، تعلمهم، مبادئ الحق والتقوى، داعية إلى الله ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. حتى تقدّم لها أبو بكر الصديق طالباً الزواج منها، فكان ذلك هدية من الله لأسماء الطاهرة العفيفة عن صبرها. فقبلت الزواج منه وانتقلت معه إلى بيت الزوجية، وكانت نعم الزوجة المخلصة، وكان هو مثال للزوج الصالح الذي تستمد منه نور الإيمان، وبقيت عنده إلى أيام خلافته، وأنجبت له ابنه " محمداً". وعندما أحس أبوبكرالصديق بدنو أجله، أوصى أسماء بتغسيله- رضي الله عنهما- وأوصاها إن كانت صائمة في ذلك اليوم أن تفطر، وهذا يدل على منتهى الحب والثقة التي كان يوليها لزوجته أسماء- رضي الله عنهما. وعندما حانت ساعة الموت، حزنت أسماء وهي تعجز عن النظر إليه، الذي كان يشع بالنور، فدمعت عيناها، وخشع قلبها فصبرت واحتسبت لله تعالى. فعندما قامت بتنفيذ الوصية الأولى بغسله، وقد أضناها الحزن العميق، نسيت الوصية الثانية، فقد كانت صائمة، فعندما غابت الشمس وحان موعد إفطارها، أخذت تسأل فهل تنفذ الوصية أم لا، فكان موقفا صعبا، أن وفاؤها لزوجها أبى عليها أن ترد عزيمة زوجها الراحل، رضي الله عنه، فدعت بماء وشربت. [12].
أخذت أسماء على عاتقها الدعوة إلى الله وتربية أبنائها من جعفر وابنها محمد من أبي بكر، تدعو الله أن يوفقهم، ويصلح الله بينهم. وبعد فترة وجيزة كان علي-كرم الله وجهه- ينتظر انتهاء عدتها، ليتقدم إليها، فهو رفيق رسول الله – صلى الله عليه وسلم-وصهره لابنته الراحلة فاطمة الزهراء، وشقيق جعفر الطيار زوجها السابق، فكان وفاء لأخيه الحبيب جعفر، ولصديقه أبو بكر الصديق- رضي الله عنهما [13].
تزوج علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بأسماء بنت عميس، وعاشت معه، فكانت له صورة للمرأة المسلمة، والزوجة المؤمنة، وقد أنجبت له يحيى وعوناً، فكانت مثالاً لكل فتاة، ولكل زوجة وأم في كل زمان ومكان. كان علي- كرم الله وجهه- معجباً بها وبذكائها ورجاحة عقلها، فقد اختلف ولديها" محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر" فيما بينهما، وكل منهما يتفاخر بأبيه فقال كل منهما:-" أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك". وجعل علي- كرم الله وجهه- هذه المسألة لأسماء، فكان ذلك دلالة على أنه كان يريد منها أن تستخرج من فؤادها من الحب والوفاء، واختباراً لذكائها. فلم وقفت أسماء بين ولديها، قالت بكل ثقة ومن غير تردد:-" ما رأيت شاباً خيراً من جعفر ولا كهلا خيراً من أبي بكر". فسكت الولدان، وتصالحا فقال علي مداعباً:-" فما أبقيت لنا؟". [14]
وهكذا كانت أسماء نموذجاً حياً لأخلاق القرآن والإسلام وأخذت تكبر في عين علي كرّم الله وجهه- حتى أصبح يردد في كل مكان " كذبتكم من النساء الخارقة، فما ثبتت منهن امرأة إلا أسماء بنت عميس".
وفاتها:
ظلت رضي الله عنها على مستوى المسؤولية التي وضعت لأجلها، زوجة لخليفة المسلمين، وكانت على قدر هذه المسؤولية لما كانت تمر عليها من الأحداث الجسام، حتى جاء على مسمعها مقتل ولدها محمد بن أبي بكر، فتلوت من الحزن والألم عليه، فعكفت في مصلاها، وحبست دمعها وحزنها، حتى شخب ثديها ( سال منها)دماً ونزفت، وتمر الأيام، والأحداث، حتى فجعت بمقتل زوجها الخليفة علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- فلم تعد قادرة على احتمال المصائب والأوجاع، حتى وقعت صريعة المرض، تتلوى من شدة الألم على فراق أزواجها الصحابة الطاهرين، وولدها محمد بن أبي بكر، وفاضت روحها إلى السماوات العلى، فرضي الله عنها. [15]

الخلاصة والنتائج التي استخلصت من الشخصية:-

تعد هذه الشخصية من خلال الدراسة عظيمة، وذات أهمية، وتحتوي على دروس وعبر، ومن النتائج التي استخلصتها الباحثة من خلال دراستها للشخصية ما يلي:-
1- 1
- قوة الإيمان بالله ورسوله واستشهد بذلك موقفها العظيم من خلال هجرتها من مكة إلى الحبشة، فراراً بدينها، وذلك يعد مرتبة من مراتب الإيمان، ومن ثم هجرتها إلى المدينة، حيث واصلت جهدها وعذابها، شوقاً إلى لقاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
2- 2
- زوجة مخلصة وفية مع أزواجها الطاهرين، حيث كانت مجاهدة، مكافحة، صابرة على الشدائد وعلى مستوى العظمة التي تجلت في أزواجها الطاهرين، وسيدة فاضلة، تؤدي حق الزوجية دون ما تفريط أو إهمال أو انتقاص.
3- 3
- يشهد لها بالخلق الكريم، والمعدن الأصيل وعمق الإيمان الذي شهد به الرسول- صلى الله عليه وسلم- والأكثر تحملا واحتمالاً ووعياً وإدراكاً للمسؤولية.
4- 4
- حسن تنشئتها لأبنائها ورعايتها الصالحة لهم من غير تمييز بينهم، فهي أسمى صورة للمرأة المسلمة وللزوجة المؤمنة، وللأم الصالحة، التي تعطي دروساً لفتيات اليوم على تعاقب الزمن وتفاوت الأيام.
الخـاتمـــــــــة :
إن دراسة حياة العظماء أمثال أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- زوجة جعفر الطيار، ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم، والتي تزوجت أبي بكر الصديق- رضي الله عنه الذي يعد شيخ الإسلام، وعلي بن أبي طالب – كرم الله وجهه، ليس أمراً سهلاً.
وقد ذكرت الباحثة في هذه الرسالة ما كانت تتمتع به أسماء من حسن صحبة الزوج، والوفاء والإخلاص، وحسن التنشئة والرعاية الصالحة للأبناء، ودور الأم في إعداد براعم قوية الإيمان.
وقد رأيت تعميم الفائدة على القراء، وذلك عن طريق شرح مبسط عن حياة الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- حتى يتسنى لهم، معرفة الصحابية الجليلة عن قرب، وأتمنى من هذا التعميم أن يعطي الموضوع حقه، ذلك أن من واجب الفتاة المسلمة اليوم الإطلاع على سيرة العظيمات من النساء العربيات، أمثال أسماء بنت عميس، حتى تكون شموعاً تضيء في محافل حياتهن، على ذكريات الأيام، وتعاقب الأعوام.

الهوامش:
1. 1.
محمد سعيد مبيض، موسوعة حياة الصحابيات، ( 38،1).
2. 2.
بسام محمد حمامي، نساء حول الرسول، (363،1)
3. 3.
بتصرف
4. 4.
محمد علي قطب، نساء حول الرسول، (147،1)
5. 5.
السابق نفسه.
6. 6.
انظر السابق نفسه بتصرف.
7. 7.
بسام محمد حمامي،نساء حول الرسول(365،1)
8. 8.
انظر السابق نفسه.
9. 9.
السابق نفسه.
10. 10.
خالد عبد الرحمن العك،صورمن حياة صحابيات الرسول-صلى الله عليه وسلم(470،1)
11. 11.
محمد علي قطب، نساء حول الرسول(150،1)
12. 12. .
بتصرف عبد مهنا،أخبار النساء في العقد الفريد(139،1)
13. 13.
انظر محمد علي قطب،نساء حول الرسول(151،1)

قائمـــــة المراجع والمصادر
1- 1
- بسام محمد حمامي: نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم، دار العلم، دمشق، ص 364- 364
2- 2
- خالد عبد الرحمن العك:- صور من حياة صحابيات الرسول- صلى الله عليه وسلم، ج1، ط1، دار الألباب، دمشق، بيروت، 1989، ص 470- 471 .
3- 3
- عيد مهنا، أخبار النساء في العقد الفريد، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص 139.
4- 4
- محمد سعيد مبيض:- موسوعة حياة الصحابيات، دار الثقافة، إدلب- سوريا، ص38-39 .
5- 5
- محمد علي قطب:- نساء حول الرسول، ج1، ط1، دار الدعوة للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1995، ص151- 152 .



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


أسماء بنت يزيد .. خطيبة النساء

رضي الله عنها


المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
فإن تاريخ النسوة الصالحات لا ينسى، بل هو متواصل ومثمر، على مر الأزمان والسنين، ومن هؤلاء النسوة، صحابية جليلة، عالمة، عاقلة، صابرة، متعبدة، صاحبة بصيرة في تأويل الرؤيا، لقبت بصاحبة الهجرتين، حيث إنها أول من تحدثت عن النساء وسميت بخطيبة النساء


شخصية نسويّة متميزة، صقلها الإسلام فارتفع بها إلى أعلى المراتب ..واحدة من فتيات الإسلام اللواتي تخرجن من مدرسة النبوة ..
على الرغم مما امتازت به أسماء رضي الله عنها من رهافة الحسن ونبل المشاعر ورقة العاطفة، فقد كانت إلى جانب كل هذا كغيرها من فتيات الإسلام اللواتي تخرجن من مدرسة النبوة، لا تعرف الخضوع في القول، ولا الهبوط في المستوى، ولا تقبل الضيم والذل، بل هي شجاعة، ثابتة، مجاهدة، قدمت لبنات ***ها نماذج رائعة في شتى الميادين.
وفدت رضي الله عنها على رسول الله(ص)في السنة الأولى للهجرة وبايعته بيعة الإسلام. وأخذت أسماء بعد ذلك تسمع حديث الرسول الشريف، وتسأله عن دقائق الأشياء والأمور لتتفقه في أمور الدين. وكانت شخصيتها قوية لا تستحي من الحق وبذلك يقول عنها ابن عبد البر" كانت من ذوات العقل والدين".
و كانت رضي الله عنها تنوب عن نساء المسلمين في مخاطبة الرسول (ص)فيما يتعلق بهن، وقد أتته ذات مرة فقالت له: " يا رسول الله، إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي، وهن على مثل رأيي، إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء فأمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات ******، قواعد بيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجرة يا رسول الله (ص)؟؟" فالتفت رسول الله(ص)إلى أصحابه وقال: " هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟" فقالوا: بلى يا رسول الله(ص)فقال (ص):" انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال". وحسن التبعّل: أي حسن المصاحبة في الحياة الزوجية والمعاشرة.
و ما إن قبلت السنة الثالثة عشرة للهجرة بعد وفاة النبي(ص)حتى كانت معركة اليرموك العصبية الشريرة، وفي هذه المعركة العظيمة كانت أسماء بنت يزيد مع الجيش الإسلامي، مع أخلاقها من المؤمنات خلف المجاهدين تبذل جهدها في مناولة ال**** وسقي الماء وتضميد الجراح والشد من عزائم الأبطال المسلمين.
و لكن، عندما تأزمت المعركة، وحمي الوطيس، واحمرت الحدق، حينئذ أدركت أن الواجب يحتم عليها أن تجاهد بما في وسعها وطاقتها، ولم تجد أمامها إلا عمود خيمة، فحملته وانغمرت في الصفوف، وأخذت تضرب به أعداء الله ذات اليمين وذات الشمال حتى قتلت به تسعة من الروم. وخرجت أسماء من المعركة وقد أقلت الجراح كاهلها، وشاء الله لها أن تظل على قيد الحياة بعد ذلك سبعة عشر عاماً حيث أنها لم تمت إلا في حدود السنة الثلاثين من الهجرة، وبعد أن قدمت للأمة كل خير.
فرحم الله أسماء بنت يزيد بن السكن، وأكرم مثواها بما روت لنا من أحاديث، وبما بذلت وعملت لتكون درسا لغيرها في تقديم ما بوسعها وطاقتها في سبيل نصرة الحق، ورفع راية الإسلام خفاقة، حتى يكون الدين كله لله.




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


أم المنذر بنت قيس رضي الله عنها

رضي الله عنها


المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
أم المنذر بنت قيس خالات النبي صلى الله عليه وسلم . اسمها : سلمى بنت قيس بن عمرو بن عبيد، وهي من أولى المؤمنات اللائي دخل الإيمان في قلوبهن من أول يوم صافح أسماعهن عن طريق دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى الإسلام في المدينة، فأعلنت إسلامها لتحوز السبق في مضمار السابقات .
وأم المنذر هي أخت سليط بن قيس، واحد من فرسان مدرسة النبوة، شهد بدراً وأحداً والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد أبطال معركة الجسر الشهيرة مع أبي عبيد، حيث قتل يوم الجسر سنة أربع عشرة من الهجرة، ولم يكن له عقب .
وأم المنذر من النساء اللائي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لهذه البيعة قصة ترويها بنفسها فتقول : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته في نسوة من الأنصار، فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أو****ا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف قال : " ولا تغششن أزواجكن " قالت : فبايعناه ثم انصرفنا، فقلت لامرأة منهن : ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غش أزواجنا ؟ قالت : فسألته، فقال : " تأخذ ماله فتحابي به غيره " .
ولهذه الصحابية الجليلة مكانة عظيمة عندج رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قبل عليه الصلاة والسلام شفاعتها في رجل لاذ بها وكان ذلك في غزوة بني قريظة، فعندما كان المسلمون ينفذون ما حكم به سعد بن عاذ في بني قريظة كانت أم المنذر رضي الله عنها بقرب النبي صلى الله عليه وسلم ترى نهاية بني قريظة، وكان رفاعة بن سموأل القرظي له انقطاع إليها وإلى أخيها سليط بن قيس وأهل الدار، وكان رفاعة حين حبس أرسل إلى أم المنذر رضي الله عنها أن كلمي محمداً صلى الله عليه وسلم في تركي، فإن لي بكم حرمة، وأنت إحدى أمهاته، فتكون لي عندكم يداً إلى يوم القيامة .
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم علائم الحيرة مرتسمة على وجه أم المنذر فسألها وقال : " مالك يا أم المنذر " .
قالت : بأبي أنت وأمي يارسول الله رفاعة بن سموأل كان يغشانا ،يزورنا ولنا حرمة فهبه لي .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى رفاعه يلوذ بها، فقال : " نعم هو لك " .
ثم قالت يارسول الله : إنه سيصلي ويأكل لحم الجمل .
فتبسم عليه الصلاة والسلام ثم قال : " إن يصل فهو خير له، وإن يثبت على دينه فهو شر له " ثم أطلقه صلى الله عليه وسلم .
قالت أم المنذر : فأسلم رفاعة .
وهذه الصحابية الجليلة كانت تحظى بنفحات خاصة من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقد كان يخصها بالزيارة ويأكل عندها، ويشير إلى أن طعامها ذو بركة، وذو نفع، فعنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي ناقه ولنا دوالي معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام علي ليأكل، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : " مه إنك ناقه " حتى كف علي . قالت : وصنعت شعيراً وسلقاً، فجئت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك "
ومن مناقب هذه الصحابية الجليلة أنها اعلنت بيعتها للمرة الثانية معه الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك سميت مبايعة البيعتين وكانت هذه البيعة تحت شجرة في بيعة الرضوان في السنة السادسة من الهجرة، حينما احتجز المشركون بمكة عثمان رضي الله عنه، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة التي أمر الله تعالى بها، وسارعت أم المنذر في ثلة من الصحابيات يبايعن على الموت، ونالت بذلك بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة عندما قال : " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " .
رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

http://www.do
- صلى الله عليه وسلم-ah.com/ta- صلى الله عليه وسلم-bya/shakhsyat_islamyah_nesa2yah/om_almonth- صلى الله عليه وسلم-.htm






وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


أم حرام بنت ملحان ا لأنصارية

رضي الله عنها


أم حرام بنت ملحان ا لأنصارية
55-27
هـ
قالت أم حرام إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"
أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا"
قالت أم حرام:
يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم ".

المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،


أم حرام بنت ملحان الأنصارية
قالت أم حرام: إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا". قالت أم حرام: يا رسول الله: أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم "( الحلية ج/ 2/ 62).
ماذا ينقص أم حرام حتى تكون من تلك الأسرة المؤمنة المجاهدة؟
إن من البطولة أن تذهب المرأة للجهاد وفي سبيل الله، ومن البطولة أن تموت غازية في أرض بعيدة، ثم تدفن فيها. فالثبات على المبدأ، والخروج للجهاد في سبيل نشره، والموت دفاعا عنه، يعتبر من النوادر بالنسبة للرجال فكيف الأمر بامرأة كأم حرام؟ أمران هما العجيبان في أمر أم حرام: أولهما أنها امرأة مصرة على الجهاد في سبيل الله، شابة وكهلة. فقد طلبت من رسول الله في شبابها أن يدعو لها بأن تكون من المجاهدين مع الرجال. وقد جاهدت فعلا في كهولتها. وثانيهما أن تكون منيتها في قبرص، في وسط البحر الأبيض المتوسط، بعد أن جاهدت مع الرجال وهي في سن الكهولة.
كان من الممكن أن تصبر كما صبرت سمية، فتموت من وقع الأذى والاضطهاد في سبيل الدين. وكان من الممكن أن تحارب في المعارك القريبة أو البعيدة، في جزيرة العرب كما فعلت أم عمارة.
يمكنها أن تنال الكثير وهي في جزيرة العرب، يكفيها الرجال مؤونة الخروج للفتح ونشر الدين في بقاع الأرض.
لكن ما يزيل عجبنا، أن أم حرام نبعت من أسرة أساسها الإيمان، وهدفها الجنة، ووسيلتها الجهاد في سبيل الله. فأخوها حرام بن ملحان هو القائل يوم بئر معونة فزت ورب الكعبة وأختها أم سليم، كانت ندا للرجال في المعارك. وابن أختها أنس بن مالك، معروف في ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاركته له في كل الغزوات. وزوجها عبادة بن الصامت هو الصحابي الورع المناضل المجاهد.
فماذا ينقص أم حرام حتى تكون فردا من أفراد تلك الأسرة المؤمنة المجاهدة .
أليست من آل النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
بشارة رسول الله ترافقها أينما حلت وأينما ارتحلت، الإيمان بالدين يدفعها، والقدوة من أفراد أسرتها تسيرها، والطمع في جنة الخلد هدفها.
فمن هي أم حرام؟
نسبها:
أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار. الأنصارية النجارية المدنية.
فهي من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم . لأن آمنة بنت وهب من بني النجار.

أمها:

مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار.
فهي من بني النجار من ناحيتي الأب والأم

أخوها:

حرام بن ملحان، الشهيد الذي قال يوم بئر معونة: (فزت ورب الكعبة)وذلك حين طعنه المشركون من ظهره غدرا، بحربة خرجت من صدره رضي الله عنه. وقصة بئر معونة مسجلة في كتب السيرة والبخاري ومسلم وأحمد وغيرهم .

أختها:

أم سليم بنت ملحان زوجة الصحابي الجليل أبي طلحة وأم
أنس بن مالك وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان (أي أم سليم).
وأم سليم هي التي كانت تحمل خنجرا يوم بدر ويوم حنين
تحارب به.
قال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ))التوبة:100
زوجها:
عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي: يكنى أبا الوليد وأمه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن العجلان. كان نقيبا من نقباء العقبة الأولى والثانية والثالثة. شهد بدرا والمشاهد كلها، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وكان ممن جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي القرطبي أن عبادة بن الصامت حفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد عمر بن الخطاب وجهه إلى الشام قاضيا ومعلما، بناء على طلب من يزيد بن أبي سفيان، الذي طلب من عمر رضي الله عنه أن يرسل لأهل الشام من يفقههم في دينهم؟ فأرسل عبادة ومعاذا وأبا الدرداء. أقام عبادة في حمص ثم انتقل إلى فلسطين. وجرت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان مواقف وقصص، ينكر فيها على معاوية أشياء كثيرة . يرجع في بعضها معاوية لعبادة وفي بعضها يشكوه إلى عثمان بن عفان روى 181 حديثا وكان من سادات الصحابة.

وروى ابن سعد في ترجمته أنه كان طوالا جسيما جميلا .
مات ببيت المقدس على بعض الروايات، ومنهم من قال إنه مات بالرملة. والمشهور أنه مات بقبرص بالشام، وقبره يزار بها، وكان واليا عليها من قبل عمر بن الخطاب . وفي وفاته أقوال كثيرة وقيل إنه عاش إلى سنة خمس وأربعين.

إسلامها:

في مكة وبالتحديد في موسم الحج، عرض الرسول نفسه على القبائل القادمة من أنحاء الجزيرة العربية. وكان من بين الذين لقيهم من أهل يثرب، ومن بني أخواله بني النجار حرام بن ملحان أخو أم حرام، وعبادة بن الصامت، زوجها. فشرح الله صدورهم له وتشبعوا بروح القرآن، وآمنوا بالله ربا وبمحمد نبيا، وكلما قرأ عليهم رسول الله آية أو سورة، صادفت في نفوسهم هوى وفي أفئدتهم تجاوبا، وصاروا يرددونه في مجالسهم، وينشرونه في أهل المدينة بعد عودتهم إلى ديارهم. وصادفت آيات القرآن وسوره من أم حرام وأختها أم سليم تجاوبا، فكانتا من أوائل المسلمات في المدينة.
وفي العام المقبل وافى إلى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا رسول الله في العقبة وهي العقبة الأولى.
كان من بين النقباء الاثنى عشر عبادة بن الصامت، الذي عاد مع بقية صحبه ينشرون الدين في كل أنحاء المدينة، حتى لم يبق بيت فيها إلا وفيه من يقرأ القرآن. واعتنقت الأختان أم حرام وأم سليم الدين الإسلامي، لأنه صادف ما فطرتا عليه من فضائل، فاستجابتا بسرعة وشرعتا بتطبيق مبادئه وتعاليمه.
وجلس عبادة وحرام بن ملحان معلمين للزوجة والأخت؟ يسردان على مسامعهما ما لقيه رسول الله من عناء في سبيل نشر الدعوة، والأذى الذي كان لحق به من كفار مكة. ثم يلقنان الأختين آيات القرآن الكريم، وتعاليم دينهما، حتى أصبح الإسلام جزءا من حياتهما وصارت تعاليمه أساس سلوكهما. ومضت الأيام والليالي الطوال وهم يرتلون ويحفظون، وينتظرون هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفارغ الصبر ولا سيما أنه سينزل في ضاحية قباء قبل وصوله المدينة، لأنها في طريق هجرته من مكة. وما دامت الأختان تسكنان في قباء فسوف يكون شرف استضافة رسول الله لهما.
وكلما مضت الأيام يزداد الشوق للقاء رسول الله، والتطلع إلى طلعته البهية. وكان حظ أم حرام وأم سليم من استقباله حظا كبيرا، فهن بنات أخواله من جهة وبيتها وبيت أختها في قباء على طريق هجرته.
وآن الأوان وأذن الله لرسوله بالهجرة، وكانت قباء أول مكان ينزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضواحي المدينة، وهي سكن لبني عمرو بن عوف. وعبادة بن الصامت منهم وزوجته أم حرام من بني النجار أخوال رسول الله.
ووصل عليه الصلاة والسلام إلى قباء، فاستقبله أهلها بالأفراح والأناشيد. واستضافت قباء رسول الله وأصحابه أربعة أيام هي الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وخرج من بينهم يوم الجمعة.
ولعل أسعد أيام أم حرام، كانت الأيام التي استضافت فيها قباء رسول الله وصحبه، فقد سمعت عن كثب أقواله عليه الصلاة والسلام، ورأت كثيرا مما غمض عليها من أمور دينها. وبايع الناس رسول الله، وبايعت النساء، وذلك بأن يقررن بأنفسهن بألا يشركن بالله شيئا فإذا قلن ذلك بألسنتهن، قال عليه الصلاة والسلام أقد بايعتكن، وعلى رأسهن بايعت أم حرام وأم سليم أختها.

أم حرام في الحرب:

لم يكد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر في المدينة، حتى بدأ نشاطه وأصحابه لنشر الدين في الجزيرة العربية، وشرعت الغزوات تتوالى الواحدة تلو الأخرى ضد لمشركين " بدئت ببدر وختمت بتبوك. فهل كان للنساء دور في تلك ا.لغزوات؟ الجواب أن للنساء دورا كبيرا، عرفناه عند أمهات المؤمنين ولدى الصحابيات الجليلات بدءا من صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة وأم سليم، وأم أيمن وغيرهن وغيرهن.
ولا أعتقد أن أم حرام بنت ملحان ستبقى حبيسة بيتها، قعيدة في
زاويته مستسلمة مستكينة، والمسلمون يغزون في كل مكان، لا بد أنها كانت مع أختها أم سليم ومثيلاتها من النساء، يرافقن الرجال إلى الغزوات والمعارك، لهن أعمال كثيرة محددة وأدوار هامة يقمن بها ومنها تشجيع المحاربين وبث الحماس في نفوسهم، وتذكيرهم بأجر المجاهدين في الدنيا والآخرة، وبمنزلة الشهداء عند رب العالمين. بالإضافة إلى أنهن يساعدن في خدمة من يحتاج إلى مساعدة من المقاتلين، ويحملن الماء يروين ظمأ الجرحى الظامئين، ويضمدن الجراح ويداوين المرضى ويسهرن على راحتهم أثناء المعركة وبعد انتهائها. فهذه كلها أعمال تحصل في الخطوط الخلفية من المعارك لإحراز النصر، إنها أعمال الجندي المجهول وأم حرام جاهدت في أواخر حياتها فكيف لا تكون مجاهدة في شباب؟
فقد ساهمت في معارك أحد وحنين والخندق والفتح والطائف مع زوجها عبادة رضي الله عنه.

أم حرام في السلم:

كانت أم حرام داعية للدين، تعلم النساء حولها، وتتلقط من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما تسمعه منه، لتعيه ذاكرتها، ثم تسرده على مسامع لداتها وأترابها، فتروي ذلك عن رسول الله. وحديثها في جميع الدواوين. ويقول عنها كتاب سير أعلام النبلاء إنها كانت من علية القوم. وقد حدث عنها ابن أختها أنس بن مالك وغيره.
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم زيارات منظمة لقباء. وبسبب المسافة التي تبعدها عن المدينة- وهي ضاحيتها- كان يبقى فيها ضيفا عند عبادة بن الصامت وزوجته أم حرام، أو عند أنس بن مالك وأمه أم سليم، وكلتا الأختين في دار واحدة- فيطعم عندها أو لدى أختها ثم يقيل هناك. حتى، يقوم إلى شأنه وحاجته من لقاء الأصحاب والصلاة بهم وتعليمهم شؤون دينهم.
وقد حدث أنس بن مالك قال:
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا أنا وأمي، وخالتي أم حرامبنت ملحان فقال: قوموا فلأصل بكم فصلى بنا في غير وقت صلاة .

وهذا الحديث يدل على أنه عليه الصلاة والسلام، يدخل بيت آل ملحان وكأنه بيته، يدخله في أي وقت شاء.

بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم :

حدث أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يدخل على أم حرام
بنت ملحمان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله يوما . ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كالملوك على الأسرة- كما قال في الأولى- قالت: فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين.
وهكذا بشرها رسول! الله صلى الله عليه وسلم أنها ستغزو في البحر، وستكون من الأولين الذين يغزون في البحر، وربما كانت من الشهداء في تلك ا لغزوات.

كيف تحققت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قبض عليه الصلاة والسلام، ونبوءته عن أم حرام لم تتحقق في حياته.
وفي خلافة أبي بكر اتجهت الفتوحات إلى العراق أولا ثم إلى بلاد الشام ثانيا، وكلها جيوش متدفقة نحو اليابسة، إذ لم يفكر أحد أثناء خلافته رضي الله عنه أن يغزو في البحر.
وأتم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما بدأه الصديق، فلم يفكر في غزو البحر مطلقا لولا أن جاءته رسالة من معاوية بن أبي سفيان، وكان واليه على الشام. جاء في تاريخ الطبري .
(
ألح معاوية وهو والٍ على الشام من قبل عمر، أن يذهب لغزو قبرص ولج عليه حتى قال: إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم، وصياح دجاجهم . حتى كاد يأخذ بقلب عمر). والروم كانوا قد جعلوا من قبرص مركزا لهم، لغزو المسلمين في الشام فكان لا بد من تحريرها وتطهيرها من سيطرتهم. ولم يكن للمسلمين عهد بغزو البحر؟ لذلك فوجىء عمر بإلحاح معاوية. وجعل يفكر في غزو البحر وصعوبته، فلم يجد أعرف بذلك الأمر من عمرو بن العاص، فكتب إلى عمرو يقول: (صف لي البحر وراكبه فإن نفسي تنازعني إليه)فرد عليه عمرو بن العاص قائلا : (إني رأيت خلقا كبيرا، يركبه خلق صغير. ليس إلا السماء والماء، إن ركد خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول. يزداد في اليقين قلة والشك كثرة، هم فيه كدود على عود، إن مال غرق وإن نجا برق).
فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية: (والذي بعث محمدا بالحق، لا أحمل فيه مسلما أبدا، وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض، فيستأذن الله في كل يوم وليلة أن يغرق الأرض؟ فكيف أحمل بالجنود على هذا الكافر المستصعب. وبالله لمسلم واحد أحب إلي مما حوت الروم).
وبقيت فكرة غزو البحر تراود معاوية، إلى أن، قتل عمر بن الخطاب وتولى عثمان بن عفان فكتب إلى عثمان رضي الله عنه، ولم يزل به حتى وافقه على ركوب البحر.
ومنذ ذلك اليوم بدأ غزو البحار، فكان معاوية أول من بدأ بذلك حين وافق عثمان على عرض معاوية، كتب له: ( لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم خيرهم، فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه). ففعل معاوية. واستعمل على البحر (عبد الله بن قيس الجاسي)حليف بني فزارة. فغزا خمسين غزاة بين شاتية وصائفة في البحر، ولم يغرق فيه أحد، ولم ينكب . وربما كانت هذه الغزوات الناجحة هي التي شجعت معاوية على ركوب البحر.
ترامى إلى مسامع أم حرام، وهي في قباء، استئذان معاوية من عثمان أن يغزو في البحر وموافقة عثمان على ذلك. فتذكرت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانت قد وصلت إلى خريف العمر، وبلغت من الكبر مرحلة لا تستطيع أن تجاهد فيها. لكنها تلهـفت لركوب البحر والجهاد في سبيل الله. ألم يقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت من الأولين "؟ إنها لا تطمع بمغنم ولا تتوق لفوز، ولكن رغبتها في الجهاد هي التي كانت تدفعها. وطلبت من عبادة زوجها أن يستأذن لها عثمان بن عفان، وألحت في طلبها، حتى وافق لهما عثمان بمرافقة الجيش. كما أذن لغيرهما من كبار الصحابة أمثال أبي ذر الغفاري وأبي الدرداء وغيرهما.
اتجهت أم حرام مع زوجها إلى حمص، حيث أقامت فترة، ريثما تعبأ الجيوش، وتنظم الفرق. وجلست هناك تحدث خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف بشرها بالغزو بالبحر، وأنها من الأولين السابقين في ذلك الغزو. وتفاءلت إلى أبعد حد، أنها ستجاهد مع جيش معاوية فتتحقق نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وآن وقت التنفيذ وجهزت السفن أسطولا لغزو قبرص. فركبت أم حرام مع زوجها عبادة إحدى السفن، مع الفاتحين المسلمين، وجلست تتأمل البحر وما حولها: إنهم فعلا كالملوك على الأسرة، وإذا بنبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتردد في أذنيها: كالملوك على الأسرة، أنت من الأولين. وتحس فعلا أنهم كالملوك على الأسرة مع يقينها أنها من الأولين. وشرعت تحدث من حولها بنبأ تلك النبوءة وتفخر وتسعد بذلك.
وغزا معاوية وجنوده قبرص، ومعهم عبادة وزوجته أم حرام، واشتد القتال بين المسلمين وأهل قبرص في البر والبحر، حتى استسلموا للمسلمين وطلبوا الصلح. فصالحهم معاوية على جزية سبعة آلاف دينار، يؤدونها للمسلمين في كل سنة، ويؤدون للروم مثلها، ليس للمسلمين أن يحولوا بينهم وبين ذلك، على ألا يغزوهم ولا يقاتلوا من وراءهم. ثم عليهم أن يخبروا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم.

وعن الواقدي في فتوح البلدان غزا معاوية سنة ثمان وعشرين قبرص وغزاها أهل مصر وعليهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح حتى لقوا معاوية فكان على الناس .
وانتهت المعركة واستعدت الجيوش للعودة من حيث جاءت وقد غنمت وما غرمت . وبدأت ترجع إلى الشام على سفنها، كالملوك على الأسرة. وتهيأت أم حرام للعودة، متوكلة على الله. ولكنها كانت قد أسنت وضعف جسدها، ووهنت قوتها، فقربوا لها بغلة تمتطيها، لتوصلها إلى السفينة المعدة لها. فزلت قدمها وسقطت على الأرض، لا تقوى على النهوض. أسرع إليها زوجها عبادة رضي الله عنه، وعدد من كبار الصحابة يساعدونها ويسعفونها لكنها كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة. مطمئنة النفس باسمة الثغر مشرقة المحيا. فنقلوها إلى حيث قاموا بتجهيزها ثم دفنها وذلك في العام السابع والعشرين من الهجرة. ولنستمع إلى الروايات التي قيلت عن أم حرام
جاء في الحلية ج/2/61-62:
عن أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه. وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأطعمته وجلست تفلي رأسه. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ يضحك. قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله عز وجل يركبون ثبج هذا البحر ملوك على الأسرة (أو مثل الملوك على الأسرة)قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها. ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله... " قالت: فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين.
قال فركبت البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فماتت.
وفي رواية: فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما أضحكك قال: "رأيت قوما من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة... " قال فتزوجها عبادة بن الصامت فركب البحر وركبت معه فلما قدمت إليها البغلة وقعت فاندقت عنقها.
وفي سند عن عمير بن الأسود العنسي أنه حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو بساحل حمص وهو في بناء له، ومعه امرأته أم حرام قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم. قال ثور سمعتها تحدث به وهي في البحر. وقال هشام: رأيت قبرها ووقفت عليه بالساحل (بقاقيس). وعن هشام بن الغاز قال: قبر أم حرام بنت ملحان بقبرص وهو يقول: هذا قبر المرأة الصالحة.
وفي طبقات ابن سعد ج 8/ 434 و435.
أنها غزت مع زوجها عبادة بن الصامت فوقعتها راحلتها فماتت.
أو قال: قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فاندقت عنقها فماتت.
وبعد:
فإن قبر أم حرام في قبرص لواء يسترشد به السارون ومنارة تنير سبيل السالكين. وقدوة لكل من يريد الجهاد في سبيل الله. وأهل قبرص المسلمون منهم وغير المسلمين حين يمرون بقبرها يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة.
ونحن إذ نعيد ذكراها وننفض الغبار عن تاريخها، لا يسعنا إلا أن نقف إجلالا لسيرتها الزكية، وحديثها العطر، وأن ندعو لها رضي الله عنها، وأن نجعل منها رائدة وقدوة في سيرتها وجهادها، وعطائها الذي لا ينضب من شبابها حتى شيخوختها.
فهي رائدة في سبقها للإسلام والالتزام بمبادئه.
رائدة في المشاركة بغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رائدة في نقل أحاديثه عليه الصلاة والسلام وحفظها وروايتها.
رائدة في شبابها.
رائدة في شيخوختها وفي استشهادها.
رائدة في كل أمورها.
وأكثر من ذلك كله. فإن نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجعلها في منزلة الشهداء الصديقين وحسن أولئك رفيقا.
رضي الله عن أم حرام فهي بحق مثل أعلى يقتدى به.
http://www.geocities.com/mknon/omh
- صلى الله عليه وسلم-am.htm



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أم رومان بنت عامر

رضي الله عنها

المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
أم رومان بنت عامر صحابية جليلة، حظيت بمكانة عالية في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لها منزلة كبيرة بين نساء المسلمين اللاتي أثرين التاريخ بمواقفهن العطرة التي يفوح شذاها على مر الأيام .
واجتمعت في هذه الصحابية خصال مباركة جعلتها من سادة نساء الدنيا، فصهرها أفضل خلق الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام .
وزوجها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه .
وابنتها الصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين عائشة، أفقه نساء الأمة وأعلمها .
وابنها أحد فرسان الإسلام، وأحد الصحابة الكرام الذين كتبت لهم السعادة بصحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وفي منطقة تسمى السراة في جزيرة العرب نشأت أم رومان وكانت ذات أدب وفصاحة، تزوجها أحد شباب عصرها البارزين في قومه وهو الحارث بن سخيرة الأزدي فولدت له الطفيل .
وكان زوجها الحارث يرغب بالإقامة في مكة، فسافر بها وبابنها إلى هناك، وعلى عادة العرب آنذاك كان لا بد للحارث أن يدخل في حلف أحد الأشخاص البارزين يحتمي به، فحالف أبا بكر الصديق رضي الله عنه وكان ذلك قبل الإسلام .
وبعد فترة من الزمن توفي الحارث بن سخيرة، فما كان من أبي بكر إلا أن تقدم لها كعادتهم وقتئذ إكراماً لصاحبه بعد مماته، وقبلت أم رومان به زوجاً ليحافظ عليها بعد وفاة زوجها .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه متزوجاً قبل ذلك، وله من الولد عبد الله وأسماء، ثم ولدت له أم رومان عبد الرحمن وعائشة .
وما إن بعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من آمن بصدقه، وآمن بدعوته من الرجال، ثم عمد إلى زوجه أم رومان يحدثها ويدعوها إلى الخير الذي رضيه لنفسه، فآمنت معه، وأسلمت، واستكتمها الأمر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتردد على دار أبي بكر بين الحين والحين، فتتلقاه أم رومان بالبشر والسرور، وتضيفه أحسن الضيافة .
وهكذا غدت دار أبي بكر مأوى كريماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيتاً إسلامياً طيباً، وكانت أم رومان

رضي الله عنها مثال الزوجة الصالحة التي تقف إلى جانب زوجها وتخفف آلامه، وتواسيه في تلك الأيام الصعبة القاسية التي يمر بها المسلمون الأوائل، بل كانت تشد من أزر زوجها، وتشاركه في حماسه، وما يبذله في سبيل نصرة الدعوة الإسلامية .
وبقد كانت أم رومان تتألم كثيراً لما يحل بالمسلمين المؤمنين من التعذيب على أيدي المشركين، وكانت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه دروساً في الصبر، وضربت أروع الأمثلة في الوفاء للإسلام والمسلمين .
وعندما خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه مهاجراً إلى المدينة، وترك أسرته في مكة لتلحق به، وكانت أم رومان رضي الله عنها تتحمل شدة العيش بعد هجرة زوجها الذي احتمل معه ماله كله، ولكن هذا لم يكن يهمها، بل كانت ترجو أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أيدي المشركين وأذاهم، وصبرت على خوف إلى أن جاء من يخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصل إلى المدينة آمناً مطمئناً، ومن ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يأتي بأهله وبناته، ويأتي بأهل أبي بكر الصديق وأفراد أسرته .
وانطلق الركب المهاجر إلى المدينة، وفي الطريق تعرضت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لخطر كبير، حيث شرد بها وبأمها الجمل، فجعلت أم رومان تقول : واعروساه وابنتاه . تقول عائشة : فسمعت قائلاً يقول : أرسلي خطامه فأرسلت خطامه فوقف بإذن الله وسلمنا لله عز وجل .
ووصل الركب المهاجر إلى المدينة، وفي مقدمته أم رومان رضي الله عنها ونزلت في البيت الذي أعده أبو بكر رضي الله عنه وبعد أن أعز الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر تزوج عائشة في شوال سنة اثنتين من الهجرة الشريفة .
وتمضي السنون، فإذا بأم رومان تواجه محنة رهيبة عكرت صفاء حياتها مدة شهر من الزمان، وذلك بسبب حادثة الإفك التي قاد زمامها ابن سلول زعيم المنافقين، وفي هذه المحنة الكبرى، والرزية العظمى وقفت أم رومان رضي الله عنها موقفاً إيمانياً لتؤدي دور الأم الواعية الحانية، وصبرت في ذلك واحتسبت حتى جاء الفرج من عند الله العليم الحكيم، ورد المنافقين بغيظهم، وكان أمر الله قدراً مقدوراً .
وعادت حياة النقاء إلى قلب أم رومان بعد أن انقشعت سحابة الإفك، وأكرم الله عز وجل بيت وأسرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأنزل في أم المؤمنين عائشة قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، وكان ذلك جزاءً وفاقاً من لدن العزيز الحكيم لرجل دخل في الإسلام من أول يوم، وبذل نفسه وماله لله ورسوله .
توفيت أم رومان رضي الله عنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة سنة ست من الهجرة .
رضي الله عنها وأرضاها، وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء


http://www.do
- صلى الله عليه وسلم-ah.com/ta- صلى الله عليه وسلم-bya/shakhsyat_islamyah_nesa2yah/om_- صلى الله عليه وسلم-oman.htm
.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



أم سليم الأنصارية

رضي الله عنها


مواقف أم سليم الأنصارية مفخرة لكل مسلم ومسلمة
تأليف : عمر إيمان أبو بكر

المقدمـة:

الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان من علق، وعلمه ما لم يكن يعلم وفضله على كثير ممن خلق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين بعثه ربه بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فإن الذي دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع أنه من خلال مطالعتي لكتب السنة النبوية بمصادرها المتنوعة كانت تمر علي مواقف عظيمة لهذه المرأة المسلمة الصحابية الجليلة، فاستوقفني ذلك فرأيت أن أجمع تلك المواقف في مؤلف واحد عسى أن يكون حافزا قويا لكل المسلمات نحو الاقتداء بهؤلاء الصحابيات الفضليات.
لا سيما ونحن في عصر ضاعت فيه القيم وتبدلت فيه المفاهيم وصار التقليد الأعمى في أوساط الشباب من الذكور والإناث في كثير من البلدان الإسلامية السمة الغالبة تقليدا للغرب وخاصة فيما يتعلق بالنساء، وما نراه اليوم من التفسخ والتبرج في هذا العالم جزء من هذا التقليد الأعمى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى تبجيل النساء الفاجرات من ممثلات ومغنيات وعارضات أزياء وغيرهن ممن كن على شاكلتهن بل وتسمية بعضهن بالنجوم اعتزازا وافتخارا بهن مما يدل على أن الأمة تمر بمرحلة خطيرة من الانحطاط.
فكان لزاما على أهل العلم مقاومة هذا الانحطاط والبحث عن علاج له ومن ذلك فيما أرى إبراز الجوانب المضيئة من سير الصالحات وعلى رأسهن الصحابيات اللاتي شاركن منذ البعثة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في تثبيت دعائم هذا الدين ونشره وقد عرفن بسرعة الامتثال لأوامر الشرع وحسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد التزمت في هذه الرسالة منهجا معالمه أنني لا أورد لك من الأحاديث إلا ما صح، وغالبها في الصحيحين أو في أحدهما خلافا للمعهود في توسع كثير من المؤلفين في باب المناقب من ذكر الأحاديث الضعيفة اعتقادا مني أن ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأحاديث فيه غنية عما لم يثبت.
كما أنني لا أطيل التعليق على هذه المواقف بل أكتفي بأن أقدم بين يدي الموضوع بتمهيد يبين للقارئ فحوى الموقف ليكون على علم بالمقصود قبل الدخول في التفاصيل، ثم بعد الانتهاء من ذكر كل موقف أعلق عليه بما يكشف عن حقيقته مشيرا إلى ما فيه من المحاسن والمناقب مما يلفت النظر بعبارات وجيزة وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله تعالى التوفيق وعليه التكلان.
اسمها ونسبها:
أم سليم اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل مليكة كما أنها وصفت بأوصاف كثيرة منها الغميصاء أو الرميصاء .
وهي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية اشتهرت بكنيتها.
نبذة يسيرة عن قبيلة أم سليم رضي الله عنها:
وهي كما تقدم من الأنصار التي آوت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين من المؤمنين، وتكونت اللبنة الأولى للدعوة الإسلامية في ربوع بلدهم (المدينة)وقد تنزلت في شأنهم آيات من كتاب الله، فهم والمهاجرون هم السابقون الأولون.
وهم الذين عناهم الله بقوله جل ثناؤه ((والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة))سورة الحشر آية 9 .
وكانوا هم الغالبية العظمى في غزوة بدر وأحد، وبيعة الرضوان وغير ذلك من المشاهد المتميزة في الإسلام.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدر لهم تلك المواقف، ومن أقواله المحفوظة عنه في الأنصار قوله صلى الله عليه وسلم : " الناس شعار، والأنصار دثار" وقال صلى الله عليه وسلم : " أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم .
وقال صلى الله عليه وسلم : " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله .
بل يكفيهم فخرا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لولا الهجرة لكان امرءا من الأنصار لما لهم من مكانة في قلبه صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم مبينا مكانتهم: " لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت في وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار" فقال أبو هريرة راوي الحديث: ما ظلم بأبي وأمي آووه ونصروه أو كلمة أخرى .
فمناقب الأنصار رضي الله عنهم وثناؤهم في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا يصعب على المرء حصرها، وإيواؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين في دارهم منقبة لم يشاركهم فيها أحد، ودورهم في الدعوة وتضحيتهم بالمال والنفس في سبيلها غير خاف على أحد، فرحم الله الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء ا لأنصار.
الموقف الأول: أم سليم الأنصارية والزواج:
لقد أولى الإسلام الزواج اهتما خاصا لما فيه من أثر عظيم في تكوين اللبنة الأولى للمجتمع، فإذا صلحت تلك اللبنة صلح المجتمع فمن أجل ذلك حث الإسلام على أن يختار كل طرف الآخر على أساس من الدين فقال صلى الله عليه وسلم مخاطبا الأزواج: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" .
وفي المقابل حث أولياء أمور النساء على قبول من تقدم إليهم بالزواج منهن إذا كان من أهل الاستقامة فقال صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض .
فإذا كان الأمر كذلك فتعالوا ننظر إلى أم سليم الأنصارية رضي الله عنها كيف كان زواجها في الجاهلية والإسلام.
عاشت في بداية حياتها كغيرها من الفتيات في الجاهلية قبل مجيء الإسلام فتزوجت مالك بن النضر، فلما جاء الله بالإسلام، وظهرت شمسه في الأفق واستجابت وفود من الأنصار أسلمت مع السابقين إلى الإسلام وعرضت الإسلام على زوجها مالك بن النضر، فغضب عليها، وكان قد عشش الشيطان في رأسه، فلم يقبل هدى الله، ولم يستطع أن يقاوم الدعوة لأن المدينة صارت دار إسلام فخرج إلى الشام فهلك هناك والذي يظهر لي أن زوجها لم يخرج إلى الشام تاركا وراءه زوجته وابنه الوحيد إلا بعد أن يئس أن يثني أم سليم عن الإسلام فصار هذا أول موقف يسجل لأم سليم رضى الله عنها وأرضاها لأننا نعلم حجم تأثير الزوج في زوجته وأولاده، فاختيار أم سليم الأنصارية الإسلام على زوجها في ذلك الوقت المبكر ينبيء عن عزيمة أكيدة، وإيمان راسخ في وقت كان الاعتماد في تدبير البيت والمعاش وغير ذلك من أمور الحياة على الرجل، ولم تكن المرأة قبيل مجيء الإسلام تساوي شيئا، فكونها أخذت هذا القرار من الانفصال بسبب الإسلام عن زوجها الذي في نظرها يعتبر كل شيء في ذلك الوقت فيه دلالة على ما تمتاز به هذه المرأة المسلمة من الثبات على المبدأ مهما كلفها من متاعب.
زواجها في الإسلام :
أما زواجها في الإسلام فذاك هو العجب بعينه ولم يتكرر في التاريخ مثله فعن أنس رضي الله عنه قال: " خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسأل غيره، فأسلم وتزوجها أبو طلحة .
وفي رواية عند الحاكم أن أبا طلحة خطب أم سليم يعني قبل أن يسلم فقالت: يا أبا طلحة الست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان، إن أنت أسلمت لا أريد من الصداق غيره، قال: حتى أنظر في أمري فذهب فجاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقالت: يا أنس زوج أبا طلحة.
فانظر كيف أن أم سليم أرخصت نفسها في سبيل دينها ومبدئها وكيف أنها استعملت الحكمة للوصول إلى هدفها، فهي من جهة بينت له ضلال ما هو عليه من عبادة الأشجار والأوثان وذلك ما تستقبحه الطبائع السليمة ومن جهة ثانية مدحته بما فيه من الخصال الطيبة وأثنت عليه بقولها (مثلك لا يرد)أي أن فيك من صفات الرجولة والحسب والجاه ما يدعو للزواج منك لولا هذه الخصلة من الكفر، ثم لم تقف عند هذا الحد بل رغبته في الزواج منها بأن أسقطت مهرها مقابل إسلامه، فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها فصارت سببا في دخول أبي طلحة في الإسلام فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم بقوله: " فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
الموقف الثاني: أم سليم الأنصارية مع ابنها أنس بن مالك في تربيته:
حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت الأنصار ومن كان فيها من المهاجرين مشغولين باستقبال النبي صلى الله عليه وسلم فرحين مستبشرين بمقدمه صلى الله عليه وسلم فجاء الجميع وهاجس كل واحد منهم أن يتشرف برؤيته صلى الله عليه وسلم وتنافس الجميع في أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم عنده ليتشرف بجواره، فصار ذلك نصيب أبي أيوب الأنصاري، فأقبلت الأفواج على بيته لزيارته صلى الله عليه وسلم، فخرجت أم سليم الأنصارية من بين هذه الجموع، ومعها ابنها أنس رضي الله عنهما فقالت: يا رسول الله هذا أنس يخدمك قال أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت. وكان أنس حينئذ ابن عشر سنين فخدم النبي صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر أنس بخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن أم سليم رضي الله عنها إنما فعلت ذلك تخلصا من أنس لأنه رضي الله عنه كان من غير زوجها أبي طلحة الحالي، والزوج غالبا ما يضيق ذرعا بأولاد زوجته من غيره، وحاشا أن يكون ذلك من أم سليم بل إن ابنها كان في نظرها كل شيء لدليل أن أنسا رضي الله عنه كان يبيت ويأكل من بيت أمه، وكان مع النبي- صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي يحتاج فيها إلى الخدمة.
وكانت أم سليم رضي الله عنها بفطنتها وذكائها ترمي من وراء ذلك تحقيق مقاصد شرعية عظيمة منها أن:
1
- خدمة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فأحبت أن يسعد بهذه الخدمة ابنها وفلذة كبدها، ومن ثم لتنال هي وابنها أجرا عظيما عند الله سبحانه وتعالى.
2
- أن يتربى ابنها أنسن في بيت النبوة ليتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم، وتلك غاية من أشرف الغايات لا يتفطن إليها إلا أولوا الألباب.
3
- أن يحوز أنس رضي الله عنه بسبب قربه من النبي صلى الله عليه وسلم أكبر قدر من سنته صلى الله عليه وسلم متمثلة في أقواله وأفعاله، فكان لها ما أرادت فصار أنس رضي الله عنه من الصحابة القلائل المكثرين لرواية الحديث.
ثم أرادت أم سليم أن تقدم لابنها أفضل جائزة تقدمها والدة لولدها، وذلك حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم سليم فلما انتهى من حاجته وهم بالرجوع قالت له أم سليم رضي الله عنها: " يا رسول الله إن لي خويصة" (تصغير خاصة)قال: " ما هي؟! قالت: خادمك رضي الله عنه (قال أنس)فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي (اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له (يقول أنس!)فإني لمن أكثر الأنصار مالا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لي لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة .
وفي رواية الجعد عند مسلم قال أنس:" فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة .
فهذا القدر من أولاده هو الذي مات في حياته قبل ذلك التاريخ، وأما الذين كانوا على قيد الحياة في ذلك الوقت فهم كما قال أنس: " وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو مائة، . أرأيتم كيف أن أم سليم رضي الله عنها اعتنت بابنها اليتيم وأحاطته بكل عناية، وحرصت عليه كل الحرص على أن يحصل على خير الدنيا والآخرة؟ فما أعظمها من أم وأحسنها من مربية رضي الله عنها وأرضاها.
فإذا كان هذا بر أم سليم رضي الله عنها بابنها فما تظنون أن يكون بر أنس رضي الله عنه بأمه، وذلك هو ما يفوق الخيال فكان رضي الله عنه همزة وصل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ينقل إليها أقواله وأفعاله حتى كأنها تشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب أم سليم بسبب ذلك، فكانت معدودة من أهله تمشي مع نسائه إلى درجة أنه كان يدخل بيتها في غيابها وينام على فراشها كما سيأتي.
وكان لأم سليم رضي الله عنها أبناء آخرون من زوجها أبي طلحة، إنما اخترنا أنسا رضي الله عنه لشهرته بخدمته النبي صلى الله عليه وسلم ولتميزه عن أبنائها الأخرين لأنه من غير زوجها أبي طلحة؟ والأبناء إن كانوا من غير الزوج الحالي عادة ما يلقون إهمالا، فإذا كان هذا حالها مع ابنها الذي هو من غير زوجها الحالي فعنايتها بأبنائها من زوجها الحالي من باب أولى.
دليل ذلك ما رواه مسلم بسنده عن أنس رضي الله عه قال: كان لأم سليم- وهي أم أنس- يتيمة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال:" أنت هيه (بإسكان الياء والهاء هاء السكت)" لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ قالت الجارية: دعا علي نبي الله أن لا يكبر سني، فالآن لا يكبر سني أبدا أو قالت: قرني فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله-صلى الله عليه وسلم فقال لها: "مالك يا أم سليم؟ " فقالت: يا نبي الله دعوت على يتيمتي قال: "وما ذاك يا أم سليم" قالت: زعمت انك دعوت أنه لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عيه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة" .
انظر كيف أن أم سليم رضي الله عنها اهتمت بأمر هذه البنت اليتيمة فما أن سمعت قوله صلى الله عليه وسلم فيها حتى كادت أن تفقد وعيها من هول ما أصابها جراء هذه الكلمة شفقة منها على هذه البنت اليتيمة، فتحركت في حينها باحثة عن النبي صلى الله عليه وسلم لاستكشاف الموقف مع أن هذه اليتيمة كانت في حجر أم سليم، و-لم تكن من أولادها لأنها لم تتزوج بعد زوجها الأول إلا أبا طلحة وقد توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي لا يتصور أن يكون لها يتيمة، وإنما كانت تربيها ابتغاء مرضات الله.
الموقف الثالث: أم سليم الأنصارية والتسليم بقضاء الله وقدره
وهذا الموقف هو من أعجب المواقف التي سجلت لأم سليم رضي الله عنها أظهرت فيه قوة وثباتا على تحمل المكاره والاستسلام لقضاء الله وقدره مع الرضا، وهو موقف يتطلب من المرأة المسلمة أن تتدبره لتدرك كيف أن الإسلام يعلو بالمرأة المسلمة - من الحضيض الذي كانت فيه أيام جاهليتها من شق الجيوب، وضرب الخدود، والدعاء بالويل والثبور إذا حلت بها مصيبة من فقد عزيز من ابن أو قريب- إلى أعلى مقامات الصبر والثبات والاحتساب في تحمل المصائب مهما عظمت.
وقد مر بنا أن أم سليم رضي الله عنها تزوجت بعد زوجها الأول أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه فولدت له ابنا، وهذا الابن هو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه ويقول له، يا أبا عمير ما فعل النغير .
وعند ابن حبان " فحملت (منه)فولدت غلاما صبيحا، فكان أبو طلحة يحبه حبا شديدا، فعاش حتى تحرك فمرض، فحزن أبو طلحة عليه حزنا شديدا حتى تضعضع (أي خضع وذل)وأبو طلحة يغدو ويروح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فراح روحة فمات الصبي.
وإليك القصة كما عند البخاري قال أنس رضي الله عنه: "اشتكى ابن لأبي طلحة فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه مات هيأت شيئا ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة قال: فبات فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما " قال سفيان: قال رجل من الأنصار فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قرأوا القران .
قال ابن حجر: وفي رواية سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال: كانت أم أنس تحت أبي طلحة، فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس رضي الله عنه وقال في آخره: فولدت غلاما، قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم ختم القرآن .
وفي رواية لمسلم من حديث أنس رضي الله عنه " مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع مثل ذلك فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم الهم أن يمنعوهم؟
قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني .
هل قرأتم أو سمعتم في التاريخ امرأة توفى ابنها، وهو ما يزال في بيتها قبل دفنه فلا يظهر منها أي جزع أو حزن فضلا عن البكاء والعويل ثم تقوم بخدمة زوجها وتهيء نفسها له حتى يقضي وطره منها كأن لم يحدث شيء؟ وفوق ذلك كله حاولت أن تخفف عن زوجها من هول صدمة الخبر قبل سماعه بقولها: " يا أبا طلحة لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم، قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني
فجمعت في هذه الألفاظ القليلة بين حسن الاستهلال لما ترمي إليه من وجوب التسليم لقضاء الله وقدره، وبين العزاء له بأسلوب رقيق مقنع ومع ذلك لم يعجب هذا الصنيع زوجها فاشتكاها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بموت ابنه وما فعلته زوجته البارحة فما أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته حتى قال: "أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما . فكان ثمرة ذلك الصبر الفريد- من نوعه أن صار سببا لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهما بالبركة فيما حصل منهما في تلك الليلة، فاستجاب الله لهما تلك الدعوة فحملت من ذلك اللقاء فجاءت بابن، وكان لهذا الابن سبع بنين كلهم قرأوا القرآن أي حفظوه كما تقدم، إضافة إلى ما وعد الله الصابرين يوم القيامة من أن يوفيهم أجرهم بغير حساب.
الموقف الرابع: أم سليم الأنصارية والفقه في دين الله
إن حرص المرء المسلم على التفقه في الدين والاجتهاد في طلب العلم ثم العمل بما تعلم لفيه دلالة على أن الله أراد به خيرا كيف لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" .
وأم سليم رضي الله عنها من نساء الأنصار وهن من أحرص الناس على طلب العلم والتفقه في دين الله قالت عائشة رضي الله عنها:" نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين " .
وأم سليم الأنصارية مع كونها من نساء الأنصار المعروفات بالحرص على طلب العلم كانت مميزة من بينهن مشهورة بذلك، وساعدها على ذلك قربها من النبي صلى الله عليه وسلم دائما فكان صلى الله عليه وسلم كثير الزيارة لها، قال أنس: " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجه، فقيل له؟ فقال: " إني أرحمها قتل أخوها معي ".
بل كانت أم سليم معدودة في أهله صلى الله عليه وسلم لكثرة تواجدها مع نسائه في سفره وإقامته قال أنس رضي الله عنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال:"ويحك يا أنجشة، رويدك سوقا بالقوارير ".
إضافة إلى ما سبق فابنها أنس بن مالك رضي الله عنه كان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل إليها كل ما سمع من أقواله صلى الله عليه وسلم أو شاهد من أفعاله، فصار بيتها بذلك بيت علم وقد ساعد كل ذلك أم سليم رضي الله عنها أن تتصدر في هذا المجال.
ومن النماذج الدالة على حرصها في طلب العلم أن أم سليم ورضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: "إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي- صلى الله عليه وسلم : " إذا رأت الماء " فغطت أم سلمة- تعني وجهها- وقالت يا رسول الله: وتحتلم المرأة؟ قال: " نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟ ".
وفي رواية عند مسلم قالت عائشة رضي الله عنها:" يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: " بل أنت تربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك " .
وفي رواية عند أبي داود في سننه في الطهارة: " إنما النساء شقائق الرجال ".
ولما أرادت أم سليم رضي الله عنها أن تسأل عن هذا الأمر الذي يصعب على المرأة أن تبوح بمثله عند الرجال لا سيما عند النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطي من المهابة ما لم يعط أحدا من الملوك مع تواضعه مهدت له بقولها: " إن الله لا يستحي من الحق.. إلخ. وبهذا الجد والمثابرة وبذلك القرب من النبي صلى الله عليه وسلم ورثت علما كثيرا عنه لا سيما فيما يتعلق بأمور النساء مما جعلها محل أنظار أهل العلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
ففي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضي الله عنهما عن امرأة طافت ثم حاضت قال لهم: تنفر، قالوا: لا نأخذ بقولك وندع قول زيد رضي الله عنه قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم فذكرت حديث صفية " أي قول النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة عقرى حلقى إنك حابستنا أما كنت طفت يوم النحر؟ قالت: بلى، قال: فلا بأس انفري " .
فسؤال ذلك الوفد أم سليم رضي الله عنها عن هذه المسألة التي وقع فيها الخلاف بين الصحابة حين رجوعهم إلى المدينة، وفيها كثير من الصحابة، فيه دلالة على أنها كانت ممن عرفن من النساء بالعلم في المدينة فرحم الله أم سليم رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.
الموقف الخامس: أم سليم الأنصارية وشدة حرصها على التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم:
والبركة في اللغة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء . والمقصود به هنا " هو طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر وكل ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه بسبب ذات النبي صلى الله عليه وسلم بشرطين: أن تكون هذه البركة قد ثبتت بسبب شرعي، وأن تكون الكيفية ثابتة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم " .
وقد تقدم في الموقف الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها كثيرا ويدخل بيتها وينام على فراشها في غيابها وكانت حريصة كل الحرص على التبرك به صلى الله عليه وسلم في طعامه وشرابه وعرقه وشعره كيف لا تكون كذلك؟ وقد رأت بعينها معجزاته تظهر في طعامها مرات عديدة كما سيأتي.
فعن أنس رضي الله عنه: " أن أم سليم رضي الله عنها كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا (بساط من الجلد)فيقيل عندها على ذلك النطع قال: فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك (أي من طيب مركب)وهو نائم (قال الراوي)فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل في حنوطه من ذلك السك فجعل في حنوطه .
وفي رواية عند مسلم قال أنس رضي الله عنه: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندها (أي من القيلولة)فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب ".
ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز التبرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين وهم أحرص الناس على فعل الخير ولما لم يفعل ذلك أحد منهم دل ذلك على أن التبرك خاص به صلى الله عليه وسلم.
وكانت أم سليم تسعى لأن تشمل هذه البركة كل أفراد أسرتها لعلمها بما يرجع عليها وعلى أسرتها من النفع الكثير من أثر ذلك التبرك ولذا كانت حريصة إذا جاءها مولود أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من يحنكه قال أنس رضي الله عنه:" لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس، انظر هذا الغلام فلا يصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه، فغدوت به فإذا هو في حائطه، وعليه خميصة حريثية (نسبة إلى رجل اسمه حارث)وهو يسم (من الوسم)الظهر الذي قدم عليه الفتح ".
فمن شدة حرصها على التبرك به صلى الله عليه وسلم تعجب النبي صلى الله عليه وسلم حتى سألها عن ذلك فقالت: يا رسول الله نرجو بركته فقال النبي صلى الله عليه وسلم مقرا لها على فعلها: "أصبت ".
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف حرص أم سليم على ذلك ويقدر.لها ذلك ويمكنها من التبرك به صلى الله عليه وسلم كلما أمكن، ولذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما حلق شعره يوم النحر " أشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا، فقسم شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق وإلى الجانب الأيسر فحلقه فأعطاه أم سليم ".
فهكذا ساوى النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم بالناس حين أعطاها وحدها نصف شعر الرأس، وأعطى بقية الناس النصف الآخر، وما ذاك إلا تقدير منه صلى الله عليه وسلم لأم سليم على اعتنائها الشديد بتتبع آثاره، وهو دليل على حبها الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم وقربها منه صلى الله عليه وسلم.

الموقف السادس: أم سليم والجهاد في سبيل الله

الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام ولن يكون لأهله عز في الدنيا ولا رفعة في الآخرة إلا به، وقد شرعه الله لنشر الإسلام وإعلاء كلمته وإقامة شرعه والقضاء على الفتنة قال تعالى: ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ))(سورة الأنفال – آية39). ولم يوجب الإسلام على النساء الجهاد في سبيل الله أي المقاتلة، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد فقال: " عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة، وفي رواية عند البخاري قالت عائشة رضي الله عنها: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد قال: " لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور ".
وهو حكم متفق عليه لدى فقهاء الأمصار جميعا، وذلك لما يحتاج إليه الجهاد من الشدة والغلظة والمصابرة، وهو غير متوفر في النساء لضعف خلقتهن ورقة قلوبهن وقد اقتضت حكمة الله في التشريع وهو الحكيم العليم أن كلف كلا من الصنفين ما يليق بحاله جسما وعقلا وروحا.
إذن فخروج النساء مع المجاهدين في سبيل الله لمعنى آخر غير القتال وهو مساعدة الرجال فيما يحتاجون إليه من طبخ الطعام وسقاية المجاهدين ومداواة الجرحى ومناولة السهام قال إبراهيم النخعي: " كان النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى" وبمثله قال الزهري.
ولم تكن أم سليم تتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته إلا في النادر، وكان زوجها أبو طلحة من أقوى الرماة بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس يدافع عنه رضي الله عنه وأرضاه، وقد أدت أم سليم رضي الله عنها في ذلك اليوم العصيب دورا عظيما قال أنس رضي الله عنه " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم رضي الله عنهما وإنهما لمشمرتان- أي قدم سوقهن- تنقزان (وقال غيره: تنقلان)القرب على متونهما (أي ظهورهما)ثم تفرغانه في أفواه القوم فتملآنها ثم تجيئان فتفرغان في أفواه القوم).
الله كبر لقد ثبتت أم سليم وعائشة- رضي الله عنهما- حين انهزم معظم الرجال تقومان فيه بالإسعافات الأولية للجرحى وتساعدان من بقي من الرجال في المعركة.
قال ابن حجر- وهو من المحققين المعروفين بالاستقصاء-" ولم أرى في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن وفي هذا رد على الذين يريدون أن يقحموا المرأة في كل الميادين انطلاقا من قاعدة مساواة المرأة بالرجل بلا استثناء فإذا عثروا على مثل هذه النصوص من خروج المرأة مع المجاهدين نادوا بملء أفواههم قائلين: إن في هذا دليلا على أن المرأة تجاهد مع الرجال جنبا إلى جنب إلى غير ذلك من المقولات المغرضة التي يرددها بعض من يسمون بالمفكرين الإسلاميين الذين انهزموا نفسيا وثقافيا أمام وهج الحضارة الغربية، فلا يهدأ لهم بال حتى يجعلوا المرأة المسلمة صورة للمرأة الغربية التي وصلت إلى درجة أحط قدرا من المرأة في الجاهلية بكثير بل نزلت عن درجة البهائم ومع ذلك تجد من ينتسب إلى الإسلام من ينظر إليها نظرة إعجاب، ولقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال:" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن .
ولما كان يوم حنين- وكانت معركتها بعد فتح مكة- وكان عدد المسلمين أكثر بكثير من عدوهم إذ كان العدو من قبيلة هوازن، وكان حال كل من الفريقين ما ذكره الله في كتابه(( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ))سورة التوبة آية:25.
فانهزم الناس وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عدد قليل من أصحابه لا يتجاوز عددهم اثني عشر رجلا، فكانت أم سليم مع من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الحرج فعند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن أم سليم رضي عنها اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك... " بل إن أم سليم لم تستسغ هذا الموقف، ولم تجد عذرا لبعض من انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم من مسلمة الفتح فقالت قولتها المشهورة (يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك فقال رسول الله: يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن " .
وهكذا سطرت أم سليم في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم صفحات من نور، وضربت في ذلك أروع الأمثلة للمرأة المسلمة في التضحية والإخلاص وستبقى هذه المواقف لأم سليم رضي الله عنها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الموقف السابع: أم سليم الأنصارية والوفاء بالعهد:
الوفاء بالعهد سمة من سمات الإيمان بالله تبارك وتعالى بل هو من أهم مقتضياته وإن الإخلال به يدخل المرء في شعب النفاق ويعرضه للطعن في عدالته ومن أجل ذلك حذرنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم من الإخلال بالوفاء بالعهد فقال:" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" .
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ على النساء بالبيعة في ترك خصال من الكبائر كن يرتكبنها أو بعضهن في الجاهلية فقال جل ثناؤه: ((يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ))سورة الممتحنة:آية12 .
وإنما نهاهن الله تعالى عن تلك الأمور لما فيها من مخالفة ما التزمن به من الإسلام الذي يحرم على المرأة ا المسلمة ارتكاب أية واحدة منهن وإن اختلفت جهتها وتعددت أسبابها.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ على النساء بالبيعة في مناسبات متعددة وكانت البيعة تقع أحيانا على أمور غير المذكورات في الآية لأهميتها أيضا وكثرة وقوعها من النساء.
قالت أم عطية رضي الله عنها:" أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة- أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سيرة امرأة معاذ وامرأتين أو ابنة أبي سيرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى .
قال ابن حجر نقلا عن القاضي عياض: " معنى الحديث لم يف ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه إلا المذكورات لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمسة ))
ومهما يكن الأمر فإن أم سليم رضي الله عنها جاءت في الصدارة فيمن وفى من النساء بما أخذ عليهن في تلك البيعة من عدم النياحة على الميت بل كيف يعقل أن تنوح أم سليم على ميت، وهي التي حينما مات ابنها جهزته ووضعته في جانب من البيت ثم تزينت لزوجها حتى واقعها ولم يظهر منها أي جزع فضلا عن البكاء كما تقدم في الموقف الثالث؟.
وهكذا صارت أم سليم نموذجا رائعا ومثلا حيا لكل المؤمنين والمؤمنات في هذا الموقف وغيره من المواقف السابقة.
الموقف الثامن: كرم أم سليم الأنصارية وحسن ضيافتها وظهور معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في طعامها:
إن الجود من مكارم الأخلاق وقد جاءت الشريعة بالحث عليه وهو أيضا من التكافل الاجتماعي الذي لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويسود الوئام بين أفراده إلا به، والصدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم برهان أي علامة دالة على إيمان صاحبه لأنه (أي الأيمان)هو الباعث الحقيقي على البذل في وجوه الخير لما يرجو صاحبه من ثواب الله له على ذلك في يوم هو أحوج ما يكون إليه ولثقته بوعد الله بأن يخلف له خيرا مما أنفقه قال تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ))سورة سبأ الآية 39.
كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما أنزلت هذه الاية (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة رضي الله عنه- وهو زوج أم سليم الأنصارية- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تعالى يقول (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ))وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال: فقال رسول الله: بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه .
وأما أم سليم الأنصارية رضي الله عنها فكانت من أسرع الناس إلى البذل في وجوه الخير بما تجود به نفسها، ومواقفها في ذلك كثيرة لا تكاد تحصى.
ولكن من أبرز تلك المواقف وأعجبها ما كان في طعامها من ظهور معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي- قال أنس رضي الله عنه، قال أبو طلحة لأم سليم رضي الله عنها: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟
قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله قال: فذهبت به فوجدت رسول الله في المسجد، ومعه الناس فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس أرسلك أبو طلحة؟ قال: فقلت نعم فقال: الطعام؟ فقلت: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا قال: فانطلق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس، وليس عندنا ما- يطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله ما شاء أن يقول ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا " .
فهذا الفضل وإن شاركها فيه زوجها أبو طلحة صاحب الفكرة وهو أبو الأسرة إلا أن لأم سليم الأنصارية الفضل أيضا في إظهار ما عندها من الطعام ولو كان يسيرا، فلو أنها قالت لزوجها حين سألها عما عندها ليس عندي شيء وتعني بذلك ما يصلح لأن يكون طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم لكانت صادقة ولكن رغبتها الشديدة فيما عند الله وإيثارها النبي صلى الله عليه وسلم على نفسها وعيالها جعلها تخرج ما كان في بيتها من طعام وإن قل قدره وضعفت نوعيته ولذا كافأها الله بسبب إخلاصها في حبها للنبي صلى الله عليه وسلم وحسن نيتها بأن بارك الله في ذلك الطعام القليل ببركة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكل منه العدد الكثير.
وقد تكررت هذه المواقف النبيلة من أم سليم دون مشاركة زوج أو ابن مع ظهور معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في كل مرة، فقد روى البخاري من حديث أنس بن مالك قال الراوي: مر بنا (أي أنس)في مسجد بني رفاعة فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنيات أم سليم دخل عليها، فسلم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب فقالت أم سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله غليه وسلم هدية فقلت لها: افعلي فعمدت إلى تمر وسمن وأقط فاتخذت حيسة في برمة فأرسلت بها معي إليه فانطلقت بها إليه فقال لي: ضعها ثم أمرني فقال: ادع لي رجالا سماهم، وادع لي من لقيت قال: ففعلت الذي أمرني فرجعت فإذا البيت غاص بأهله فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على تلك الحيسة، وتكلم بها ما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه يقول لهم: اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجل مما يليه ثم تصدعوا (تفرقوا)كلهم عنها .
وفي رواية لمسلم " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله فصنعت أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت: " يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرأ عليك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله، قال: فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: إن أمي تقرأ عليك السلام فذكر الحديث إلى أن قال: فدعوت من سمى ومن لقيت قال: قلت لأنس كم كانوا؟ قال: زهاء (أي قدر)ثلاثمائة وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس هات التور قال: فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليتحلق عشرة عشرة، وليأكل كل إنسان مما يليه قال: فأكلوا حتى شبعوا قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم فقال لي: يا أنس ارفع قال: فرفعت فما أدري حين وضعت كان اكثر أم حين رفعت .
وهكذا حازت أم سليم على هذا الشرف العظيم والفضل الجسيم بظهور معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم مرارا في طعامها وحلول بركة النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكم كانت فرحتها حين يكون طعامها القليل الذي يسعه التور يشبع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم ثلاثمائة وفيهم- من أضناهم الجوع ولم يكن يجد ما يسد به جوعته في غالب أيامه.
فأم سليم رضي الله عنها دفعت في هذا قليلا من الطعام وأجرت عليه كثيرا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء مع رؤية الجميع لهذه المعجزة النبوية في طعامها التي ازدادوا بها إيمانا على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم فرضي الله عن أم سليم فقد كانت سباقة إلى كل خير حريصة على اغتنام الفرصة وإيصاله في الوقت المناسب.
أم سليم الأنصارية وبشارتها بالجنة:
كان عاقبة ذلك النضال وتلك التضحيات من أم سليم الأنصارية محمودة وقد تقبل الله منها تلك المواقف قبولا حسنا فسعدت به دنيا وأخرى فهي ممن يقال لها يوم القيامة إن شاء الله تعالى ((كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)).
وغاية ما يتمنى المرء في هذه الدنيا أن يبشر بالجنة ونعيمها، وهو على قيد الحياة من قبل من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فتلك سعادة لا تدانيها أية سعادة، وقد أعطى الله أم سليم رضي الله عنها هذا الفضل العظيم بمنه وكرمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
فقد روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهـما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن؟ فقال: لعمر فأردت أن أدخله، فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله: أعليك أغار".
وإنما قلت في حال حياتها لأنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم في حدود الأربعين من الهجرة كما سيأتي.
وفي رواية لمسلم " فسمعت خشفة فقلت: من هذه؟ قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك).
وهكذا صارت أم سليم في مستقر رحمة الله في جنة عرضها السموات والأرض بجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
فيا لها من سعادة أبدية فهنيئا لأم سليم رضي الله عنها بهذا الفضل العظيم وهنيئا لها ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم- لها بالجنة.
تلك هي أم سليم الأنصارية وما تركته لنا من مواقف هي في الحقيقة بطولات في ميادين المنافسة بضروب من الطاعات ومشاهد من التضحيات مع ثبات على المبدأ في السراء والضراء والأخذ بالعزيمة على النفس في المنشط والمكره وهذه المواقف عدة للصابرين وزاد يتزود بها السالك في درب الخير.
وفاة أم سليم الأنصارية:
توفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية فرضي الله عن أم سليم وأرضاها.


الخاتمة
تبين لنا من خلال ما تقدم أن أم سليم الأنصارية قد أسهمت في بناء المجتمع بكل ما تقدر عليه من التضحية بالنفس والمال في سبيل الدعوة وحازت بذلك مناقب جمة أورثتها ذكرا حسنا في الدنيا عند المؤمنين وتنال بها الأجر والمثوبة عند الله يوم القيامة كما أخبر عنها بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
وأعطت بذلك صوره مشرقة عن المرأة المسلمة وكيف أنها تستطيع أن تؤدي دورها المنوط بها في المجتمع كامرأة مع المحافظة على القيم والتعاليم الإنسانية.
أفلا يجدر بالمرأة المسلمة أن تتخـذ بأم سليم وغيرها من الصحابيات قدوة لـها دون أن تغتر بدعوات المغرضين الذين يتخذون المرأة وسيلة لتحقيق أهدافهم في المجتمع باسم الحرية والمساواة.
وحتى لا تقع المرأة المسلمة فريسة لكل الأهواء لابد أن تتفقه في دين الله لتكون على بصيرة من أمرها حينها تستطيع أن تؤدي رسالتها على الوجه المطلوب بعيدة كل البعد عن كل ما يخدش كرامتها ويسيء إلى سمعتها كمسلمة.
والله المسؤول أن يوفق الجميع لما فيه خير هذه الأمة دنيا وأخرى إنه ولي ذلك والقادر عليه ة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ( أبان)بن ذكوان بن أمية بن عبد سمش بن عبد مناف بن قصي، الأموي .


أم كلثوم بنت عقبة

رضي الله عنها


إشراف الأستاذ : خالـد خميس فــرَّاج

المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
إسلامها وهجرتها:
أسلمت في مكة، وبايعت . ولم يتهيأ لها هجرة إلى سنة سبع للهجرة. وكان خروجها زمن صلح الحديبية، وكان من الأمور الصعبة على أم كلثوم كفتاة وحيدة الخروج وحدها لتقطع الطريق إلى المدينة دون حماية .ورغم المخاطر خرجت أم كلثوم من مكة وحدها. وفي الطريق قام بحراستها أحد المؤمنين من قبيلة خزاعة، وصحيح أن الخروج مع شخص غريب حرام ولكن في حالة أم كلثوم كان يجب عليها أن تهاجر بأي طريقة؛ لكي لا تفتن في دينها، وفي ذلك الوقت لم تنزل بعد آيات التحريم والحجاب. وعندما بلغت المدينة المنورة ظنت أنها بوصولها هدفها قد بلغت بر الأمان، ولم تكن تعلم أن أخويها : الوليد وعمار قد انطلقا من مكة خلفها، فلم يمض يوم على استقرارها في المدينة إلا ووصل الشقيقان إلى المدينة وتقدما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقولا له "أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه"، فوقفت أم كلثوم بجرأة لتقول: " يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت، أفتردني إلى الكفار يفتنونني في ديني ولا صبر لي" [1] فأنزل الله تعالى فيها وفي النساء من مثل حالتها، سورة الممتحنة، ونزل فيها قوله تعالى :( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن)الممتحنة:11،10
فكان يقول لهن محلفا: (الله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام ! ما خرجتن لزوج ولا مال ؟). فإذا قلن ذلك، لم يرجعهن إلى الكفار. وعندما قالت أم كلثوم هذا، التفت الرسول (صلى الله عليه وسلم)إلى الوليد وعمارة قائلا:" قد أبطل الله العهد في النساء بما قد علمتاه"، فانصرفا.وذكر ابن إسحاق أن أخويها رحلا بعد رفض النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يردها إليهما.

حياتها في المدينة وزواجها:
في المدينة تزوجت أم كلثوم من أربعة صحابة، وهم من أعظم الصحابة. فتزوجت حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)زيد بن حارثة الذي قتل يوم مؤتة، وبعد استشهاده تزوجت - رضي الله عنها- من الزبير بن العوام، وولدت زينب ثم طلقها، فتزوجت مرةً أخرى من أغنى الصحابة عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميداً وإسماعيل، وعندما توفي عنها، تزوجها عمرو بن العاص وهو أحد المبشرين بالجنة، وقد توفيت بعد شهر من زواجه.وقد جاء أجلها(رضي الله عنها)في خلافة علي (كرم الله وجه).
دورها في رواية الحديث النبوي:
روت هذه الصحابية الجليلة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)عشرة أحاديث في مسند بقي بن مخلد، ولها أيضاً في "الصحيحين" حديث واحد. وهو حديث حالات الكذب، وسنده ومتنه التالي :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن بن شهاب أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا (رواه البخاري)[2]
وعنها رضي الله عنها، " ولم أسمعه – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم – يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها] رواه أحمد ومسلم.


و‏حدثنا ‏ ‏عمرو الناقد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب بن إبراهيم بن سعد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏مثله غير أن في حديث ‏ ‏صالح ‏ ‏وقالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول ‏(‏ الناس )إلا في ثلاث بمثل ما جعله ‏ ‏يونس ‏ ‏من قول ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏و حدثناه ‏ ‏عمرو الناقد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل بن إبراهيم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏إلى قوله ‏ ‏ونمى خيرا ولم يذكر ما بعده [3]
حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال: حدثني عبد العزيز بن عمران عن مجمع بن يعقوب الأنصاري، عن الحسن بن السالب بن أبي لبابة، عن عبد الله بن أبي أحمر قال: قالت أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط: أنزل فيّ آيات من القرآن، كنت أول من هاجر في الهدنة حين صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قريشاً على أنه من جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بغير إذن وليه رده إليه، ومن جاء قريشاً ممن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يردوه إليه، قالت: فلما قدمت المدينة قدم عليّ أخي الوليد بن عقبة، قالت: ففسخ الله العقد الذي بينه وبين المشركين في شأني، فأنزل الله:” يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " إلى قوله: [ ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجوره).قالت: ثم أنكحني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)زيد بن حارثة، وكان أول من نكحني فقلت: يا رسول الله، زوجت بنت عمك مولاك؟ فأنزل الله: [ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ] قالت: فسلمت لقضاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم).ثم قتل عني فأرسل إلى الزبير بن العوام أبي بن خالد فاحبسني على نفسه. فقلت نعم، فأنزل الله: [ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله]. قالت: ثم حللت فتزوجت الزبير، وكان ضراباً للنساء، فوقع بيني وبينه بعض ما يقع بين المرء وزوجه فضربني وخرج عني وأنا حامل في سبعة أشهر، فقلت: اللهم فرق بيني وبينه، ففارقني فضربني المخاض فولدت زينب بنت الزبير، فرجع وقد حللت فتزوجت عبد الرحمن بن عوف، فولدت عنده إبراهيم ومحمداً وحميداً بني عبد الرحمن بن عوف، وعن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه: أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تحت الزبير بن العوام، وكانت له كارهة، وكان شديداً على النساء، فكانت تسأله الطلاق فيأبى، فضربها المخاض وهو لا يعلم، فألحت عليه يوماً وهو يتوضأ للصلاة فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة فوضعت، فأتبعه إنسان من أهله وقال: إنها وضعت، قال: خدعتني خدعها الله، فأتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله، أخطبها قال: لا، لا ترجع إلي ذكر اللعان [4]
وروى عنها ابناها : حميد، وإبراهيم، وبسرة بنت صفوان.وروى لها الجماعة، سوى ابن ماجة. وساق أخبارها ابن سعيد وغيره. رحم الله هذه الصحابية الجليلة .
الخاتمة:
حقاً أن هذه الصحابية من أعظم نساء الأمة السلامية التي يجب على المسلمات اتخاذها قدوة لهن في التمسك بدينهم؛ لأنها تركت للأمة الإسلامية أ روع مثال للمرأة المدافعة والمحبة لدينها والتي لا تخاف في الله لومة لأم في قول الحق. والأسباب التي جعلتها من بين النساء المشهورات التي كتب عنها المؤرخون منها : وقوفها في وجه الكفار للدفاع عن دينها، ثانياً: دورها الفعال في المدينة وفي رواية الحديث، وأخيرا زواجها من أربع يعدون من أعظم صحابة رسول الله عليه وسلم.
رحما الله هذه المرأة الجليلة وجعلها قدوتاً للمسلمين عامة والمسلمات خاصة.






الهوامش :


[1]
الأمام شمس الدين محمد/سير أعلام النبلاء/ص 276
[2]
انظر http://www.a- صلى الله عليه وسلم-abia.com/hadeeth/hadeeth_body/0,2135,57-2,00.html
الأمام مسلم/صحيح الأمام مسلم/رقم الحديث(4717)[3]
http://www.alshi
- صلى الله عليه وسلم-azi.com/compilations/histo- صلى الله عليه وسلم-y/madineh/pa- صلى الله عليه وسلم-t.3/1.htm [4]


المصادر:
· ·
الأمام شمس الدين محمد الذهبي، سير أعلام النبلاء.
· · http://nasseejoha.naseej.com.sa/detaill.asp?InNewsltemID=4410
· · http://www.alshi
- صلى الله عليه وسلم-azi.com/compilations/histo- صلى الله عليه وسلم-y/madineh/pa- صلى الله عليه وسلم-t.3/1.htm

· ·
الأمام مسلم ،الصحيح الأمام مسلم، رقم الحديث(4717).


http://www.angelfi
- صلى الله عليه وسلم-e.com/ok3/nesa/kalthom




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


أم هانئ بنت أبي طالب
(
رضي الله عنهـا)

أم هانئ بنت أبي طالب

رضي الله عنها


المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،


- السيدة الفاضلة :
أم هانئ بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي طالب، الهاشمية، المكية، أخت علي وجعفر .

- كانت تحت هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، فهرب يوم الفتح إلى نجران .

- أولادها : عمرو بن هبيرة، وجعدة، وهانئاً، ويوسف .

- عاشت إلى بعد سنة خمسين .

- عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله : أن أبا مرة مولى أم هانئ أخبره : أنه سـمع أم هانئ تقول : ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب، فسـلمت، فقال:( من هـذه ؟ )، قـلت : أنا أم هانئ بنت أبي طـالب، فـقال : مرحبـاً بأم هانئ، فلما فـرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفاً بثـوب، فقلت : يارسول الله، زعم ابن أمي – تعني علياً – أنه قاتل رجـلاً قد أجـرته : فلان ابن هبيرة، فقال : ( قد أجرنا من أجرت ياأم هانئ )، وذلك ضحى .

- وقيلل: إن أم هانئ لما بانت عن هبيرة بإسلامها خطبها رسـول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة مصبية [ ذات صبيان ]، فسكت عنها .

نزهة الفضلاء 1/ 154




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


أم ورقة بنت عبد لله الأنصارية
بشرها الرسول e بالشهادة وهي في بيتها رضي الله عنها
(
رضي الله عنهـا)

إشراف الأستاذ : خالد خميس فــرَّاج
المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
اسمها وكنيتها:
هي أم ورقة بنت عبد لله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية. وقيل: أم ورقه بنت نوفل،وهي مشهورة بكنيتها. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة.
فضلـــــها:
أم ورقه الأنصارية واحدة من الأنصاريات اللائي سطرن أروع الصفحات في تاريخ الإسلام، وقد أسلمت مع السابقات .1 وكانت من فضليات نساء عصرها، ومن كرائم نساء المسلمين [1]. نشأت على حب كتاب الله تعالى وراحت تقرأ آياته أناء الليل وأطراف النهار حتى غدت إحدى العابدات الفاضلات. فجمعت القرآن، وكانت تتدبر معانيه، وتتقن فهمه وحفظه، كما كانت قارئه مجيدة للقرآن، واشتهرت بكثرة الصلاة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر أم ورقة ويعرف مكانتها ويكبر حفظها وإتقانها، ويأمر بأداء الصلاة في بيتها.

مشاركتها في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما عن حبها رضي الله عنها للجهاد والشهادة في سبيل الله فهاهي تحدثنا عن ذلك فتقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قلت له : ائذن لي في الغزو معك، وأمراض مرضاكم لعل الله أن يرزقني الشهادة . قال : قري في بيتك فان الله تعالى يرزقك الشهادة. 2 وعادت الصحابية العابدة أم ورقة إلى بيتها سامعه مطيعة أمر النبي صلى الله عليه وسلم لان طاعته واجبة .

وغدت أم ورقة رضي الله عنها تعرف بهذا الاسم المعطار "الشهيدة " بسبب قوله صلى الله عليه وسلم : " قري في بيتك فان الشهادة " ولما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد زيارتها اصطحب معه ثلة من أصحاب له قائلا " انطلقوا بنا نزور الشهيدة " .
وظلت الصحابية الجليلة أم ورقة رضي الله عنها تحافظ على شعائر الله تعالى طوال حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت تنتظر ما بشرها الرسول، صلى الله عليه وسلم. وانتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وهو راض عن أم ورقة، ثم جاء عهد أبي بكر، رضي الله عنه، فتابعت حياه العبادة والتقوى على الصورة التي كانت عليها من قبل.

تحقق بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالشهادة :

لقد بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة. عندما طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترك في الجهاد وتداوي جراح وأمراض المرضى . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرا :" إن الله يهديك الشهادة وقري في بيتك فانك شهيدة ".

وفاتها و(استشهادها)رضي الله عنها:
في عهد عمر كان رضي الله عنه بتفقدها ويزورها اقتداء بنيه صلى الله عليه وسلم. وقد كانت أم ورقة تملك غلاما وجارية، كانت قد وعدتهما بالعتق بعد موتهما، فسولت لهما نفساهما أن يقتلا أم ورقة، وذات ليله قاما إليها فغمياها وقتلاها، وهربا فلما أصبح عمر رضي الله عنه قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة فدخل الدار فلم ير شيئا، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت فقال: صدق الله ورسوله، ثم صعد المنبر فذكر الخبر، وقال: علي بهما، فأتى بهما فكانا أول مصلوبين في المدينة . 3 فرحم الله تعالى الصحابية الأنصارية والشهيدة العابدة أم ورقة ورضي الله عنها وأرضاها .
الأحاديث التي رويت عنها:
قول عمر : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول : انطلقوا بنا نزور الشهيدة وري عنها .4 روى حديثها الوليد بن عبد لله بن جميع عن جده وقيل : عن أمها أم ورقة وقيل: عن الوليد عن جدته ليلى بنت مالك عن أبيها عن أم ورقه وقيل: عن الوليد عن جده عن أم ورقه ليس بينهما أحد والوليد عن عبد الرحمن من خلاء عن أم ورقه وقيل عن عبد الرحمن بن خلاء عن أبيه عن أم ورقه قالت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو معه يوم بدر قلت هذا الذي حكاه هنا موافق لما في الأصول وهو يناقض قوله في حرف الجيم أن الوليد بن عبد لله بن جميع رواه عن جده عن أم ورقة وقد نسبت في راوية أخرى إلى جد أبيها فقال: عن أم ورقة بنت نوفل .
أم ورقة الأنصارية واحدة من نساء الأنصار اللائي سطرن أروع الصفحات في تاريخ الإسلام، وقد أسلمت مع السابقات، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروت عنه . كانت من فواضل نساء عصرها، ومن كرائم نساء المسلمين .نشأت على حب كتاب الله تعالى وراحت تقرأ آياته آناء الليل وأطراف النهار حتى غدت إحدى العابدات الفاضلات . فجمعت القرآن، وكانت تتدبر معانيه، وتتقن فهمه وحفظه، كما كانت قارئة مجيدة للقرآن، واشتهرت بكثرة الصلاة حسن العبادة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر ام ورقة ويعرف مكانتها ويكبر حفظها وإتقانها، وكان يأمر بأداء الصلاة في بيتها . وأما عن حبها رضي الله عنها للجهاد والشهادة في سبيل الله فهاهي تحدثنا عن ذلك فتقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً قلت له : يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك، أمرض مرضاكم لعل الله أأن يرزقني الشهادة . قال : " قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة " . وعادت الصحابية العابدة أم ورقة إلى بيتها سامعة مطيعة أمر النبي صلى الله عليه وسلم لآن طاعته واجبة . وغدت أم ورقة رضي الله عنها تعرف بهذا الاسم المعطار " الشهيدة " بسبب قوله صلى الله عليه وسلم : " قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة "، ولما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد زيارتها اصطحب معه ثلة من أصحابه الكرام، وقال لهم " انطلقوا بنا نزور الشهيدة " . وطلت الصحابية الجليلة أم ورقة رضي الله عنها تحافظ على شعائر الله تعالى طوال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تنتظر ما بشرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وهو راض عن ام ورقة، ثم جاء عهد أبي بكر رضي الله عنه فتابعت حياة العبادة والتقوى على الصورة التي كانت عليها من قبل .وفي عهد عمر كان رضي الله عنه يتفقدها ويزورها اقتداء بنيه صىل الله عليه سولم . وقد كانت أم ورقة تملك غلاماً وجارية، وكانت قد وعدتهما بالعتق بعد موتها، فسولت لهما نفساهما أن يقتلا أم ورقة، وذات ليلة قاما إليها فغمياها وقتلاها، وهربا، فلما أصبح عمر رضي الله عنه قال : والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة فدخل الدار فلم ير شيئاً، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت فقال : صدق الله ورسوله، ثم صعد المنبر فذكر الخبر، وقال : علي بهما، فأتى بهما، فصلبهما، فكانا أول مصلوبين في المدينة . فرحم الله تعالى الصحابية الأنصارية والشهيدة العابدة ورضي عنها وأرضاها .


[1]
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام
2
أعلام النساء /الجزء الخامس/ص284 285
4
تهذيب التهذيب /شهاب الدين أحمد بن علي الشهير ب ابن حجر / المجلد السادس /ص578




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الربيع بنت معوذ
رضي الله عنها


المقدمـة:
الربيع بنت معوذ من الصحابيات اللائي عشن في ظل الإسلام، ونبتن نباتاً حسناً من شجرة دانية القطوف، مباركة الثمر، أبوها معوذ بن عفراء من كبار أهل بدر .
وزوج الربيع هو أحد كبار المهاجرين، وهو إياس بن البكير الليثي .
ولهذه الصحابية الجليلة مناقب جمة، بوأتها مكاناً علياً بين نساء المسلمين، كان منها زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها حينما تزوجت، تقول الربيع رضي الله عنها : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرسي، فقعد على موضع فراشي هذا، وعندنا جاريتان تضربان بدف، وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر وقالتا فيما تقولان :
وفينا نبي يعلم ما في غد
فقال : أما هذا فلا تقولاه .
وهذا الإنكار لأن علم الغيب مما اختص الله تعالى به نفسه، أما من كان يخبر به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الغيوب فهو من إعلام الله تعالى إياه قال الله تعالى " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلف رصداً " .
ورزق الله تعالى الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ عقلاً كبيراً صافياً، فكانت حافظة متقنة، وقد روى محمد بن عمار بن ياسر قال : قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء : صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يابني لو رأيته لرأيته الشمس طالعة .
وسارعت الربيع بنت معوذ إلى نصرة الإسلام، وساهمت مساهمة فعالة في ساحة الجهاد، تقول رضي الله عنها : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة، وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة، فنالت الرضوان، وفازت مع من فاز في هذه البيعة المباركة .
وفي حياة هذه الصحابية الكريمة مواقف فياضة بالشجاعة والكرامة، تشير إلى اعتصامها بحبل الله، وتدل على حبها العظيم للإسلام مهما غضب الأعداء، ولا تأبه بأي أحد مادام عمله يخالف الشرع المطهر، فعنها قالت : أخذت طيباً من أسماء بنت مخربة أم أبي جهل، فقالت : اكتبي لي عليك، فقلت : نعم، أكتب على ربيع بنت معوذ، فقالت : حلقى، وإنك لابنة قاتل سيده، قلت : بل ابنة قاتل عبدة . قالت : والله لا أبيعك شيئاً أبداً .
ولقد كانت الربيع مثالاً للمرأة المسلمة في علمها وروايتها للحديث الشريف، وعرف المسلمون قدرها، وأكبروا عملها، وكان عدد من الصحابة والتابعين يأتونها فيسألونها عما تعرفه من أحكام دينها، ومن مروياتها ما روى في الصحيحين عنها قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم . قالت : فكنا نصومه ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن الصوف فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذا حتى يكون عند الإفطار .
توفيت الربيع بنت معوذ في خلافة عبد الملك بن مروان، سنة بضع وسبعين .
فرم الله تعالى الربيع بنت معوذ، ورضي عنها وأرضاها وجزاها الله تعالى عن سابقتها إلى الإسلام، ومبايعتها تحت الشجرة خير ما يجزى به التقيات الصالحات

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


http://www.do
- صلى الله عليه وسلم-ah.com/ta- صلى الله عليه وسلم-bya/shakhsyat_islamyah_nesa2yah/al- صلى الله عليه وسلم-abee3.htm

الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية
رضي الله عنها


الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية إحدى النساء الفاضلات الكريمات اللواتي سعين للخير وعملن للجنة .عاشت في أسرة من أشهر الأسر التي قدمت كل خير في جميع المجالات، وأثرت التاريخ بمواقفها الفياضة بالبركات، وذلك من أول يوم لامس نور الإيمان شغاف قلبها .أبوها مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري الخزرجي الخدري الصحابي الجليل .

وأخوها الشقيق، مفتي المدينة سعد بن مالك بن سنان، أبو سعيد الخدري أحد أبطال غزوة الخندق، وأحد الأعلام في بيعة الرضوان .
وأخوها لأمها قتادة بن النعمان الأنصاري الظفري أبرز أبطال غزوة بدر الذين أبدعوا يوم أحد، شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان من الرماة المعدودين .وبين هذه الفئة الطيبة نشأت الفريعة بنت مالك رضي الله عنها تنهل المكارم والفضائل، لتترك لمسات مباركة في تاريخ نساء الإسلام .وفي وقعة أحد كانت الفريعة رضي الله عنها تنتظر بفارغ الصبر عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد سالماً ،
بعد أن تناثرت الأخبار بإصابته عليه الصلاة والسلام، وبسقوط عدد كبير من المسلمين، عاد أبو سعيد إلى أخته الفريعة وإلى أهله يبشرهم بسلامة النبي صلى الله عليه وسلم وعودته ثم أخبرهم أن الله تعالى قد اتخذ شهداء بإذنه منهم والده، فحمدوا الله تعالى على سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل مصيبة بعده هينة .

واحتسبت الفريعة وصبرت على موت زوجها سهل بن رافع بن بشير الخزرجي الذي عاشت معه مدة، حيث إنه خرج مرة في طلب عبيد له فغدروا به وقتلوه قرب المدينة المنورة، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فاعتدت في بيتها أربعة أشهر وعشراً، وامتثلت بذلك أمر النبي صلى الله لعيه وسلم فلما تمت عدتها، وبلغ الكتاب أجله خلف عليها سهل بن بشير بن عنبسة أحد بني ظفر من الأنصار .

وظلت الفريعة تتابع أحداث الإسلام في أطواره المختلفة وتشارك في الأمور التي يسمح بها دينها وكانت رضي الله عنها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة بالحديبة في السنة السادسة من الهجرة، وبذلك كانت من أولئك النفر الذين أثنى الله تعالى عليهم بقوله : " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ بايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً " .

وقد أجمع على أن الفريعة حضرت بيعة الرضوان هذه، والتي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طال احتباس عثمان بن عفان رضي الله عنه بمكة ،
ونالت بذلك شارة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن حفصة : " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد .

الذين بايعوا تحتها " قالت : بلى، يارسول الله ! فانتهرها . فقالت حفصة : " وإن منك إلا واردها " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد قال الله عز وجل : " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً " .رضي الله تعالى عن الفريعة بنت مالك الصحابية الجليلة، وأخت الصحابيين الجليلين، وبنت الصحابية الجليلة .


http://www.do
- صلى الله عليه وسلم-ah.com/ta- صلى الله عليه وسلم-bya/shakhsyat_islamyah_nesa2yah/alfa- صلى الله عليه وسلم-e3ah.htm

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

خولة بنت الأزور
سيرة بطولية
خولة بنت الأزور الأسدي: شاعرة كانت من أشجع النساء في عصرها، وتشبه خالد بن الوليد في حملاتها. وهي أخت ضرار، توفيت أواخر عهد عثمان 35هـ رضي الله عنها


المقدمـة:
الحمد الله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم، أحمده تعالى الذي جعل الدنيا متاعاً وخير متاعها المرأة الصالحة، أما بعد،
خولة بنت الأزور امرأة ليست ككل النساء، تميزت عنهن بالكثير من الصفات والمواصفات، تربت في البادية العربية مع أبناء قبيلتها بني أسد، ولازمت أخاها ضراراً، فكانا دوماً معاً، ودخلت الإسلام مع من دخل من أبناء العروبة في ذلك الزمن الأول للإسلام، وشاء الله أن تكون وأخوها ضرار مع الكتائب الطلائعية المتقدمة للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق والدين…فشاركت بكل قوة وببسالة نادرة بين الرجال وبين النساء وعلى مر العصور في الكر والفر ،في حمل الرماح ورمي السهام، وضربت بالحسام خاصة عندما وقع أخوها ضرار في الأسر بعد أن أبلى بلاءً منقطع النظير .
خولة بنت الأزور مضت في زمن قديم لنا، تستحق منا نظرة دراسة، نظرة مراجعة، نظرة إعزاز وإكبار وتعظيم… إنها قدوة لبنات العرب والمسلمين في زماننا وعلى مر العصور، قدوة للرجال وقدوة للنساء صغاراً وكباراً، قدوة في الشجاعة والبسالة وفي التعاون والتآزر مع الأهل والأخوة.
ما عرض عنها هو أهم ما ذكرته المراجع المتوفرة، وهو نزر يسير، رويت فيه بعض أشعارها وأخبارها بعدما كبرت واشتهرت، والسبب معروف… فهي بنت من البادية العربية التي لم تعرف الكتابة ولا التدوين في أيامها الأولى، لذا قل التنوع والتنويع لدى الكتاب والباحثين القدامى والمحدثين عنها وعن غيرها .إنها نموذج رائع للنساء المسلمات تستحق منا الإكبار وتستحق منا الدراسة.
من مواقفها البطولية لإنقاذ أخيها
وهي من ربات الشجاعة والفروسية، خرجت مع أخيها ضرار بن الأزور إلى الشام وأظهرت في المواقع التي دارت رحاها بين المسلمين الروم بسالة فائقة خلد التاريخ اسمها في سجل الأبطال البواسل، فأسر أخوها ضرار في إحدى الموقعات فحزنت لأسره حزناً شديداً.
وقالت :
ألا مخـبـر بـعـــد الــفراق يخبرنـــا # فمن ذا الذي يا قوم أشغــلكم عنا
فـلو كـنــت أدري أنـه آخــر اللقـــا # لكــنا وقفنــا للــوداع وودعنــــا
ألا يا غـراب البـيـن هـل أنت مخـبري # فهـل بقــدوم الغائــبين تبشرنـــا
لقــد كـانـت الأيـام تزهــو لقربــهم # وكنا بهــم نزهو وكانوا كما كنا
ألا قاتـل الله الـنـــوى مــا أمــرّه # وأقبــحه ماذا يريــد الـنوى مــنا
ذكــرت لـيلـي الجـمــع كـنا سـويـة # ففـرقنا ريــب الزمـان وشتتــــنا
لئــن رجعوا يـومـاً إلـى دار عـزهــم # لثمنــا خفافــاً للمطــايـا وقبلنــــا
ولـم أنـس إذ قــالوا ضـرار مقيــد # تركنـاه فــي دار العــدو ويممــنا
فمـا هـذه الأيـام إلاّ مـعـارة # وما نحن إلاّ بمـثل لفظ بلا معنى
أرى القلب لا يختار في الناس غيرهم # إذا ما ذكرهم ذاكر قلبي المضنى
سلام على الأحباب في كل ساعـــة # وإن بعدوا عنا وإن منعوا منـــــا
وقالت أيضاً:
أبعد أخي تلذ الغمض عينــي # فكيف ينام مقروح الجفــــون
سأبكي ما حييت على شقيـق # أعز علي من عيني اليميــــن
فلو أني لحقت به قتيــــلاً # لهان عليّ إذ هو غير.هــــون
وكنت إلى السلو أرى طريقا ر# وأعلق منه بالحبل المتــــــين
وإنا معشر من مات منــــاً # فليس يموت موت المستكيـن
وإنـي إن يقـال مضى ضرار # لبـاكـية بـمـنـسـجم هــتون
وقالـوا لـم بكـاك فقـلت مهلاً # أما أبكي وقد قطعوا وتيني


ومن موقعاتها( في أجنادين وهي قرية تقع شرقي القدس في فلسطين )أن خالد بن الوليد نظر إلى فارس طويل وهو لا يبين منه إلا الحدق والفروسية، تلوح من شمائله، وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته، وقد حزم وسطه بعمامة خضراء وسحبها على صدره، وقد سبق أمام الناس كأنه نار. فقال خالد: ليت شعري من هذا الفارس؟ وأيم الله إنه لفارس شجاع. ثم لحقه والناس وكان هذا الفارس أسبق إلى المشركين .فحمل على عساكر الروم كأنه النار المحرقة، فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم غاب في وسطهم فما كانت إلا جولة الجائل حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء من الروم وقد قتل رجالاً وجندل أبطالاً وقد عرّض نفسه للهلاك ثم اخترق القوم غير مكترث بهم ولا خائف وعطف على كراديس الروم.
فقلق عليه المسلمون وقال رافع بن عميرة: ليس هذا الفارس إلاّ خالد بن الوليد، ثم أشرف عليهم خالد، فقال رافع : من الفارس الذي تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته ؟، فقال خالد: والله أنني أشد إنكاراً منكم له، ولقد أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله، فقال رافع : أيها الأمير إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يميناً وشمالاً، فقال خالد: معاشر المسلمين احملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله، فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة والتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم ونظر إلى الفارس فوجده كأنه شعلة من نار والخيل في إثره، وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل فحمل خالد ومن معه، ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين، فتأملوه فرأوه وقد تخضب بالدماء، فصاح خالد والمسلمون: لله درك من فارس .. بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته على الأعداء .. اكشف لنا عن لثامك، فمال عنهم ولم يخاطبهم وانغمس في الروم، فتصايحت به الروم من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا: أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك وأنت تعرض عنه، اكشف عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيماً . فلم يرد عليهم جواباً، فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال له: ويحك لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك، من أنت ؟
فلما ألح خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث وقال: إنني يا أمير لم أعرض عنك إلاّ حياءً منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور، فقال لها: من أنت ؟ فقالت: خولة بنت الأزور وإني كنت مع بنات العرب وقد أتاني الساعي بأن ضراراً أسير فركبت وفعلت ما فعلت، قال خالد: نحمل بأجمعنا ونرجو من الله أن نصل إلى أخيك فنفكه.
قال عامر بن الطفيل: كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا وحملت خولة أمامه وحمل المسلمون وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور، وقالوا: إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم طاقة.
وجعلت خولة تجول يميناً وشمالاً وهي لا تطلب إلاّ أخاها وهي لا ترى له أثراً، ولا وقفت له على خبر إلى وقت الظهر. وافترق القوم بعضهم عن بعض وقد أظهر الله المسلمين على أعدائهم وقتلوا منهم عدداً عظيماً.
أسر النساء
ومن مواقفها الرائعة موقفها يوم أسر النساء في موقعة صحورا( بالقرب من مدينة حمص السورية ). فقد وقفت فيهن، وكانت قد أسرت معهن، فأخذت تثير نخوتهن، وتضرم نار الحمية في قلوبهن، ولم يكن من ال**** شيء معهن. فقالت: خذن أعمدة الخيام، وأوتاد الأطناب، ونحمل على هؤلاء اللئام، فلعل الله ينصرنا عليهم، فقالت عفراء بنت عفار: والله ما دعوت إلاّ إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرت. ثم تناولت كل واحدة منهن عموداً من عمد الخيام، وصحن صيحة واحدة. وألقت خولة على عاتقها عمودها، وتتابعن وراءها، فقالت لهن خولة: لا ينفك بعضكن عن بعض ومن كالحلقة الدائرة. ولا تتفرقن فتملكن، فيقع بكن التشتيت، واحطمن رماح القوم، واكسرن سيوفهم. وهجمت خولة وهجمت النساء من ورائها، وقاتلت بهن قتال المستيئس المستميت، حتى استنقذتهن من أيدي الروم، وخرجت وهي تقول:
نحن بنـات تبـع وحمير وضربنا في القوم ليس ينـكر
لأننا في الحرب نار تستعر اليوم تسقون العذاب الأكبر
الخاتمة
في هذه السيرة البطولية عرضت نماذج مشهورة ومذكورة في الكتب عن خولة بنت الأزور وكيف شاركت في المعارك الإسلامية الكبيرة في فتوح بلاد الشام .والحقيقة تقال أن المعلومات المتوفرة عنها قليلة، ولعل السبب واضح ،حيث عاشت مثل غيرها من بنات البادية العربية عيشة متواضعة وبسيطة لم تتيسر لها وسائل التدوين والتسجيل المتناسق والمتكامل مثلما قد يتيسر لغيرها من المشاهير.
ونخلص من هذا البحث القصير إلى أن خولة بنت الأزور تعد نموذجاً إنسانياً رائعاً يحتذى به في الدفاع عن النفس والوطن والعقيدة فرضت نفسها بقوة وبصلابة على كل شخص حضر صولاتها وجولاتها في ميادين الفروسية .
المراجع
1.
عبد البديع صقر، نساء فاضلات، دار الاعتصام، القاهرة.
2.
د. علي إبراهيم حسن، نساء لهن في التاريخ الإسلامي نصيب، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1981.
3.
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والمسلمين،ج 1،مؤسسة الرسالة، بيروت، 1959.
4.
كرم البستاني، النساء العربيات، دار نظير عبود، بيروت، 1988.
5.
الواقدي، فتوح الشام، ج 1-2، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، 1954.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

خولة بنت ثعلبة رضي الله عنهـا

إشراف الأستاذ: خالد فراج.

المقدمـة:
تعد خولة بنت ثعلبة أحد الصحابيات الجليلات اللواتي يعتبرن قدوة لباقي النساء المؤمنات في العصور التي تبعت عصرهم. وفي هذا البحث عرض لبعض صفات هذه المرأة الجليلة، وبعض الوقفات في حياتها، وتعد خولة بنت ثعلبة من مشهورات العرب؛ لأن فيها وفي زوجها نزلت سورة المجادلة عندما ظاهرها زوجها.
نسبــها:

هي خولة بنت مالك بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، صحابية جليلة من الأنصار، وكانت زوجة الصحابي المجاهد أوس بن الصامت، وهو أخو الصحابي الجليل عبادة بن الصامت [1]. وكانت امرأة فقيرة معدمة، عاشت مع زوجها حياة مسالمة، وكان أوس بن الصامت يعمل ويكد كثيراً للحصول على الرزق وليحصل على قوت بيته، ولكن بعد تقدمه في العمر، أصبح شيخاً ضجراً، وقد ساء خلقه مع زوجته [2].
خولة وعمر بن الخطاب –رضي الله عنه-:

خاطبت خولة في ذات يوم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما كان خارجاً من المسجد وكان معه الجارود العبدي، فسلم عليها عمر فردت عليه، وقالت: " هيا يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت"، فقال الجارود: قد أكثرت على أمير المؤمنين أيتها المرأة، فقال عمر: "دعها أما تعرفها! هذه خولة التي سمع قولها من فوق سبع سماوات فعمر أحق والله أن يسمع لها" [3].
مظاهرة زوجها لها:

في ذات يوم حدث حادث بين الزوجين السعيدين، شجار بينهما، لم يستطع أي أحد منهما تداركه، فقال لها أوس "أنت علي كظهر أمي!...فقالت: والله لقد تكلمت بكلام عظيم، ما أدري مبلغه؟!..." [4]، ومظاهرة الزوج لزوجته تعني أن يحرمها على نفسه،وبذلك القسم،يكون قد تهدم البيت الذي جمعهما سنين طويلة، وتشتت الحب والرضا الذين كانا ينعمان بهما.
وسلم كل منهما للواقع بالقسم الجاهلي الذي تلفظ به الزوج لزوجته، ولكن بعد التفكير العميق الذي دار في رأس خوله، قررت أن تذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيف لا وهي تعيش في مدينته، وهي قريبه منه وبجواره. وعندما ذهبت إليه وروت المأساة التي حلت بعش الزوجية السعيد، طلبت منه أن يفتيها كي ترجع إلى زوجها، ويعود البيت الهانئ لما كان عليه دوما في السابق، ويلتم شمل الأسرة السعيدة.
لم يكن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتأكد من الأمر، ويسمع المشكلة من الطرفين، وهذا إن دل فإنه يدل على دقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحري في الأمور؛ وذلك لتحقيق العدالة التي يدعو إليها الدين الإسلامي، فاستدعى أوس بن الصامت، وسأله عن وقائع ما حدث بينه وبين زوجته، فاعترف بأن ما قالته خولة قد حدث وهو صحيح، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يا أوس: لا تدن من زوجتك ولا تدخل عليها حتى آذن لك" [5]، وبذلك زاد قلق خولة وذعرها، فأخذت تتوسل وتشكو إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- أكثر. ثم جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظر نزول الوحي عليه ليرى ما هو الواجب الذي يأمره الله -تعالى- لتنفيذه، فإن هذا الأمر يمكن أن يتكرر على مر الزمن، وهو ليس فقط لخولة وزوجها أوس، فالمعروف أن القران الكريم صالح لكل زمان ومكان، وعندما تنزل أية ما في واقعة معينه، إنما هي عبره للناس كافة على مر العصور، فالقران الكريم شامل لكل شؤون الحياة الاجتماعية والسلوكية، وقد أرسل لكافة البشرية.
فجلس الجميع ينتظرون نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وكانت خوله تجادله -عليه الصلاة والسلام-، وتخبره بأن لديها عيالاً لا تستطيع تركهم، فإن تركتهم لوالدهم، فسوف يضيعون، وإن أخذتهم هي،فسوف يجوعون، وظلت هي كذلك تفكر كيف سيعود شمل الأسرة إلى الكيان السابق، إلى أن تغير حال الرسول الكريم، فأخذ يرتجف ويتصبب عرقاً،وتولاه صمت طويل وخشوع جليل، فقالت عائشة -رضي الله عنها- لخولة: "إنها لحظة الوحي، وما أظنه إلا قد نزل فيك أنت" [6]، فلم يكن من خوله المرأة المؤمنة إلا أن تتضرع بالدعاء لله -تعالى-، وتسأله الخير في حكمه [7].
فلم تزل هي كذلك حتى ناداها الرسول الكريم، وكانت ابتسامة البشرى تشع من وجهه، فتأكدت خولة بأن الله قد أنزل على نبيه الكريم خيراً لها ولزوجها، فلقد أنزل الله –تعالى- سورة المجادلة فيها وفي زوجها "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما" (سورة المجادلة/1 إلى آخر الآيات)، فجاء الحكم الإلهي حيث قال تعالى-: "وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم"، ففي الجاهلية إن ظاهر الرجل زوجته كأنه حرمها على نفسه، أي تشبيهها بأمه أو غيرها من المحارم، ويعد هذا تجاوزاً لحدود الله، وهو ليس طلاقاً ولا تفريقاً بين الزوجين. وقوله تعالى-: "الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم اللائي ولدنهم وإنهم ليقولوا منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور"، تأكيد بأنه لا يمكن جعل الزوجة كالأم، وما هذا إلا منكر وقول زور على الله، فالأم محرمة شرعاً وعرفاً على أبنائها، فما من داع لتذكير الناس بالحكم، فهو واجب مفروض [8]، ثم قال الرسول – صلى الله عليه وسلم- لخولة ما أمره الله به: "مريه فليعتق رقبة" أخذاً بقول الله تعالى-: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير"، فأجابت خولة قائلة بأن ليس لديه ما يعتق به رقبة، فقال: "فليصم شهرين متتابعين" عملاً بقول الله تعالى-: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قبل أن يتماسا"، فردت بأنه شيخ كبير لا يقوى على الصيام، فقال: "فليطعم ستين مسكيناً وسقاً [9] من تمر"، حسب ما قال الله عز وجل : "فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم"، فقالت أنه لا يملك لذلك ثمناً، فقال: "فإنا سنعينه بعرق [10] من تمر"، فأدبرت قائلة بأنها ستعينه بعرق آخر أيضاً، فقال – صلى الله عليه وسلم-: "فقد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً" [11]، فأسرعت خولة المرأة المؤمنة والزوجة الصالحة والوفية إلى بيتها لتخبر زوجها المتلهف بحكم الله العادل واليسير، فأسرع الزوج السعيد إلى أم المنذر بنت قيس، وعاد من عندها حاملاً وسق تمر، فراح يتصدق على ستين مسكيناً كما أمره الرسول الكريم، وبذلك تم تنفيذ أمر الله، وعاد الزوجان سعيدين كما كانا سابقاً، واجتمع شمل الأسرة من جديد، وعاشا في وئام وصفاء [12].
ما يستخلص من حياة خولة بنت ثعلبة:

تعد خولة بنت ثعلبة من عظيمات العرب والمسلمين، فهي امرأة مؤمنة تقية، وزوجة وفية تحافظ على بيتها من الانهيار، وأم صالحة تفكر في مستقبل أبنائها. ومن قصتها يمكننا استخلاص عدة أفكار، منها:
1.
إبطال الله –تعالى- لظاهرة كانت شائعة أيام الجاهلية ألا وهي "المظاهرة"، وهي تعني تحريم الزوج زوجته على نفسه، وأنزل الله –تعالى- حكم ذلك القسم ألا وهو لا يوجب التحريم المؤبد، بل التحريم المؤقت حتى تؤدى الكفارة، وجعل الله الكفارة بعتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين إن لم يقدر على عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا إن لم يستطع الصيام.
2.
مكانة المرأة التي تحاول الحفاظ على زوجها وبيتها في الإسلام، كما فعلت خولة عندما أصرت على الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يطلب من الله الحكم العادل لتعود إلى زوجها. وأيضاً في ذلك بيان إلى عظمة الصحابيات وأنهن قدوة صالحة لجميع النساء.
3.
بلاغة خولة بنت ثعلبة وفصاحة لسانها، وتبين ذلك من خلال موقفها مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عندما جادلته بعد أن ظنت أنها ستفترق عن زوجها، وتبيينها سلبيات هذا التفريق على الأولاد والبيت، وفي موقف آخر أيضاً مع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، عندما اعترضت على سياسته وطلبت منه أن يتق الله –تعالى- في الرعية، في عبارة قوية لم يستطع عمر حيالها إلا أن يسمع لها.
4.
في هذه القصة تأكيد على وجوب الاعتماد على الله –عز وجل- في أخذ الأحكام، واعتبار القرآن الكريم هو مصدر التشريع الإسلامي الأساسي وتتبعه بعد ذلك السنة النبوية الشريفة.
5.
بيان لطف الله بعباده وتخفيف الكفارات لهم عند عدم الاستطاعة.
6.
بيان عدل الرسول الكريم، حيث إنه طلب سماع القضية من الطرفين، وليس من طرف واحد، وذلك للوصول إلى أفضل الأحكام وأدقها.
7.
يجوز دفع الكفارة عمن لا يستطيع دفعها، أو لا يقدر على أدائها [13].
أرجو من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في إلقاء بعض الضوء على شخصية خولة بنت ثعلبة، الصحابية الجليلة، والمرأة العظيمة، والزوجة الوفية، والأم الصالحة – رضي الله عنها .
قائمة المراجع

·
خالد عبد الرحمن العك، صور من حياة صحابيات الرسول –صلى الله عليه وسلم-، سوريا/دمشق، دار الألباب، الطبعة الأولى، 1989م.
·
سنية قراعة، مجلة العربي، مسلمات خالدات/خولة بنت ثعلبة، العدد 110،ص122، 1968م.
·
عز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، المجلد السادس "النساء"، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998م.
·
عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والنساء، الجزء الأول، بيروت، مؤسسة الرسالة.
الهوامش :

1
)انظر عز الدين بن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ص94، انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، ص630
)انظر سنية قراعة، مجلة العربي، ص122. [2]
)عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والنساء، ص382. [3]
خالد عبد الرحمن العك، صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، ص630. ( [4]
3
)سنية قراعة، مجلة العربي، ص122، انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلا الله عليه وسلم، ص630، انظر أعلام النساء في عالمي العرب والنساء، ص382.
.
سنية قراعة، مجلة العربي، ص122، انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلا الله عليه وسلم، ص630 2)( [6]
)انظر سنية قراعة، مجلة العربي، ص122. [8]
)الوسق: ستون صاعاً. [9]

)العرق: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص. [10]
1
)انظر عز الدين بن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ص95، انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، ص632،انظر أعلام النساء في عالمي العرب والنساء، ص384، انظر مجلة العربي، ص122.
2
)انظر عز الدين بن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ص95، انظر صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، ص632،انظر أعلام النساء في عالمي العرب والنساء، ص384، انظر مجلة العربي، ص122.

انظر خالد عبد الرحمن العك، صور من حياة صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم، ص633. ( [13]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

يتبع إن شاء الله تعالى

سفانة بنت حاتم الطائي
الدالة على الحق

المقدمـة:


اسمها ونسبها:

هي سفانة بنت حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء الطائي، وأبوها حاتم الجواد الموصوف بالجود الذي يضرب به المثل [1]، وكنيته أبو سفانة، وأبو عدي، وكني بابنته سفانة –رضي الله عنها ؛ لأنها أكبر ولده، وبابنه عدي بن حاتم [2].
كان أبوها حاتم الطائي من أبرز شعراء العرب، وأكثرهم جواداً، وجوده يشبه شعره، ويضرب به المثل في الكرم وحسن الخلق ؛فيقال :" أكرم من حاتم " ؛ لأنه كان زاهداً في الخير، يزهد بما في يديه وإن أتته الدنيا بحذافيرها، فقد كان ينفق كل ما لديه للضيوف والمحتاجين، حتى لو كلفه ذلك جوع أهله وولده، حتى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها فيه عندما وصفته : " يا جارية، هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك إسلامياً لترحّمنا عليه خلّوا عنها فإن أباها كان يُحِبّ مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق ). [3]، وتوفي حاتم سنة 46 ق.هـ ولم يدرك الإسلام . [4]
صفاتها:

كانت سفانة رضي الله عنها من فواضل النساء، جزلة فصيحة متكلمة، تملأها الثقة والعزة بمكارم الأخلاق، وكانت تعتز بنسبها وبأبيها وبكرمه، وتفاخر بذلك بين الناس، محبة لوطنها، فقد كانت تترقب من يفد إلى المدينة المنورة كي ترجع إلى موطنها، وتظهر قوة شخيصيتها، وسداد رأيها عندما أشارت على أخيها بزيارة الرسول والمثول ل بين يديه، [5] وجمعت إلى ما سبق من فضل جمال الجسد، فقد كانت بيضاء حوراء، متعدلة القامة [6].

إسلامها:


أصابت خيل رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ابنة حاتم الطائي في سبايا
طيّ فقدمتْ بها على رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-فجُعِلَتْ في حظيرة بباب
المسجد فمرّ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقامت إليه وكانت امرأة جزلة، فقالت ( يا رسول الله هَلَكَ الوالِد وغابَ الوافد )، فقال ( ومَنْ وَافِدُك ؟)، قالت ( عدي بن حاتم )، قال :(الفارُّ من الله ورسوله ؟)، ومضى حتى مرّ ثلاثاً، فقامت وقالت ( يا رسول الله هَلَكَ الوالِد وغابَ الوافد فامْنُن عليّ مَنّ الله عليك )قال ( قَدْ فعلت، فلا تعجلي حتى تجدي ثقةً يبلّغك بلادك، ثم آذِنِيني )[7]
وفي رواية أخرى أن سُفانة قد قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا مُحَمّد ! إن رأيتَ أن تخلّي عنّي فلا تشمِّت بي أحياء العرب ؟! فإنّي ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يفُكّ العاني، ويحمي الذّمار، ويُقْري الضيف، ويُشبع الجائع، ويُفرّج عن المكروب، ويفشي السلام ويُطعم الطعام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي )قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( يا جارية، هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك إسلامياً لترحّمنا عليه خلّوا عنها فإن أباها كان يُحِبّ مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق ). [8]
وقدم ركب من بليّ، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم فقلت سفانة : قدم رهط من قومي، فكساها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحملها وأعطاها نفقة، فخرجت حتى قدمت الشام على أخيهاعدي فقال لها ( ما ترين في أمر هذا الرجل " فقالت: أرى والله أن تلحق به سريعا، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فلن تنزل في عز اليمن وأنت أنت،فكانت سببا في إسلام أخيها وإسلام قومها، وحسن إسلامها فرضي الله عنها [9] .
جودها وكرمها:

"
كانت سفانة من أجود نساء العرب كأبيها، فقد كان أبوها يعطيها من إبله فتهبها وتعطيها الناس، فقال لها أبوها " يا بينه إن الكريمين إذا اجتمعا في المال أتلفا، فإما أن أعطي , وتمسكي وإما أن أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء" فقالت: " والله لا أمسك أبداً. وقال أبوها: وأنا والله لا أمسك أبدأً. فقاسمها المال وتباينا ولم يتجاورا" [10].
الهوامش :
[1]
انظر ابن الأثير، أسد الغابة في حياة الصحابة، ص 1836، وموقع الوراق: http://www.alwa- صلى الله عليه وسلم-aq.com/
. [2]
الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، 17/ 363 [2
[3]
انظر ابن الأثير، أسد الغابة، ص3313، وانظر الأبشيهيتي، المستطرف في كل فن مستظرف، ص 270، وانظر موقع : الصحابة، ، وانظر عمر رضا كحاله، أعلام النساء، 2/ 197.
انظر الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني, 17/363. [4]
[5]
يلاحظ كل ذلك من خبر أسرها، ومن حديثها مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم .
[6]
انظر الأصفهاني، الأغاني، 17/ 364. ووصفها في الأغاني جاء عن أحاديث ضعيفة رويت عند البيهقي، ومختصر تاريخ ابن عساكر، ونقلها الأصفهاني في الأغاني عن على بن أبي طالب – كرم الله وجهه - يصف فيها سفانة بأوصاف جسدية ،ولا يمكن لعاقل أن يأخذ بها، بل إن الرواية في الأغاني أولها يتناقض مع أخرها، من خلال الحديث عن التقوى وعمل البر، وبالنظر في سند الرواية يتبن ضعفها، إذ فيها ضرار بن صرد وهو أحد الكذابين . والله أعلم
[7]
انظر ص3313 موقع : الصحابة، ، وانظر عمر رضا كحاله، أعلام النساء، 2/ 197
[8]
انظر ص3313 موقع : الصحابة، وانظر عمر رضا كحاله، أعلام النساء، 2/ 197.
[9]
انظر ابن الأثير، أسد الغابة في حياة الصحابة ،ص3313، والبغدادي، خزانة الأدب 678، موقع : الصحابة، ، وانظر عمر رضا كحاله، أعلام النساء، 2/ 197
عمر رضا كحاله, أعلام النساء, جزء 2, صفحة 196 [10]




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


عاتكة العدويــة

رضي الله عنهـا



إشراف الأستاذ: خالــد فــراج
أصلها ونسبها:


هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، مخزومية قرشية من عشيرة عدي بن كعب، وهي أخت سعيد بن زيد بن نفيل ،زوج فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت فتاة ذات جمال وكمال يسلب الألباب ،وهي شاعرة من شاعرات العرب تهوى الأدب، كما كان لديها من الفصاحة والبلاغة ما جعلها لسنة إذا حدثت وبليغة إذا نطقت. كما عرفها الناس بحسن خلقها ورجاحة عقلها. عاشت في كنف الإسلام وكانت من السابقين إليه، كما كانت من الذين هاجروا إلى مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- .

قصة زواجها:
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة"، هذا لأنها ما تزوجت أحداً إلا واستشهد وربما هذا هو أحد الأشياء التي جعلها من المسلمات الخالدات،كما كان أزواجها كلهم من صحابة رسول الله عليه الصلآة والسلام.

الزوج الأول:
عندما بلغت مرحلة الشباب تهافت عليها الشباب يطلبونها للزواج وكان من بين هؤلاء الشباب شاب وسيم، والده من أقرب الناس إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومن أوائل المسلمين، وخليفة المسلمين بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، فوافقت عليه وتزوجها.
تزوج الشابان وبدءوا حياتهم وبسبب حديثها الحلو وجمالها الفتان ،صار عبد الله منشغلاً بها عن أداء باقي واجباته، ونسي أمر مغازيه وتجارته ولكن أوقفه أبوه عند حده كما تقول الروايات،ففي أحد أيام الجمع مر به والده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليذهبا معاً إلى الصلاة، فسمعه من أسفل الدار يناغي زوجته عاتكة ويحدثها بالكلام المعسول، فتركه وذهب إلى صلاته ولما رجع، وجده على نفس الحال فناداه: يا عبد الله أأجمعت؟ فقال عبد الله : أوصلى الناس؟ قال أبو بكر : نعم ،قد شغلتك عاتكة عن المعاش والتجارة، وقد ألهتك عن فرائض الصلاة، طلقها.
ولأن عبد الله كان ولداً مطيعاً لوالديه وأدرك أنه قصر في واجباته تجاه خالقه وذلك لانشغاله بعاتكة ،طلقها وذهب كل منهما إلى حال سبيله.
ولكن عبد الله مازال يحب عاتكة، فمرت به أيام سوداء كالليل المظلم بعد طلاقه لعاتكة مباشرة ،وندم على ما صنع وأقسم على الطاعة والعمل.ومن ناحية أخرى كانت عاتكة تقرع نفسها وتلومها على ما صدر منها وندمت كثيراُ وعرفت أنها كانت سبب انشغال زوجها عن أعماله.
وفي ليلة من اليالي بينما كان ابابكر يصلي على سطح داره وهي ملاصقة لدار ابنه عبد الله ،سمعه يقول أبيات من الشعر تدل على الندم والشوق إلى المحبوبة، وهنا أدرك أبو بكر ما يدور في نفس ابنه، كما رق له ،فقام وناداه وقال : يا عبد الله راجع عاتكة أي أرجعها إلى عصمتك. ففرح واعتق غلاما كان لديه اسمه أيمن كرامة لها، ثم جرى حتى وصل إليها وصار يراجعها ويقنعها مرات ومرات حتى رضيت وعادت اليه. لم يكن تردد عاتكة بسبب تكبر أو حيرة ،إنما لتتاكد من موقف عبد الله، فهي لم تكن اقل شوقا منه. عندما راجع عبد الله زوجته عاتكة ،وهبها حديقة واشترط عليها الا تتزوج أحدا بعده.
وعاشا حياة سعيدة هانئة ولم ينسيا حق الله عليهم وكانا ممن يضرب بهم المثل كبيت مسلم يضمه السعادة، ولكن لم تدم هذه السعادة فقد استشهد عبد الله في إحدى المعارك، فجزعت عاتكة وبكته ورثته بابيات منها:

فلله عينـا من رأى مثـله فتـى # أكر وأحمى في الهياج واصبرا
إذا شـرعت فيـه الأسنة خاضها # إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
فأقسمت لا تنفـك عينـي سخينة # عليك، ولا ينفـك جلـدي أغبـرا
مدى الدهر مـاغنت حمامة أيكـة # ومـا طرد الليل الصبـاح المنورا

وصارت امرأة منطوية على نفسها وتتذكر أيامها التي مضت مع حبيب قلبها.
الزوج الثاني
ولم يمر وقت طويل حتى خطبها عمر بن الخطاب،رضي الله عنه والذي لم يكن غريبا عنها، فهو من اقاربها ،وكان معجب بها، وكيف لا وهي المرأة ذات الجمال الذي فتنت الرجال بدينها وأدبها وجمالها. خطبها عمر ولكن هناك الشرط الذي اشترطه عليها زوجها السابق (عبد الله بن أبى بكر)عندما وهبها الحديقة وهو الا تتزوج من بعده، واصبح هذا الشرط عائقا في طريق زواجها ،فنصحها عمر وقال لها :استفتي. فاستفتت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال لها إن ترد الحديقة إلى أهلـهِ وتتزوج وهكذا تزوجت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعاشت معه وكانت زوجة مخلصة تفوم بأعمال بيتها وتـرعى زوجها وتسعى إلى إدخال السعادة إلى قلبه وقد رزقها الله منه ولدا اسمه عياض وهي لم تنسى حق ربها عليها ،فكانت عابدة مخلصة لربها.ولكن كانت الأيام تخبئ لها رحلة حزن أخرى، فها هو عمر يطعن وهو يصلي ولم يلبث الا ان فارق الحياة، فبكته وقالت فيه بعض القصائد منها:
فجعني "فيروز" لا درٍٍٍِّ درّه#بأبيض تال للكتاب منيب
رؤوف على الأدنى غليظ على العدا # أخي ثقة في النائبات مجيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعله# سريع إلى الخيرات غير قطوب

عين جودي بعبرة ونحيب# لا تملي على الإمام النجيب
فجعتني المنون بالفارس المعـ # لم يوم الهياج والتلبيب
عصمة الناس والمعين على الدهر# وغيث المنتاب والمحروب
قل لأهل الضراء والبؤس موتوا # قد سقته المنون كاس سعوب

منع الرقاد فعاد عيني عود # مما تضمن قلبي المعمود
يا ليلة حبست علي نجومها # فسهرتها والشامتون هجود
قد كان يسهرني حذارك مرة # فاليوم حق لعيني التسهيد
أبكي "امير المؤمنين" ودونه # للزائرين صفائح وصعيد

من لنفس عادها أحزانها # ولعين شفها طول السهد
جسد لفف في أكفانــه # رحمة الله على ذاك الجسد
فيه تفجيع لمولى غارم # لم يدعه الله يمشي بسبد

وهكذا انطوت على نفسها ولم تخرج من بيتها إلا للذهاب إلى المسجد لتصلي وتتعبد.كان فراق عمر يسبب لها الأرق، فكم من الليالي مرت عليها والنوم لا يعرف طريقه إلى عينيها وان غفوت ما تلبث إلا أن تهب من نومها أثر حلم مخيف فتجلس وتبكي وترثي عمر.

الزوج الثالث
وعندما انقضت أيام عدتها جاءها الزبير بن العوام، حواري رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وابن عمته، جاءها خاطبا، فلم تقبل إلا بعد إلحاح، فهي كانت تتمنى ألا تتزوج. وهكذا تزوجت من الزبير بن العوام وهو رجل شديد الغيرة ،فكان غيورا عليها إلى أبعد الحدود وفي يوم من الأيام قال لها: يا عاتكة لا تخرجي إلى المسجد....وكانت هي امرأة عجوز.
فقالت له: يا ابن العوام أتريد أن ادع لغيرتك مصلى صليت فيه مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر؟
قال: لا أمنعك...ولكنه كان يخطط لشيء ما. فلما صار وقت صلاة الصبح ،توضاء وخرج ليكمن لها في سقيفة بني ساعدة، فلما مرت ضرب بيده على جسدها وهرب.
نظرت عاتكة حولها فلم تجد أحدا، فقالت: مالك؟ قطع الله يدك.ثم رجعت إلى بيتها. فلما رجع الزبير من المسجد سألها لما لم يرها في المسجد، فقالت: يرحمك الله يا أبا عبد الله فسـد الناس بعدك،الصلاة اليوم في القيطون افضل منها في البيت، وفي البيت افضل منها في الحجرة. وهكذا لم تخرج بعد ذلك اليوم إلى الصلاة في مسجد.
وها هو زوجها الثالث يقتل بوادي السباع عندما رجع عن الركب الذي ذهب لقتال علي رضي الله عنه، بعدما اقتنع أنه لا يمكن أن يستمر في معاداة هذا الرجل، فاغتاله عمرو بن الجرموز في الطريق، فرثته كما رثت أزواجها السابقين.
ومما قالت في رثائه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمـة # يوم اللقا وكان غير معـرد
يا عمرو لو نبهته لوجدتـــه# لا طائشاًرعش اللسان ولا اليد
شلـت يمينك إن قتلت لمسلمـاُ # حلت عليك عقوبة المستشـهد
إن الـزبير لذو بـلاء صـادق # سمح سجيته كريم المشـهـد
كم غمرة قد خاضها لـم يثنـه # عنها طرادك يا ابن فقع القرود
فاذهب فما ظفرت يداك بملة # فيمن مضى ممن يروح ويغتدي [1]

ومما يبين إخلاصها لزوجها بعد وفاته، هو عندما أرسل إليها ابن الزبير، عبد الله يحاكيها في إرثها، لم تبد أي طمع في ماله على الرغم من ثراء الزبير ُ، وإنما رضيت بما أعطوها من الإرث، وهو كما يقال ثمانين ألف درهم.

الزوج الرابع
بعد انقضاء عدتها من الزبير، جاءها علي بن أبي طالب-كرم الله وجهه- خاطباً فقالت له:إني لأضن بك يا ابن عم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن القتل، فأخذ برأيها ورجع عن خطبتها وكان يردد بعد ذلك: من أحب الشهادة الحاضرة فليتزوج عاتكة.
ثم تزوجها الحسين بن علي بن أبي طالب، فكانت رفيقة جهاده وجلاده، فارتحلت معه الى الكوفة، وصبرت معه يوم كربلاء. فكانت أول من رفع خده من التراب، ولعنت قاتله، والراضي به، والشاهد له دون اعتراض. وقالت باكية وهي ترثيه:
وحسيناً، فلا نسيت حسينا # أقصــدته أسنة الأعــداء
غــادروه بكربلاء صريعاً # جادت المزن في ذرى كربلاء [2]

وكان آخر مطاف في حياتها الزوجية هي شهادة الإمام الحسين –رضي الله عنه- فتأيمت بعده. ويقال إن مروان خطبها بعد شهادة الحسين، فرفضته وقالت: ما كنت لاتخذ حمأً بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. [3]
وكان وفاتها سنة أربعين للهجرة، فلقيت وجه ربها رضي الله عنها وأصبحت القصة الحزينة لهذه المرأة الجميلة وأزواجها الذين انتهت حياتهم الواحد تلو الآخر بمأساة، ورواية خيالية يرددها الناس وجملها أكثر قصائدها في الحب والرثاء.غفر الله لنا ولها آمين.

الخاتمة
إنّ عاتكة امرأة عربية من وسط الصحراء والبادية، أصبحت ضمن من هم في ذاكرة الزمن، وقد كتب عنها من كتب، ليس فقط لجمالها الذي تميزت به، مما جعل كثيرا من الشباب يتقدمون لها في شبابها، وإنما حسن أدبها وخلقها وحكمتها، ولأن الله ميزها بأن جعل من يتزوجها ينال الشهادة، وهذا ما جعل عشاق الشهادة يتهافتون عليها، وينساقون إليها في كبرها طالبين القرب منها. وقد اتصفت إلى جانب ذلك بالإخلاص في كل شيء : الإخلاص لربها ولدينها ولأزواجها.
الهوامش :



أعلام النساء،ص205- [1]
مسلمات خالدات،صص23،24- [2]
أعلام النساء،ص206- [3]

المصادر
1-
محمد علي القطب، مسلمات خالدات،المكتبة العصرية،بيروت، صيدا.
2
- عمر رضا كحاله، أعلام النساء، المطبعة الهاشمية، الطبعة الثانية، دمشق، 1959م.
3
- دائرة المعارف الإسلامية، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
4
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

سمية أم عمار 

أول شهيدة في الإسلام 


إشراف الأستاذ : خــالد فراج 

إعداد الطالبة :مياسة عمر 



المقدمة 

الحمدالله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فهذا البحث يكشف النقاب عن شخصية مسلمة جديرة بالذكر وهي سمية بنت الخُباط أول شهيدة في الإسلام، استشهدت في بداية الدعوة الإسلامية في مكة الكرمة على يد أبي جهل الذي لاقى مصرعه في غزوة بدر ويتضمن موضوع البحث نسبها، وزواجها، وتعذيب المشركين لآل ياسر، وفاتها، ومصير القاتل، .والدروس والعبر المستفادة في سيرة حياتها أرجو أن ينال هذا البحث استحسان أساتذتي وزميلاتي، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني هذا العمل إنه سميع مجيب الدعاء، وصلى الله على النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم 


: نسبها 

سمية بنت الخُباط، هي أم عمار بن ياسر، أول شهيد استشهد في الإسلام، وهي ممن بذلوا أرواحهم لإعلاء كلمة الله عز وجل، وهي من المبايعات الصابرات الخيرات اللاتي احتملن الأذى في ذات الله.كانت سمية من الأولين الذين دخلوا في الدين الإسلامي وسابع سبعة ممن اعتنقوا الإسلام بمكة بعد الرسول وأبي بكر الصديق وبلال وصهيب وخباب وعمار ابنها. فرسول صلى الله عليه وسلم قد منعه عمه عن الإسلام، أما أبوبكر الصديق فقد منعه قومه، أما الباقون فقد ذاقوا أصناف العذاب وألبسوا أدراع الحديد وصهروا تحت لهيب الشمس الحارقة 

عن مجاهد، قال: أول شهيد استشهد في الإسلام سمية أم عمار. قال: وأول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوبكر، وبلال، وصهيب، وخباب، وعمار، وسمية أم عمار 


:
زواجها 

كانت سمية بنت خباط أمة لأبي حذيفة بن المغيرة بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم، تزوجت من حليفه ياسر بن عامر بن مالك بن كنانه بن قيس العنسي. وكان ياسر عربياً قحطانياً مذحجيًا من بني عنس، أتى إلى مكة هو وأخويه الحارث والمالك طلباً في أخيهما الرابع عبدالله، فرجع الحارث والمالك إلى اليمن وبقي هو في مكة. حالف ياسر أبا حذيفة ابن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وتزوج من أمته سمية وانجب منها عماراً، فأعتقه أبوحذيفة، وظل ياسر وابنه عمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، فلما جاء الإسلام أسلم ياسر وأخوه عبدالله وسمية وعمار 


:
تعذيب المشركين لآل ياسر 

عذب آل ياسر أشد العذاب من أجل اتخاذهم الإسلام ديناً الذي أبوا غيره، وصبروا على الأذى والحرمان الذي لاقوه من قومهم، فقد ملأ قلوبهم بنور الله-عزوجل- فعن عمار أن المشركين عذبوه عذاباً شديداً فاضطر عمار لإخفاء .إيمانه عن المشركين وإظهار الكفر وقد أنزلت آيه في شأن عمار في قوله عزوجل: (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)). وعندما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:ما وراءك؟ قال : شر يا رسول الله! ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير! .قال: كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئناً بالإيمان. قال : فإن عادوا لك فعد لهم 

هاجر عمار إلى المدينة عندما اشتد عذاب المشركين للمسلمين، وشهد معركة بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان والجمل واستشهد في معركة صفين في الربيع الأول أو الآخر من سنة سبع وثلاثين للهجرة، ومن مناقبه، بناء أول مسجد في الإسلام وهو مسجد قباء 

وقد كان آل ياسر يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة وكان الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمر بهم ويدعو الله -عزوجل- أن يجعل مثواهم الجنة، وأن يجزيهم خير الجزاء 

عن ابن إسحاق قال: حدثني رجال من آل عمار بن ياسر أن سمية أم عمار عذبها هذا الحي من بني المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم على الإسلام، وهي تأبى غيره، حتى قتلوها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة، فيقول: صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنة 


:
وفاتها 

نالت سمية الشهادة بعد أن طعنها أبوجهل بحربة بيده في قُبلها فماتت على إثرها.وكانت سمية حين استشهدت امرأة عجوز، فقيرة، متمسكة بالدين الإسلامي، ثابته عليه لا يزح زحها عنه أحد، وكان إيمانها الراسخ في قلبها هو مصدر ثباتها وصبرها على احتمال الأذى الذي لاقته على أيدي المشركين 


: مصير القاتل 

أبوجهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشي، ويكنى بأبي الحكم.كان من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم أذى لهم. وقد لقبه المسلمون بأبي جهل لكثرة تعذيبه المسلمين وقتله سمية، ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل 

قتل أبو جهل في معركة بدر الكبرى، حيث قاتل المسلمون المشركين بأسلوب الصفوف، بينما قاتل المشركون المسلمين بأسلوب الكر والفر. طعن أبا جهل على يدي ابني عفراء، عوف بن الحارث الخزرجي الأنصاري، ومعوذ بن الحارث الخزرbجي الأنصاري، رضي الله عنهما، ولكنه لم يمت على أثر طعناتهما بسبب ضخامة جسده، ولأن ابني عفراء كانا صغيرين بالسن، لكنه لفظ نفسه الأخيرة على يد عبدالله بن المسعود الذي أجهز عليه. ولقد استشهد ابنا عفراء في هذه معركة رضي الله عنهما 

قال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: إني لفي الصف))يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عم! أرني أبا جهل! فقلت يا ابن أخي! ما تصنع به؟! قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. قال لي الأخر سراً من صاحبه مثله، فأشرت لهما إليه، ((فشدا عليه مثل الصقرين،فضرباه حتى قتلاه 

((
بعد مقتل أبا جهل، قال النبي صلى الله لعمار بن ياسر (( قتل الله قاتل أمك 


:
الدروس والعبر في سيرة حياة سمية 

سمية بن الخُباط هي من أهم المجاهدات المسلمات اللواتي احتملن الأذى والعذاب، الذي كان يلقاه المسلمون على أيدي المشركين في ذلك الوقت. وهي ممن بذلوا الغالي والنفيس في ذات الله تعالى 

كان إيمانها القوي بالله تعالى هو سبب ثباتها على الإسلام ورفضها ديناً غيره، فقد وقر الإيمان في قلبها وذاقت لذته وأيقنت أنه فيه سعادتها في الدنيا والآخره، فوكلت أمرها إلى الله تعالى محتسبه وصابرة أن يجزيها الله تعالى خيراً على صبرها ويعاقب المشركين، ونستشف من قصة سمية أن الله سبحانه وتعالى يمهل، ولا يهمل وأنه مهما طال الأمد، فإن كل إنسان سوف يأخذ جزاءه عاجلاً أم أجلاً 


:
قائمة المراجع والمصادر 

.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر، نهضة مصر .للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة- القاهرة 

.
أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، الشعب، 555-630هـ 

الإصابة في تميز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، دار نهضة مصر للطبع والنشر، .الفجالة-القاهرة، 773-852هـ 

.
الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار الصادر، بيروت-لبنان 

.
محمود شيت خطاب، مجلة الأمة،ع6، ص 18، 1406 هـ 







امرأة فى الظل (هند بنت عتبة)

قالت وهى تذكر أيامها الماضية: "لقد كنت أرى فى النوم أنى فى الشمس أبدًا قائمة، والظل منى قريب لا أقدر عليه، فلما أسلمتُ رأيت كأنى دخلت الظل، فالحمد للَّه الذي هدانا للإسلام". بهذه الكلمات الطيبة أرَّخت هند بنت عتبة لحياتها. 

لقد أسلمت يوم فتح مكة بعد أن أسلم زوجها أبو سفيان، ويروى ابنها معاوية - رضى اللَّه عنهم- قصة إسلامها، فيقول:

سمعتُ أمى هند بنت عتبة، وهى تذْكُرُ رسول اللَّه ( وتقول: فعلتُ يوم أُحُد ما فعلتُ من الـمُثْـلَة بعمِّه وأصحابه (أى تقطيع جثثهم بعد موتهم). كلما سارت قريش مسيرًا فأنا معها بنفسي، حتى رأيت فى النوم ثلاث ليال كأنى فى ظلمة لا أُبصر سهلا ولا جبلا، وأرى تلك الظلمة قد انفرجت عنى بضوء مكانه، فإذا رسول اللَّه ( يدعوني. 

ثم رأيت فى الليلة الثانية كأنى على طريق، فإذا بهُبل (أعظم أصنام قريش)عن يمينى يدعوني، وإذا إساف (أحد أصنام قريش، كانت تنحر عنده الذبائح)يدعونى عن يساري، وإذا برسول اللَّه ( بين يدي، يقول: " تعالَي، هلمى إلى الطريق". 

ثم رأيت فى الليلة الثالثة كأنى واقفة على شفير جهنم، يريدون أن يدفعونى فيها، وإذا أنا بِهُبل يقول: ادخلى فيها. فالتفتُّ، فإذا رسول اللَّه ( من ورائي، آخذ بثيابي، فتباعدتُ عن شفير جهنم، وفزعت فقلتُ: هذا شيء قد بُيِّن لي، فعدوتُ إلى صنم فى بيتنا، فجعلت أضربه وأقول: طالما كنت منك فى غرور! وأتيتُ رسول اللَّه (، وأسلمتُ وبايعته. 

وقبل أن تذهب هند لتبايع النبي ( أتت زوجها أبا سفيان، وقالت له: إنما أريد أن أتبع محمدًا. فقال: قد رأيتك تكرهين هذا الحديث أمس. قالت: إنى واللَّه ما رأيت أن عُبِدَ اللَّه حق عبادته فى هذا المسجد قبل الليلة، واللَّه إن باتوا إلا مصلين قيامًا وركوعًا وسجودًا. قال: فإنك قد فعلت ما فعلتِ، فاذهبى مع رجل من قومك. 

فذهبت إلى عثمان بن عفان -رضى الله عنه- فذهب معها، واستأذن له ا النبي ( مع بعض النسوة اللاتى ذهبن إلى رسول اللَّه ( وكان جالسًا على الصَّفا ومعه عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-. 

فقال لهن النبي (: "أبايعكن على ألا تشركن باللَّه شيئًا". فرفعتْ هند رأسها، وقالت: واللَّه إنك لتأخذ علينا أمرًا ما رأيتك أخذته على الرجال، وقد أعطيناكه. 

فقال النبي (: "ولا تسرقن". فقالت: واللَّه إنى لأصبت من مال أبى سفيان هنات (بعض المال القليل)، فما أدرى أيحلُّهنَّ لى أم لا. فقال أبو سفيان: نعم، ما أصبت من شيء فيما مضى فهو لك حلال. 

فقال رسول اللَّه (: "وإنكِ لهند بنت عتبة؟". قالت: نعم، فاعف عمَّا سلف؛ عفا اللَّه عنك. 

قال: "ولا تزنين". قالت: فهل تزنى الحُرَّة؟! 

ثم قال: "ولا تقتلن أولادكن". قالت: قد ربيناهم صغارًا وقتلتَهم ببدر كبارًا. فتبسم عمر -رضى اللَّه عنه- ضاحكًا من قولها، (ويقال: إن النبي ( ضحك من قولها أيضًا). ثم قال النبي (: "قتلهم اللَّه يا هند". ثم تلا قوله (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأنفال: 17]. 

ثم قال: "ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن" (والبهتان أن تدخل المرأة ولدًا من غير زوجها، على زوجها، وتقول له: هو منك، وليس منه). قالت: واللَّه إنّ البهتان لشيء قبيح، وما أمرتنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. 

قال: "ولا تعصيننى فى معروف". فقالت: ما جلسنا فى هذا المجلس، ونحن نحب أن نعصى اللَّه ورسوله فى شيء؟ 

فأقرّ النساء بما أخذ عليهن، فأمر النبي ( عمر -رضى اللَّه عنه- فبايعهن، واستغـفر لهـن النبي ( على مـا كان مـنـهن قبل ذلك. فذلك قوله: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الممتحنة: 12]. 

ولما أسلمت هند أرسلت إلى رسول اللَّه ( بهدية مع جاريتها، فجاءت تلك الجارية إلى خيمة رسول اللَّه ( بالأبطح، فسلَّمتْ، واستأذنتْ فأذن لها. فدخلتْ على النبي ( وهو بين نسائه: أم سلمة، وميمونة، ونساء من نساء بنى عبد المطلب، فقالت: إن مولاتى أرسلت إليك بهذه الهدية وهى معتذرة إليك، وتقول: إن غَنَمَنا اليوم قليلة الوالدة، وكانت الهدية جِدْيَيْنِ مشويين. 

فقال رسول اللَّه (: "بارك اللَّه لكم فى غنمكم، وأكثر ولادتها". 
فرجعت إليها خادمتها فأخبرتها بدعاء رسول اللَّه (، فسرَّت هند بذلك، فكانت مولاتها تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا وولادتها ما لم نكن نرى قَبْلُ ولا قريب، فتقول هند: هذا هو دعاء رسول اللَّه ( وبركته. 

هذه هي أخلاق هند فى إسلامها بعد أن فتح اللَّه قلبها للإيمان من بعد أن أغلقه الكفر، وجمده الشرك، فجعلها تُمثل بسيد الشهداء -حمزة بن عبد المطلب- ثأرًا منه لأنه قتل يوم أحد أباها عتبة وعمها شيبة، وكانا كافرين. إنها جاءت يوم أُحد مع جيش المشركين، وقد نذرتْ لئن قدرت على حمزة لتأكلنّ من كبده، فلما استشهد حمزة -رضى الله عنه- أمسكت بقطعة من كبده، وأخذتْ تمضغها لتأكلها فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها.وسميت لذلك "أكّالة الأكباد". 

وقد حاولت هند أن تكفِّر عمّا سبق منها أيام الجاهلية، فاشتركت فى الجهاد ضد أعداء اللَّه فى موقعة اليرموك، وروَتْ عن النبي، وروى عنها ابنها معاوية، والسيدة عائشة أم المؤمنين. 

هذه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قُصَي، وأمها صفية بنت أمية بن حارثة بن مرة . 

ومن الأحاديث التي روتها، أنها أتت النبي (، فقالت: إن أبا سفيان شحيح، وإنه لا يعطينى وولدى إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فهل على فى ذلك حرج؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: "خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف" [متفق عليه]

هناك تعليق واحد: